رشا عامر تقول الحكمة «لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد» ولكننا كثيرا ما نجد أنفسنا فى حالة دائمة من التأجيل بحجج كثيرة...»سأفعل ذلك بعد خمس دقائق»..»ماذا سيحدث لو تأجل ذلك إلى الغد»؟ العلم الحديث أثبت أن مسألة التأجيل أو التسويف أو المماطلة ما هى إلا حالة لها أسباب نفسية ومجتمعية يمكن تفسيرها وبالتالى فهم أسبابها.. الدكتور مارتن كيرت فى دراسته الأخيرة حول هذا الموضوع يؤكد أن التسويف يأتى، إما بسبب انعدام المزاج للقيام بالمهمة الموكلة إلينا وتكون أعراضها تصور أنه مع شروق شمس اليوم التالى سنكون فى حالة نفسية أفضل تجعلنا نقوم بها، أما السبب الثانى فهو غياب الحافز وتكون أعراضه عدم الرغبة فى القيام بالمهمة من الأساس واستمرار المماطلة فيها انتظارا لأن يتولاها شخص آخر أو أن يتم إلغاؤها من الأساس . ويعد الدافع هو المحرك الرئيسى للقيام بأى عمل حتى لو لم يكن هذا الدافع ماديا . فقد يكون الدافع هنا عقوبة أو غرامة مثل تلك التى تفرض على التأخير فى دفع فواتير التليفون، إذ يجد الشخص نفسه مضطرا للذهاب لدفعها خشية الغرامة.. أما فى حالة عدم وجود الدافع وهو الغرامة فبالطبع لن يذهب أحد فى الموعد، لذلك نلاحظ أن 90 % من مشتركى التليفون يدفعونها فى الموعد الأخير قبل فرض الغرامة! أحد الأسباب المهمة أيضا لتأجيل العمل هو الخوف من الفشل فى إتمامه، لذلك تأتى المماطلة للابتعاد قدر الإمكان عن مواجهة لحظة الفشل هذه، وتنطبق هذه الحالة فى أبسط صورها على المريض الذى لابد له من إجراء عملية لكنه يخشى من الفكرة، وبالتالى يلجأ إلى التأجيل يوما بعد آخر مما ينذر بعواقب وخيمة وانهيار فى حالته الصحية أكثر مما كان عليه فى البداية. نفس الفكرة تنطبق على من تريد إنقاص وزنها، إذ يدفعها الخوف من الفشل إلى تأجيل اتخاذ هذا القرار، مما يؤدى بها إلى الوقوع فى حلقة مفرغة، فهى تزداد وزنا يوما بعد يوم، مما يجعل الأمر أكثر صعوبة، وبالتالى تصبح المهمة أكثر تعقيدا وأكثر عرضة للفشل . وكلما ازداد التأجيل أصبحت المهمة أكثر ثقلا . وتؤكد الدراسة أن المماطلة فى القيام بالأعمال تصيب جميع البشر وليس نوعية معينة منهم، لكن يجب الانتباه إلى أن هناك فارقا بين المماطلة ووضع جدول زمنى لأعمال الغد، فليس كل ما يوضع فى جدول اليوم التالى يسمى مماطلة ولمعرفة الفرق بين الاثنين يجب طرح السؤال التالى..»هل تأجيل هذا العمل من شأنه أن يؤثر على علاقتى بالآخرين أو على حياتى بالسلب؟ القضية هنا أننا جميعا نعانى من الرغبة فى التسويف، لكن إلى أى مدى يبلغ هذا التسويف؟ المشكلة تصبح مشكلة حقيقية عندما يصبح هذا التسويف هو نمط الحياة العام.. فلا شيئ يتم تأديته فى موعد،ه فضعف الإرادة والتراخى مع النفس وفتور الهمة وقلة العزيمة والتهاون مع النفس وعدم أخذها بالحزم والحسم كل هذا من الأسباب القوية التى تؤدى بل وتؤصل فى النفس آفة التسويف ومن ثم القعود عن العمل بحجة أنه ما زال فى الغد فرصة. وللتغلب على ذلك يجب فرض زمن معين للقيام بالعمل وإجبار النفس على القيام به دون تفكير ودون إعطاء مزيد من الوقت والمفتاح هنا هو تحديد الهدف وتذكير النفس بأن أمامها مثلا خمس دقائق فقط لكى تبدأ المهمة لتصبح المسألة أشبه بجرس الإنذار المزعج الذى لن يتوقف إلا بعد إتمام المهمة. وتعطينا الدراسة حلولاً أخرى للتخلص من تأجيل العمل منها اتباع قاعدة الثلاث دقائق فإذا كانت المهمة المراد القيام بها ستستغرق أقل من ثلاث دقائق فلنقم بها على الفور دون أدنى تفكير ولا تأجيل، لأنه مع كل تأجيل نفقد مزيدا من الوقت والجهد والطاقة وفى النهاية نضطر للتأجيل بدلا من القيام بها.. يمكن أيضا تقسيم الوقت لتتضاعف فاعلياته، فمثلا يمكننا النزول لشراء بعض مستلزمات المنزل بدلا من مشاهدة الإعلانات التى تسبق مسلسلنا المفضل والذى يمكن استغلال مشاهدته فى القيام ببعض الأعمال الخفيفة، ويمكن أيضا غسل الأطباق القابعة فى حوض المطبخ حتى يغلى الشاى . أما إذا كانت المسألة أصعب من كل ذلك فيمكن تحديد مكافأة للنفس بعد الانتهاء من إتمامها..مثلا..إذا انتهيت من كتابة كل التقارير المطلوبة منى ومراجعة كل الأوراق سأذهب غدا للاستجمام فى النادى طوال اليوم، أو سأتناول الغداء فى الخارج أو سأخرج مع أصدقائى. تنتقل الدراسة بعد ذلك إلى معرفة من المتسبب فى المماطلة والتسويف فتقول إنه يعود بالدرجة الأولى إلى الأسرة التى لها دور كبير فى تأصيل التراخى فى نفوس البناء لأنهم القدوة التى يرجع إليها الأبناء دائما ونفس الشئ ينطبق على الأصدقاء، فالكسالى لا يصادقون إلا الكسالى أمثالهم، بل قد يؤثرون بالسلب على النشطين. ومن الآثار السيئة للتسويف هو عدم تحقيق النجاح المنشود، وكذلك الندم بسبب ضياع الفرص خصوصا إذا لم تأت ثانية وتراكم الأعمال، مما يؤدى إلى استحالة القيام بها دفعة واحدة، مما يؤدى إلى الإصابة بالإحباط واللجوء إلى المزيد من التراخى والإهمال، وفى النهاية حصد المزيد من الفشل والإخفاق . فالحقائق تؤكد أن الناجحين من أشد أعداء التسويف، وعلى النقيض من ذلك نجد التسويف صفة من صفات الفاشلين. فالتسويف آفة من الآفات المعادية للهمة، إذ تجد الإنسان الكسول يؤجل عمل يومه إلى الغد أو بعد الغد، وقد يكون مصمماً فعلاً على إنجاز هذا العمل غداً أو بعد غد، لكنه لم يأخذ الظروف والعوامل الخارجية أو الظروف النفسية الذاتية الداخلية فى الحسبان أو حتى الظروف الصحية، إذ كثيرا ما يستيقظ الإنسان من نومه ليجد نفسه مريضا وغير قادر على مغادرة الفراش، وبالتالى قد يعيقه ذلك بالطبع عن القيام بالعمل الذى كان فى استطاعته إنجازه لو قام به فى وقته المحدد ولم يلجأ فيه إلى التسويف. إضافة إلى أن أن المسوّف يعمل بشكل ارتجالى بعيد عن التخطيط الصحيح والتنظيم الفعال لذلك يجب التأكيد على أن التسويف من صفات الضعفاء أصحاب الفكر المريض والرأى الضعيف والهمة المتدنية، لذا علينا أن نمحو من ذاكرتنا هذه الكلمات.. «سأقوم بعمل ذلك غداً» – «فيما بعد» – «سأفعل ذلك غدا». فلكل عمل وقته الخاص به.. فلا يصح تأجيل عمل اليوم إلى الغد، خصوصا إذا كانت هناك خطة زمنية معدة سلفا ومحددة الوقت لإنجاز الأعمال. وبناء عليه يجب أن نضع فى ذهننا إنجاز العمل المحدد طبقاً للأهداف المحددة وبالجودة المطلوبة والابتعاد عن المثاليات، فقد يكون طلبها أحد أسباب تأجيل العمل ومن ثم عدم إنجازه، وذلك عندما يصل الشك فى القدرة وعدم الثقة فى النفس إلى أقصى الحدود عند الأشخاص المثاليين الذين يضعون نصب أعينهم أهدافاً مثالية فيخافون تنفيذ أى عمل خشية الإخفاق ليصبحوا بذلك مداومين على التأجيل مما يجعلهم يتميزون بموهبة خارقة فى خداع أنفسهم وغالباً ما يسيئون تقدير الوقت اللازم لتأدية عمل ما. إذن فتجنب اختلاق الأعذار والتعامل مع الوقت بذكاء ومكافأة النفس وعدم بخسها حقها فى التشجيع ومحو كلمات التسويف من الذاكرة والتاكيد على أن لكل عمل وقته الخاص به، والعمل على التخطيط الصحيح والعزيمة هما من أهم وسائل التغلب على تأجيل عمل اليوم إلى الغد.