برلمانية: تكليفات الرئيس للحكومة الجديدة واضحة لاستكمال مسار الإصلاح    مجلس النواب يشكر حكومة مدبولي: بذلت جهدًا كبيرًا داخليًا وخارجيًا    محافظ الغربية يتابع الإقبال على تقديم طلبات التصالح فى مخالفات البناء بقطور    تذكرة الطيران ب48 ألف جنيه.. برلماني ينتقد الحكومة لعدم تحديد أولويات الإنفاق    ناجى الشهابي: حكومة مدبولي قادوا البلد في ظروف صعبة بحرفية شديدة وضرورة الاهتمام بالصحة والتعليم    محافظ الغربية: نتابع باستمرار ملف التصالح وتبسيط الإجراءات على المواطنين    رئيس المكسيك المنتهية ولايته يهنئ كلوديا شينباوم على فوزها بالانتخابات    قطر تدين محاولة الاحتلال الصهيوني تصنيف "الأونروا" منظمة إرهابية    روسيا :كشف عملاء للمخابرات الأوكرانية يعدون لهجمات ضد أسطول البحر الأسود    بعد الثلاثية.. الأهلي يكرم فريق سيدات الطائرة    الإصابة الثانية.. منتخب إيطاليا يعلن استبعاد مدافع أتالانتا قبل يورو 2024    رودري: اعتزال كروس يلهم الجميع    «بلاش نعمل هيصة ونزودها».. شوبير يحذر قبل مباراة مصر وبوركينا فاسو    محافظ الإسماعيلية يعتمد بروتوكول تعاون بين المديريات استعدادا لامتحانات الثانوية العامة    تعديل تركيب وامتداد مسير عدد من القطارات على خط «القاهرة / الإسماعيلية»والعكس بدءًا من السبت المقبل    رئيس حزب الاتحادى الديمقراطى: حكومة مصطفى مدبولى عملت فى صمت وحققت الكثير من الإنجازات    ثقافة الإسكندرية تقدم "قميص السعادة" ضمن عروض مسرح الطفل    نتنياهو: الحرب فى غزة ستتوقف لإعادة المحتجزين ثم ستتبعها مناقشات أخرى    "التابعى.. أمير الصحافة".. على شاشة "الوثائقية" قريبًا    سُنن صلاة عيد الأضحى.. «الإفتاء» توضح    رئيس الوزراء يتفقد المعرض الطبي الأفريقي الثالث    جامعة كفر الشيخ تتسلم شهادة رخصة مركز تدريب معتمد من المجلس الأعلي للجامعات    الأربعاء المقبل.. انطلاق مهرجان الأفلام اليابانية بالقاهرة    مي عمر عن علاقتها بمحمد سامي: «مبخافش من الحسد ومبركزش في كلام الناس»    تعرف على موعد حفل زفاف جميلة عوض على المونتير أحمد حافظ (خاص)    شاهد.. مجدي أفشة: أنا أفضل لاعب في مصر.. والقاضية ظلمتني    إصابة 4 أشخاص في انقلاب سيارة بالطريق الصحراوي الغربي بقنا    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية في سريلانكا إلى 12 شخصًا    الرئيس الأوكراني يشكر الفلبين لدعم قمة السلام في سويسرا    من الترويج للمثلية الجنسية إلى إشراف «التعليم».. القصة الكاملة لأزمة مدرسة «ران» الألمانية    محافظ الشرقية: إزالة 372 إعلانا مخالفا وغير مرخص خلال شهر    مجموعة "إي اف جي" القابضة تعتزم شراء 4.5 مليون سهم خزينة    نقيب البيطريين: حصلنا على وعد بضم أعضاء النقابة إلى تعيينات ال120 ألف فرصة عمل    6 قرارات للمجلس الأعلى للجامعات لشئون الدراسات العليا والبحوث    بعد الفوز على الاتحاد السكندري.. أبوقير للأسمدة يجدد الثقة في محمد عطية    التحفظ على مدير حملة أحمد طنطاوي لتنفيذ حكم حبسه في تزوير توكيلات انتخابات الرئاسة    أسامة قابيل يوضح حكم تفويض شخص آخر فى ذبح الأضحية؟    مرصد الأزهر: الحفاظ على عقول الأفراد من الانحراف أحد أهم مقاصد الشريعة    نائب رئيس جامعة الزقازيق يتفقد سير الامتحانات بكلية التمريض    صيادلة الإسكندرية: توزيع 4.8 ألف علبة دواء مجانا في 5 قوافل طبية (صور)    عاشور: الجامعة الفرنسية تقدم برامج علمية مُتميزة تتوافق مع أعلى المعايير العالمية    المؤهلات والأوراق المطلوبة للتقديم على وظائف المدارس المصرية اليابانية    الحكومة تتقدم باستقالتها.. والرئيس السيسي يكلف مدبولي بتشكيل جديد    تحرير 94 محضر إنتاج خبز غير مطابق للمواصفات بالمنوفية    دعاء لأمي المتوفية في عيد الأضحى.. «اللهم انزلها منزلا مباركا»    رئيس بعثة الحج الرسمية: الحالة الصحية العامة للحجاج المصريين جيدة.. ولا أمراض وبائية    برلماني يطالب الحكومة بدعم الاستثمار الزراعي والصناعي    الكشف وتوفير العلاج ل 1600 حالة في قافلة للصحة بقرية النويرة ببني سويف    حالات وإجراءات تأجيل امتحانات الثانوية العامة 2024 للدور الثانى بالدرجة الفعلية    هل يجوز للمُضحي حلاقة الشعر وتقليم الأظافر قبل العيد؟.. معلومات مهمة قبل عيد الأضحى    شكري: مصر تستضيف المؤتمر الاقتصادي المصري الأوروبي نهاية الشهر الجاري    بعد انسحاب قوات الاحتلال.. فلسطينيون يرون كيف أصبح حال مخيم جباليا    كوريا الجنوبية تعلق اتفاقية خفض التوتر مع نظيرتها الشمالية    علقت نفسها في المروحة.. سيدة تتخلص من حياتها بسوهاج    للتدخلات الجراحية العاجلة.. كيف تستفيد من مبادرة إنهاء قوائم الانتظار؟    تحرك من الزمالك للمطالبة بحق رعاية إمام عاشور من الأهلي    35 جنيها للمادة.. ما رسوم التظلم على نتيجة الشهادة الإعدادية بالجيزة؟    أفشة: ظُلمت بسبب هدفي في نهائي القرن.. و95% لا يفقهون ما يدور داخل الملعب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زمن المحمل المصرى!
نشر في الأهرام العربي يوم 13 - 10 - 2014


عرفة عبده على
تتردد فى سمع الزمان كل الحكايات التى لا تنتهى عن واحد من أبرز مشاهد التراث الشعبى المصرى :«المحمل وقافلة الحج» وذكريات رحلة العمر، وكل ما كان يحيط بها من ضجيج عذب محبب فى أيام مشهودة كانت ترتج لها القاهرة،«دوران المحمل»، «طلعة المحمل» .. «نزلة المحمل» .. وجموع المودعين تحاول لمس الكسوة الشريفة وكسوة الحجرة النبوية تبركاً، وتتسم عطر الماضى فى ذكريات يختلط الوعى بالمخيلة عن «مصطبة المحمل» و«جمل المحمل» و«شيخ المحمل» و«أمير الحج» .. وأمنيات وأشواق برؤية البيت العتيق واستلام الحج الأسعد والشرب من ماء زمزم وزيارة مثوى النبى فى المدينة المنورة.
قدحظيت «الكسوة الشريفة» بأبلغ اهتمامات الخلفاء والملوك والسلاطين، حيث كانت تحمل من مراكز القوة سواء من بغداد ( الخلافة العباسية) أو من القاهرة (الخلافة الفاطمية / الدولة الأيوبية / سلاطين المماليك / الإمبراطورية العثمانية، وكانت الكسوة تحمل إلي الكعبة المشرفة وسط حفاوة رائعة ومراسيم خاصة بحامل من الخشب يطلق عليه « المحمل».
ويذهب بعض المؤرخين إلى أن تاريخ «المحمل» يرجع إلي سنة 645 ه ، ووصف بأنه " الهودج" الذي أقل ملكة مصر "شجرة الدر" في حجها في ذلك العام، ثم صار يسير – فارغاً – سنوياً أمام قافلة الحج، لأن مكان الملوك لا يشغله غيرهم!
ويذهب البعض إلي أن فكرة المحمل أقدم من ذلك، وربما إلي عصر ما قبل الإسلام، فكانت تطلق على الجمل الذي يحمل الهدايا إلي الكعبة المشرفة، وقد سير خاتم المرسلين – صلى الله عليه وسلم – محملاً إلي مكة بهداياه إلي البيت المعظم، وما ورد في المصادر التاريخية عن تجهيز ومسارات: المحمل العراقي ، المحمل الشامي ، المحمل اليمني ، و محمل " سبهان " ابن الرشيد ومحمل «ابن سعود» و محمل ابن دينار كذلك محمل النظام ملك حيدر أباد بالهند يأتي مكة مع الحاجين من بلاده حاملاً هداياه إلى أهل الحرمين الشريفين.
والمحمل عبارة عن إطار مربع من الخشب هرمي القمة مغطى بستار من الديباج الأحمر أو الأخضر وغالباً ما يزدان بزخارف نباتية وأشرطة كتابية مطرزة بخيوط من الذهب وينتهي من الأسفل بشراشيب وللمحمل أربعة قماقم من الفضة المطلية بالذهب في الزوايا الأربعة، ويوضع داخل المحمل مصحفان صغيران داخل صندوقين من الفضة المذهبة معلقين في القمة إضافة إلي الكسوة الشريفة، يوضع المحمل على جمل ضخم يسمى (جمل المحامل) و يتمتع هذا الجمل باعفائه من العمل بقية أيام السنة!
وكان للمحمل عشرون جملاً لهذه المأمورية، وكان لها مناخ فى بولاق ابو العلا بجوار ضريح «سيدى سعيد» وكانت الحكومة تشترى مع هذه الجمال «جملاً تجعله فداء عنها كل سنة» وقبل خروج قافلة الحج، كان "شيخ الجمل" يركب جمل الفداء هذا يحيط به: العكامة و الضوية وأمامهم الفرايحية، يحيط بهم حشود الناس، فى موكب يجوب شوارع القاهرة حتى يصل إلى باب ضريح سيدى سعيد، حيث يذبح هناك، ثم يقسم: الربع للمحاملى «شيخ الجمل» والربع الثانى للجمالة، والربع الثالث لسدنة ضريح سيدى سعيد، والربع الأخير لسدنة ضريح الشيخ يونس.
صرة المحمل
أشار مؤرخو مصر الإسلامية الى جملة ما يصرف على المحمل وقافلة الحج: «مائة وعشرون الف دينار» وصلت فى بعض السنوات فى عصر دولة سلاطين المماليك إلى: مائتى ألف دينار ، شاملة «نفقة الوفد الواصل إلى الحضرة» وتكلفة الحمايات والصدقات وأجرة الجمال والمعاونين وخدم القافلة وحفر الآبار.
وكانت هذه النفقات تودع فيما عرف ب«صرة المحمل» بمقتضى إشهاد شرعى، وكتب الأميرالاى «إبراهيم باشا رفعت» أمير الحج فى عام 1318ه / 1900م " وكانت النقود التى أودعت – صرة المحمل – فى سنة 1318ه سلمت لأمين الصرة بمقتضى إشهاد شرعى رسمى عمل بمحضر ناظر (وزير) المالية وأمير الحج – أمين الصرة – وصرافها وصراف من المالية ومندوب من قبل حضرة صاحب الفضيلة قاضى قضاة مصر، وكان جملة ذلك بالجنيه المصرى والمليم:
مليم جنيه
1⁄4 262 18893
(لاحظ إثبات الربع مليم)
والمبالغ المذكورة تشمل مرتبات رجال المحمل جميعهم مدة ثلاثة أشهر، وهى المدة المقدرة لسفر المحمل ومرتب أمير مكة والمقدر لأشرافها وللعربان ولتكيتى مكة والمدينة وجميع النفقات الأخرى اللازمة من أجرة الجمال وثمن علف الدواب، إلخ!
وأورد "محمد لبيب البتنونى"كشفا ً ببيان"ما يصرف من المالية سنويا ً فى تسفير المحمل والمرتبات الجارى صرفها فى مكة المكرمة والمدينة المنورة حسب الوارد فى ميزانية سنة 1907" على النحو التالى:
1282 جنيها مصريا مرتبا وتعيينات لأمير الحاج ومستخدمى المحمل
2511 العربان 1493 جنيه مصرى، الأشراف بمكة والمدينة المنورة 1961 جنيها مصريا، تكية مكة 1657 جنيه مصرى، تكية المدينة المنورة 2879 جنيها مصريا.
3000 جنيه مصرى، لمكة والمدينة تصرف من أوقاف الحرمين والأوقاف الخصوصية والأهلية ومن الخاصة الخديوية والمالية. 22500 جنيه مصرى، ثمن ومصاريف قمح الصدقة بمكة والمدينة، 1629جنيها مصريا، شمع وقناديل للحرمين الشريفين 155 جنيها مصريا.
4248 جنيها مصريا، أجرة منقولات برا ً وبحرا ً وأجر جمال 6420 جنيها مصريا، قيمة مخصصات الحرمين من الزيوت والحصر وخلافه من ديوان الأوقاف 265 جنيها مصريا، مصروفات نثرية 50,000 جنيه مصرى.
مجموع المنصرف سنويا
المحمل المصرى فى عصر سلاطين المماليك
كان موسم الحج فى عصر سلاطين المماليك خاصة بمثابة تأكيد لزعامة مصر على العالم الإسلامى، فقد كانت قافلة الحج المصرى أضحم قافلة للحج وأوفرها نظاماً وحماية وأعظمها ثراء وأبهة، وكثيراً ما كان سلطان مصر يخرج على رأس ركب الحج، فينشر هيبة دولتة، وحسب مصر فى عزها القديم أن كثيراً من ملوك العالم الإسلامى كانوا يستأذنون سلطان مصر قبل أن يخرجوا من بلادهم للحج ليكونوا فى حمايته، كما فرضت طبيعة موقع مصر أن تكون مركزاً لجمع نسبة ضخمة من حجاج العالم الإسلامى، خصوصا شمال وغرب إفريقيا وجزر البحر المتوسط ، كما كان يقصدها حجاج بلاد الشام وتركيا والقوقاز فبالسنوات التى لا يخرج فيها المحمل الشامى.
وللمحمل المصرى ذكريات وأيام مشهورة فى تاريخ القاهرة ، حفظتها أقلام المؤرخين والرحالة المسلمين والأجانب، وكان يضم ستائر الكسوة الشريفة الجديدة، ثمانية أحمال أو ستائر من الحرير الأسود الفاخر المخيط بالحرير الأبيض المفتول والمخيش الفضى الملبس بالذهب البندقى، بالإضافة إلى كردشيات (جامات) الكسوة، وستارة باب الكعبة (البرقع) وتتكون من: العتبة والطراز والقائم الصغير والقائم الكبير والوصلة، ثم كسوة مقام إبراهيم عليه السلام، وستارة باب مقصورة إبراهيم عليه السلام، وستارة باب التوبة، وستارة باب منبر الحرم المكى ثم كيس مفتاح الكعبة المشرفة، بالإضافة إلى كسوة الحجرة النبوية الشريفة وستارة المنبر النبوى.
فى أحداث سنة 918 ه ، أشار المؤرخ العظيم "ابن إياس" إلى أنه فى الرابع عشر من شهر شوال "جلس السلطان بميدان القلعة وعرضوا عليه كسوة الكعبة الشريفة والبرقع ومقام إبراهيم عليه السلام والمحمل وشقوا بهم من القاهرة وكان لهم يوم مشهود، وفى ثامن عشرة خرج الحاج من القاهرة وصحبتهم المحمل الشريف".
حفل تنصيب أمير الحج المصري
كان اختيار أمير الحج يتم بعناية فائقة من بين الشخصيات التي اشتهرت بالتقوى والصلاح، وعرف عنها القوة و الشجاعة ، و القدرة على حسن التصرف.
وفي ليلة الاحتفال بالمولد النبوي كان السلطان يجتمع بالدوادار الكبير والقضاة الأربعة والعلماء و الأمراء من كبار رجال الدولة في "الحوش السلطاني" بالقلعة وكان "يوماً مشهوداً " يبدأ بتلاوة القرآن و"ختم البخاري" وقصائد وابتهالات في مولد النبي ويمد "سماط حافل" وتقدم المشروبات المحلاة بالسكر وماء الورد وعصير اللوز إلي السلطان وضيوفه، فكان السلطان يشرب بعضاً من قدح شرابه، محتفظاً بالباقي إلي من اختاره ليكون أميراً للحج، وعند تقديم القدح للأميرالمختار، يتقدم من فوره لتقبيل يد السلطان، ويقوم شهود الحفل جميعهم بتقديم التهنئة إلي أمير الحج ، ويقدم إليه السلطان " الخلعة " زي التشريفة، كما يخلع على الحاضرين الخلع ويفرق الصرر، وينزل أمير الحج من القلعة في موكب حافل يشق شوارع القاهرة، حيث يبدأ على الفور الإعداد للرحلة المقدسة، وترتيب موظفي الهيئات الإدارية والقضائية والمالية و العسكرية والخدمات المعاونة.
فى عصر الإمبراطورية العثمانية
وكان أبرز ما يميز الاحتفال بدوران المحمل فى العصر العثمانى،كما أشار الرحالة الورثيلانى:"خروج العوام والنساء، حيث تنطلق الزغاريت من الطيقان، والناس مشرفون من الديار والمساجد التى تلى الشوارع، وتعطل فيها الأسواق فى ذلك اليوم"، وسمى الورثيلانى دوران المحمل:"الخروج الأول"! فكتب :"يخرج المحمل الخروج الأول فيؤتى به من دار الصنعة فتضرب سجافة على باب القلعة فتخرج الصناجق كلها والأمراء والولاة والحكام والقاضى، كل مع أتباعه، ولكل مجلس عموم فى السجافة المضروبة، ومجلس الباشا فى الوسط" ثم يتوجه الجميع راكبين خيولهم فى حراسة طائفة من العسكر إلى ميدان الرميلة (القلعة)، "فإذا جلس الباشا جىء بالجمل الذى يحمل المحمل، ويبدو على هذا الجمل حسن الطلعة، والكسوة من الديباج المخوص بالذهب، ورأس الجمل ورقبته وسائر أعضائة محلاة بجواهر منظمة أبلغ نظم " وعندما تعرض قطع الكسوة بين يدى الباشا والأمراء "يقومون لها إذا مرت تعظيما ً لها" ثم يمرون بها فى الشوارع والأسواق، بينما تتدافع حشود الناس لمحاولة لمسها والتبرك بها، حتى تصل إلى مسجد مولانا الإمام الحسين.
وقد أشار مؤرخنا "الجبرتي" إلي ذلك الاحتفال المشهود الذي كان يعقد عند "إتمام عمل الكسوة" بحضور الباشا أو نائبه، فيسيرون بها في موكب عظيم يشقون به من القلعة إلي مسجد مولانا الإمام الحسين، إلي أن يحين موعد خروج المحمل وقافلة الحجيج إلي مكة، وعندما تحدث علي باشا مبارك في خططه عن " المشهد الحسيني" قال:"وفي شهر شوال تحمل إليه كسوة الكعبة الشريفة بموكب، فتخاط فيه، وتحمل منه بموكب إلي غير ذلك من العوائد الجليلة".
"دوران المحمل" فى عهد الأسرة العلوية
كان يحتفل ب "دوران المحمل" عادة فى شهر رجب، وكان الغرض من تدوير المحمل هو إعلام من يرغب بالحج للتأهب والاستعداد لرحلة العمر، وإعلام الناس عامة أن طريق الحج آمن.
وكانت نظارة (وزارة) الداخلية ترسل الى نظارة المالية: إشعارا ً بتعيين أمير الحج وأمين الصرة، ثم ترسل المالية إلى كليهما خطابا ًمحدد فيه واجباتهما، وكشف بعدد الموظفين والأطباء والعكامة والمشاعلية وغيرهم من الضباط والجنود والخدم وعدد الخيام والجمال وسائر المستلزمات.
وكتقليد متبع فى كل عام، وبالتحديد فى شهر ذى القعدة، كانت نظارة الداخلية ونظارة المالية يتفقان على اليوم المحدد النقل الكسوة من: دار الكسوة الشريفة (مصلحة الكسوة / ورشة الخرنفس) التى أمر ببنائها محمد على باشا عام 1232 ه بحارة النصارى المعروفة بخميس العدس، إلى مسجد الإمام الحسين رضى الله عنه ويصدق الخديو على تعيين ذلك اليوم، ويصدر الأمر من رئيس مجلس النظار بتعطيل الدواوين والمصالح الحكومية، وينشر ذلك فى الجريدة الرسمية، وتخطر نظارة الداخلية نظارة الحربية ومحافظة العاصمة ليكون الجميع ضباطا وجنودا على أهبة الاستعداد، كما تقوم المحافظة بإرسال الدعوات إلى العلماء وكبار رجال الدولة لحضور الاحتفال، الذى بيدأ غالبا فى الساعة التاسعة صباحا.
قبل أن يحين الموعد بنحو الساعة ، وفى ميدان القلعة تجاه "مصطبة المحمل" يصطف الجنود حاملين أسلحتهم، ويبدأ توافد المدعوين فيستقبلهم وكيل المحافظة ومندوبوها، ويجلس العلماء فى الميمنة، خلفهم المندوب العثمانى والنظار والأمراء والأميرات وكبار الأعيان والتجار، وفى الميسرة يجلس كبار موظفى الديوان الخديوى، خلفهم قادة الجيش والجميع بملابس التشريفة فى انتظار "الجناب العالى" الذى يحضر فى عربة يجرها أربعة جياد، وبجواره رئيس النظار، ثم عربات كبار رجال الياوران والمعية، يحيط بالجميع 148 من فرسان الحرس الخديوى، وتؤدى للخديو مراسم الاستقبال الرسمى باطلاق 21 طلقة مدفعية ثم السلام الخديوى، وبعد أن يحيى الجميع يجلس فى مكانه المخصص وبعدها يأخذ "مأمور تشغيل الكسوة" بزمام جمل المحمل ويدور به ثلاث مرات ثم يتوجه نحو الخديو الذى ينزل إلى أول درجة من المصطبة ، فيتقدم إليه مأمور الكسوة بكيس "مفتاح الكعبة" مبسوطا على كفيه، فيتناوله سموه ويقبله ثم يتلوه قاضى القضاة، ثم يتلى "دعاء المحمل" وتقدم الهدايا إلى أربابها، ثم يعتلى أمير الحج جواده وخلفه المحمل وتعرض قطع الكسوة على المشاهدين فى حراسة "أورطة" من الجنود، ويستعرض الخديو قوات رمزية من الجيش ومن سلاح الفرسان وحامية ركب الحج المصرى، وعقب انتهاء الحفل، بدور ركب المحمل بشارع محمد على ثم شارع سوق السلاح فالدرب الأحمر إلى باب زويله ثم الغورية فالسكة الجديدة حتى يتخذ طريقه إلى المشهد الحسينى، حيث أمير الحج وأمين الصرة فى استقبال الكسوة وعقب دخولها يزوران مع السدنة ضريح مولانا الامام الحسين، وفى موعد محدد بالمسجد الحسينى وبحضور ناظر المالية وقاضى القضاة وأمير الحج وأمين الصرة: يحرر "إشهاد" شرعى بتسليم الكسوة، ثم توضع فى صناديق مخصصه لذلك، وأيضا إشهاد شرعى بتسليم الصرة ولكن فى مكتب معالى ناظر المالية.
"طلعة المحمل"
رافق "محمد لبيب البتنونى" صاحب "الرحلة الحجازية": الجناب العالى الخديو عباس باشا حلمى الثانى، فى رحلته "لأداء فريضة الحج وزيارة الروضة الطاهرة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام" وبدأت هذه الرحلة المباركة فى صباح يوم 29 ذى القعدة سنة 1327 ه ، وكتب عن خروج المحمل أو "طلعة المحمل" كما كان شائعا على ألسنة عامة الناس:"ويعمل للمحمل يوم خروجه من مصر احتفال كبير من أيام الدولة الأيوبية، وهذا الاحتفال الآن له يوم مشهود بالقاهرة تمشى فيه الجنود الراكبة والبيادة وحرس المحمل وركبه وخدمته من ضوية وعكامة يتقدمهم أمير الحج الذى يعينه الجناب العالى الخديوى سنويا، وهو من الباشوات العسكريين فى الغالب، وبعد أن يدور المحمل دورته المعتادة فى ميدان القلعة يمر على المصطبة، وهى المكان المعد لجلوس الجناب العالى الخديوى يوم هذا الاحتفال ومعه رجال حكومته السنية من الوزراء الفخام والعلماء الإعلام وكبار وذوات العاصمة، وهنالك يأتى حضرة مأمور الكسوة الشريفة وبيده زمام جمل المحمل فيستلمه الجناب العالى منه ويسلمه إلى أمير الحاج، وعندها تضرب المدافع ويسير الموكب تتقدمه أشاير السادة الصوفية ثم الجنود ثم جمل المحمل يتقدمه أمير الحاج ويتلوه المحاملى والجمالة ثم الفرايحية (الطبالون) على جمالهم، ويستمر هذا الموكب سائرا إلى المحجر فالدرب الأحمر ويمر من بوابة المؤيد فالغورية فالنحاسين فباب النصر فالعباسية، وهنالك يتفرق الموكب وينزل ركب المحمل إلى خيامهم التى ضربت لهم فى فضاء العباسية، وينصب المحمل فى وسط ساحتها ليزوره من يريد التبرك به حتى إذا كان يوم السفر إلى السويس نقلوه مع أدواتهم وذخائرهم إلى وابور المحمل الذى يكون مهيأ فى محطة العباسية، وبعد الشحن يسير إلى السويس ومنها يبحر إلى جدة ، ثم يقصد مكة برا".
الاحتفال فى مكة مكرمة والمدينة المنورة
فى يوم وصول المحمل وقافلة الحج المصرى، يخرج شريف مكة للقائها ، فى موكب من الأمراء وإمام وعلماء وخطباء الحرم المكى وشيوخ قبائل العربان، فيتقدم الجميع إلى أمير الحج المصرى بالتحية والتعظيم، وتطلق المدفعية 21 طلقة بينما يصطف جنود البيادة لأداء واجب السلام، وفى اليوم التالى ، يقام احتفال مشهود بغسل الكعبة المعظمة وإلباسها كسوتها الجديدة .
وعند وصول المحمل المصرى إلى المدينة المنورة يدخلها باحتفال رائع من "باب العنبرية" حيث يطلق له واحد وعشرون طلقة مدفعية، حتى إذا وصل الركب إلى "الباب المصرى" ترجل الجميع إجلالا ً لمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكون فى استقبال القافلة: والى المدينة وشيخ الحرم النبوى ونقيب الأشراف وأعيان المدينة، فإذا وصلوا إلى "باب السلام" تقدم شيخ الحرم واستلم زمام الجمل وأصعده على سلم الباب ثم أناخه على تلك الصدفة الواسعة، ويرفع المحمل حتى يوضع فى مكانه غربى المنبر الشريف وترفع كسوته المزركشة ويلبسونه الكسوة الخضراء، ثم يرتدى أمير الحج المصرى وكبار المستخدمين لباس الخدمة فى الحجرة الشريفة، ثم يحملون الكسوة الجديدة بكل إجلال ويدخلونها الحجرة الشريفة من الباب الشامى، فى جانب من روضة السيدة فاطمة الزهراء رضى الله عنها.
نزلة المحمل
وعند عودة المحمل وقافلة الحج إلى مصر، كان يحتفل بقدومه رسميا وشعبيا بحضور السلطان أو الوالى أو الجناب العالى، وعند وصول الموكب إلى "مصطبة المحملط بميدان القلعة، يستلم الحاكم زمام جمل المحمل من أمير الحج ثم يسلمه إلى "حضرة مأمور تشغيل الكسوة" وعندها تنطلق مدافع القلعة.
وحتى عصر مصر الملكية كانت نزلة المحمل:"يوم ترتج له أطراف القاهرة ، والزينات الخصوصية فى أبهى مظاهرها" وكانوا "يبلون السكر بماء الورد فى أحواض كبيرة يشرب منها الغادون والرائحون مدة ثلاثة أيام"، وعقب الانتهاء من الاحتفال، تحفظ الكسوة القديمة فى مخزن تابع للمالية، أما الكسوة الخضراء فيكسى بها سنويا بعد العودة: ضريح يونس السعدى فى باب النصر "وكانت له مدة حياته خدمة فى سفرية المحمل" .
والمستشرق البريطانى الأشهر "إدوارد لين" والذى اكتسب معرفة أكبر بالمصريين ونظرة أعمق وأشمل عن تقاليدهم المتوارثة وتفاصيل حياتهم اليومية، خلال عودته الثانية إلى القاهرة فى الفترة 1833 – 1835م ، وتزين بالزى الشرقى واختلط بالمسلمين فى المساجد والأسواق والحارات، وبعد أن تحدث عن "المحمل" ومراسم استقباله فيما كان يعرف ب"نزلة المحمل"، قال:"ويزين المصريون مدخل منزل العائد من الحج قبل نحو ثلاثة أيام من وصوله: فيلونون الباب والحجارة باللونين الأحمر والأبيض، وإن كانت الحجارة من الآجر فتزين بالطريقة عينها بخطوط أفقية عريضة من اللونين الأحمر والأبيض، ويصبغون أحيانا ً الأشجار والجمال باللون الأخضر أو الأسود أو الأحمر أو غيرها من الألوان بطريقة بدائية، وقد يوجه الحاج كتابا ً مسبقا ً إلى ذويه يطلب منهم إعداد مثل هذه الترتيبات، ويقيم الحاج فى الليلة التالية لوصوله حقلة لأصدقائه تعرف "بحفلة النزلة"، ويتدفق الضيوف عليه مهنئين مرحبين بعودته ويقولون له :"صل ليغفر لى" ، ويبقى فى منزله عادة أسبوعا كاملا بعد عودته ، ويقيم فى اليوم السابع حفلة أخرى لأصحابه تعرف "بحفلة السبوع"، وتستمر هذه الحفلة طوال النهار والليلة التالية، وتنتهى بختمة أو ذكر فى المساء".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.