محمد عباس كما لا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار لدى شاعرنا الجميل الراحل نزار قبانى .. لا توجد آراء بورسعيدية وسطى أو معتدلة أو موضوعية تجاه ألتراس المصرى .. وخصوصا الفصيل الرئيسى والفاعل فى مجموعاته المتعددة .. فصيل (جرين إيجلز) الأكثر عدة وعتادا بين أقرانه ومنافسيه.. هناك من يتعامل معهم على أساس الشيطنة لمسئولية قطاعات كبيره منهم عما آلت إليه حال بورسعيد من جميع النواحى الإنسانية (سقوط أكثر من 60 قتيلا من شباب المدينة، وإصابة الآلاف جراء مواجهات الألتراس مع الداخلية، والإخوان والسلفيين) والاقتصادية (حالات الكساد والإفلاس وخراب البيوت وقطع أرزاق آلاف من الباعة بأسواق المنطقة الحرة نتيجة مقاطعة الملايين من المصريين للمدينة نتيجة تدهور أوضاعها الأمنية عقب مأساة ستاد بورسعيد المروعة والتى راح ضحيتها 72 مشجعا أهلاويا على يد من استغل طيش وتعصب بعض أعضاء ألتراس المصرى وكراهيتهم للأهلى فى تفجير أسوأ حوادث العنف بملاعب كرة القدم المحلية والعالمية على الإطلاق). وهناك من يشيد بدورهم الطليعى فى مواجهة الإخوان وعصرهم البائد على مدار سنة ولا يتهم بالفاشلين والكبيسة.. ويعتبرهم .. المفجر الحقيقى لثورة 30 يونيو.. التى أطاحت بالعصابة الإرهابية وخلصت مصر والمصريين من شرورهم ، وإشادة هؤلاء بألتراس المصرى دائما ما تأتى مقترنة بالعديد من وقائع لا ينكرها إلا جاحد أو ناكر بدور ألتراس المصرى فى تفجير شرارة التصدى وبعنف لحكم الإخوان مبكرا فى الوقت الذى كان المصريون يسيرون باتجاه الاستسلام لقدرهم مع تلك الجماعة الدموية التى خطفت مصر وخططت لاحتلالها 5 قرون على الأقل. وتتوالى تلك الوقائع على الذاكرة المصرية والبورسعيدية حاليا .. عبر عدة أسئلة لمحبى ومؤيدى ألتراس المصرى بالمدينة الباسلة والتى تبدأ بالاستفهام عن مكان وأطراف أول مواجهة دموية بين الشعب المصرى وداخلية الإخوان؟ ألم تكن فى بورسعيد وكان طرفها ألتراس المصرى وتحديدا يوم 26 يناير من العام الحالى، وعقب الأحكام القاسية التى صدرت بحق متهمى الألتراس فى قضية ستاد بورسعيد وراح ضحيتها 52 شابا وعضوا بالألتراس؟ وهى أول مدينة مصرية أعلنت حالة العصيان المدنى احتجاجا على حكم وتسلط الإخوان استجابة لدعوة ألتراس الكرة بتلك المدينة؟ أليست بورسعيد؟ ومن قاد أول حملة شعبية لجمع وتوثيق توقيعات الأهالى لتفويض للجيش وقائده الفريق أول عبد الفتاح السيسى للإطاحة بحكم الإخوان، وتولى المسئولية بالبلاد ؟ أليسوا قيادات ومجموعات ألتراس المصرى ممن أطلقوا تلك المحاولة فى فبراير الماضى لتجد صداها لدى الشعب المصرى بعد أشهر عبر حملة تمرد وتفويض الشعب للقائد السيسى؟ ومن أرسل أولى رسائل الاستغاثة العالمية للخارج عبر بالونات وإشارات ولافتات الغوث الدولية للعابرين لقناة السويس، للفت الأنظار لحقيقة مأساة الشعب المصرى فى ظل الحكم الاستبدادى للإخوان؟ أليسوا البورسعيدية وألتراس المصرى؟ ولقناعة الأغلبية من أهالى بورسعيد المتعصبين لمدينتهم بكل مكوناتها وعلى رأسها الألتراس، كان طبيعيا أن تتعدى سطوة هؤلاء الشباب لما هو أكبر وأخطر من تشجيع فريقهم الكروى، وكان متوقعا أن تتداخل قضيتهم مع قضايا السياسة والاقتصاد والحياة اليومية للمواطنين بالمدينة الصغيرة التى يتنفس أغلب مواطنيها كرة قدم بطعم فتاهم الأول والأوحد، المصرى البورسعيدى، وكان مؤسفا تحول بعض قيادات ومجموعات الألتراس لميليشيات تابعة لبعض الأثرياء الجدد بالمدينة مما ضاعف الغياب الأمنى ومن ثم عمليات التهريب الكبرى مما أفقدهم ثرواتهم بشكل أسطورى خلال العامين الماضيين، وتحول قطاع منهم لأداة فى يد القيادات السياسية والشعبية وأحيانا الأمنية، والأسوأ طبعا تحول بعض تلك القيادات لمشاهير يظنون فى أنفسهم قدرة الأمر والنهى فى كل ما يتعلق بالمدينة، ولابأس طبعا من تحقيق الكثير من المزايا المالية والعينية على حساب جموع أعضاء الألتراس صغيرى السن مهاويس ومجانين المدرجات المتعاملين بشفافية وسذاجة مع بعض تلك القيادات المحركه لهم، ومع فكرة وعقيدة الألتراس المؤمنين بها. لا يعترف ألتراس المصرى بالمصالحة الشعبية العفوية بين أهالى المدينة الحرة والشرطة بالمدينة، والتى جرت بالشوارع والميادين مع انطلاق طوفان ثورة 30 يونيو .. ولا ينسى الألتراس ثأره القديم مع الجهاز الأمنى حتى بعد انحيازه الكامل للشعب ومشاركته الداخلية فى الإطاحة بالرئيس المعزول وعصابته الإجرامية، كما لا ينسى بالطبع ضحاياه من القتلى والمحكوم عليهم بالإعدام فى قضية الاستاد، ومن المفارقات التى كشفت عنها الأسابيع الأخيرة هو تماثل هتافات الهجوم على الداخلية واعتبارها (بلطجية) فى مسيرات أنصار المعزول وأعدائهم ألتراس المصرى بشوارع بورسعيد ولكراهية ألتراس المصرى للداخلية ورجالها، كان طبيعيا رفض مدير أمن بورسعيد اللواء سيد جاد الحق لطلب النادى المصرى تأمين تدريباته ومبارياته الودية خلال فترة إعداده التى ضغط الألتراس على محافظ بورسعيد اللواء سماح قنديل والحاكم العسكرى اللواء عادل الغضبان لإطلاقها مبكرا برغم عدم تحديد موعد بدء الدورى الجديد المشكوك فى إقامته أصلا .. وهنا يؤكد مدير أمن بورسعيد ل«الأهرام العربى» عن صعوبة تحميل رجاله مهمة تأمين تدريبات ومباريات كروية، وهم يواصلون الليل بالنهار لمواجهة عنف وإرهاب أنصار المعزول بالمدينة، علاوة على فلول البلطجية والعصابات المنظمة، ويضيف جاد الحق قائلا: إن اعتذار الأمن عن الاستجابة لطلبات تأمين إعداد المصرى لا يعنى تعنتا أو عنادا، ولكنه ضرورة فرضها الواقع الأمنى الشائك بالبلاد وببورسعيد بصفة خاصة، وقد أوضحت لأعضاء مجلس المصرى الذين التقيتهم بهم بمكتبى عقب رفضى تأمين أول مباراة ودية للفريق مع منتخب الإسماعيلية بملعب المريخ، أن الأمر فى النهاية يتعلق بتمسكنا بالحفاظ على سلامة وأرواح آلاف من مشجعى المصرى ومن بينهم بالطبع مجموعات الألتراس. ومع رفض الأمن الوجود بالملعب تلغى المباراة وتزداد شراسة شتائم وإساءات الألتراس للشرطة، وهنا يتدخل الحاكم العسكرى لبورسعيد اللواء عادل الغضبان لتهدئة الأوضاع ونزع فتيل الأزمة، ورعايته لمباريات المصرى الودية وتكليفه لفصيل من الجيش بتأمين تلك المباريات وتكثيف الخدمات حول الملعب، والذى يقع أصلا فى نطاق وحدة الشرطة العسكرية الرئيسية بالمدينة. وخلال الأيام القليلة الماضية تفجرت على صفحات شبكة التواصل الاجتماعى والمواقع الإلكترونية وقائع المواجهة الشرسهة بين أكبر فصيلين من فصائل ألتراس المصرى، حيث اتهم ألتراس جرين إيجلز (الفصيل الأكبر والأقوى) منافسيهم أعضاء ألتراس جرين إيجلز (الفصيل الأقدم تاريخا ونشأة) بالانتقام .. لإساءتهم المتكررة لاسم ألتراس المصرى المرتبط حاليا بالجرين إيجلز، وذلك بالولوج فى قضايا السياسة وصراعاتها المشتعلة بالمدينة، وتحقيق المزايا والمكاسب المالية على حساب الجرين إيجلز، وتوعد الأقوى الأقدم بالتأديب والتهذيب والإصلاح العملى داخل ملعب ومدرجات المريخ .. ولم يشفع للأقدم اعتذاره للأقوى وإعلانه الرسمى عن فصل العناصر الإجرامية المتورطة فيما هو منسوب له، حيث تمسك الأقوى بالانتقام وهو ما لم ينفذه بالموعد المحدد لاعتبارات تتعلق بوجود الجيش بالملعب لتأمين لقاء المصرى والمريخ الودى. وما بين ألتراس المصرى وألتراس الأهلى طرفى الصراع الأبرز والأعنف على ساحة الكرة المصرية شىء مرعب ومحزن للغاية ولا نهاية حتمية له فى المنظور القريب والبعيد إلا باختفاء الفصيلين من الوجود أصلا، ونتحدى كل المنظمات والهيئات والجمعيات بما فيها الجمعية العامة للأمم المتحدة فى التوفيق بينهما حتى ولو فى إطار البند السابع. فالكراهية بين الطرفين كراهية تحريم ودم ولا مجال لإقناع الطرفين بحل وسط من شأنه إغلاق أسوأ ملفات الكرة المصرية على الإطلاق ولا مفر هنا من الحل .. سواء كان طوعيا أم قسريا لتخليص الملاعب من ظاهرة عنف مقيته جرى استيراد أسوأ حالاتها وأفكارها من إيطاليا وإنجلترا لتختلط بالسياسة والاقتصاد فى بلدنا النامى، ومن ثم تعيده لعصور التخلف والظلام.