قد تمنح الإطاحة بالرئيس محمد مرسي أفضل فرصة لمصر منذ ثورة 2011 لوقف انحدار العملة وهروب رؤوس الأموال وإصلاح الوضع المالي المتردي.ولن يقدم عزل مرسي - الذي كان يلام كثيرا على الحالة التي وصل إليها الاقتصاد - أي حلول سريعة أو سهلة لمشكلات من قبيل الاحتياطيات الأجنبية المنخفضة وعجز الميزانية المتضخم والبطالة المرتفعة. لكن كثيرا من رجال الأعمال والاقتصاديين يأملون في تعيين حكومة تغلب عليها الكفاءات لمعالجة هذه المشكلات على أساس منهجي واستعادة بعض الأموال والمستثمرين الذين تركوا البلاد. وقال مدحت خليل رئيس مجلس إدارة مجموعة راية القابضة المصرية التي تعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات "أعتقد أن مصر ستبدأ اتخاذ خطوات قوية جدا لتقوية الاقتصاد ... أعتقد أن استثمارات كثيرة ستأتي." وتوقع خليل أن تخرج مصر من أزمتها الاقتصادية في غضون ستة أشهر على أقصى تقدير وهو تنبؤ يراه أغلب الاقتصاديين الأجانب مغرقا في التفاؤل. لكن مثل ذلك التفاؤل أضاف للقيمة السوقية للبورصة المصرية نحو 3.2 مليار دولار اليوم الخميس إذ ارتفع المؤشر الرئيسي للبورصة 7.3 بالمئة. ومن بين أكثر الأسهم ربحا تلك الشركات التي يعتقد البعض أنها عانت تحت حكم مرسي لأسباب سياسية مثل حديد عز التي كان مالكها السابق قياديا في حزب الرئيس السابق حسني مبارك. وارتفعت أسعار السندات المصرية بنسبة كبيرة وانكمش الفارق بين سعر الجنيه المصري في السوق السوداء والسعر الرسمي وهو ما يشير إلى أن المتعاملين يتوقعون تدفق مزيد من الأموال على البلاد. وقال أكرم فرج مؤسس شركة أوكسجين المصرية لاستشارات المحتوى الرقمي إنه كان يفكر في مغادرة مصر لكنه الآن ينوي البقاء. وأضاف أن رجال أعمال آخرين اتخذوا نفس القرار. وتابع "في الأجل القصير والأجل الطويل أرى أن ما حدث في مصر الليلة الماضية سيكون له أثر إيجابي على الاقتصاد والاستثمار." وكان جزء كبير من الاضطرابات الاقتصادية تحت حكم مرسي نتيجة لتردد الإدارة وقلة خبرتها. وبعد ثورة عام 2011 واجهت حكومات متعاقبة صعوبة في اجتذاب الشخصيات التي تتمتع بالكفاءة لخشيتهم من ارتباط أسمائهم بحكم المجلس العسكري الذي لم يحظ بتأييد شعبي كبير أو بجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي. ويقول رجال أعمال إن تفجر الغضب الشعبي من الإخوان في الأسابيع القليلة الماضية أزال الوصمة المرتبطة بالعمل في حكومة يدعمها الجيش. وقال كريم هلال رئيس مجلس إدارة ايه.دي.آي كابيتال ذراع الأنشطة المصرفية الاستثمارية المصرية لمصرف أبوظبي الإسلامي "هذا ليس واردا الآن. لذلك أعتقد أنه إذا طلب من أحد المشاركة في الحكومة فلن يتردد." ويتصدر محمد البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة المرشحين لرئاسة حكومة انتقالية ستتولى الإعداد لإجراء انتخابات. وقد يتيح الاستحسان الذي لقيه الجيش من قطاع كبير من الشعب لإطاحته بمرسي فرصة للحكومة الانتقالية لتنفيذ إصلاحات اقتصادية قاسية نأت عنها حكومات سابقة. وقد نفدت السيولة لدى حكومة مرسي لعدة أسباب من بينها الدعم الباهظ لأسعار البنزين وغيره من أنواع الوقود الذي يلتهم أكثر من خمس الإنفاق الحكومي. وأدت أزمة السيولة إلى قطع التيار الكهربائي ووقوف طوابير طويلة أمام محطات الوقود وهو ما أجج الغضب من الإخوان المسلمين. وإذا استطاعت الحكومة الجديدة تحسين إمدادات الطاقة فقد تتمكن من تبرير تخفيض الدعم الحكومي الذي من شأنه أن يصلح جزئيا ميزانية الدولة. وقال سايمون كيتشن الخبير الاقتصادي لدى المجموعة المالية هيرميس "هذا قد يسهل تنفيذ إصلاحات دعم الطاقة .. إذا شرحت للناس أنهم قد يدفعون ثمنا أغلى لكن الوقود سيكون متوفرا بهذا الثمن." وأيا كانت سياسات الحكومة الجديدة فمن المرجح أن تظل مصر شديدة الاعتماد على المساعدات الأجنبية لتمويل عجز ميزان المدفوعات لعدة سنوات. ووفقا لتقديرات رضا اغا الخبير الاقتصادي لدى في.تي.بي كابيتال في لندن ستحتاج مصر تمويلا خارجيا قدره 19.5 مليار دولار في العام حتى يونيو حزيران 2014 لتغطية الديون المستحقة وعجز في تجارة السلع والخدمات يبلغ 5.4 مليار دولار. وهذا التقدير يفترض ألا يخرج من البلاد مزيد من رؤوس الأموال وهو ما قد يحدث إذا لجأت بعض عناصر الإخوان المسلمين إلى العنف بعد الإطاحة بمرسي. وقال بنك الاستثمار آي.إن.جي في مذكرة بحثية "إذا حدثت أزمة عملة فإنها قد تزيد الأمور سوءا عما هي عليه الآن. مصر تستورد جزءا كبيرا من احتياجاتها من السلع الغذائية الأساسية. ولذلك قد يرتفع تضخم أسعار الغذاء وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من الاحتجاجات الشعبية في بلد يعيش في فقر واستقطاب." ويأمل كثير من المستثمرين أن تبرم الحكومة الجديدة اتفاق قرض بقيمة 4.8 مليار دولار مع صندوق النقد الدولي كانت حكومة مرسي قد اتفقت عليه مبدئيا في نوفمبر تشرين الثاني لكنها لم تنجزه. وطالب البرادعي بتوقيع ذلك الاتفاق. غير أن الأمل في إبرام ذلك الاتفاق قريبا قد لا يكون في محله. فحتى يتفادى صندوق النقد الدولي الظهور بمظهر المؤيد لانقلاب عسكري ويضمن تمتع الإصلاحات الاقتصادية الصعبة في اتفاق القرض بتأييد سياسي واسع في مصر قد ينتظر التفاوض مع حكومة منتخبة وقد لا تجرى الانتخابات قبل عدة أشهر. وقد يؤدي مزيد من التأخر في إبرام صفقة القرض مع الصندوق إلى أن تصبح مصر أكثر اعتمادا على مانحين أثرياء في منطقة الخليج. فحكومة قطر التي قدمت لمصر 7.5 مليار دولار في شكل منح وقروض ذات فائدة منخفضة قريبة من الإخوان المسلمين وربما تنظر إلى الإطاحة بمرسي كنكسة دبلوماسية. ورغم ذلك لا يوجد ما يشير حتى الآن إلى أن قطر تعتزم سحب أموالها من مصر. وقالت وكالة الأنباء القطرية الرسمية اليوم إن الدوحة ستستمر في احترام إرادة الشعب المصري والعمل على تقوية الروابط. وفي تلك الأثناء فإن مصر ربما تعول على مزيد من المساعدات من دولتين أخريين من الدول الغنية في الخليج لديهما ميراث طويل من عدم الثقة في الإخوان المسلمين ولذا فإن لهما مصلحة سياسية قوية في ضمان نجاح أي حكومات تأتي بعد الإخوان في مصر. فقد هنأت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة القيادة الجديدة في مصر في غضون ساعات من الإطاحة بمرسي. وفي 2011 تعهدت الامارات بتقديم مساعدات بقيمة ثلاثة مليارات دولار لمصر لكن الأموال لم تصل على الإطلاق إلا أن الامارات لديها الآن ما يدعوها لدفعها. وقال فاروق سوسة الخبير الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط لدى سيتي جروب إن مصر "في وضع أفضل كثيرا الآن لتلقى مساعدة من السعودية والامارات مع إقصاء الإخوان." وأضاف سوسة "وعدت كل من السعودية والامارات بتقديم مساعدات مالية كبيرة لمصر ومن المرجح بشكل أكبر أن تتلقاها مصر الآن."