في قصص الكاتب المصري وائل عشري تبدو المدينةالأمريكية وحشا لا يبالي بكائنات بشرية تشعر بالغربة والملل والوحدة فيلتمس الفرد في غيره من رواد مقهى أو بار أو حديقة دفئا يمنحه القدرة على السخرية وعشق الحياة حيث "الوحيدون أكثر البشريين بشاشة." والكاتب الذي يقيم في الولاياتالمتحدة يجعل المدينة ساحة تتفاعل فيها أفكار ولغات ولهجات ورؤى عن الحياة كما يتصورها أمريكيون ولاتينيون وآسيويون وأوروبيون وعرب وهنود وأفارقة يشتركون في الشعور بالاغتراب ولكنهم يمنحون قارئ القصص محبة الحياة والضحك على مفارقاتها. ففي قصة (وجوه تيلي) تدور الأحداث في نهاية الأسبوع حيث تبادل الأزواج "الحب توا أو في الليلة السابقة. وجوه باسمة راضية يجمعها قرب حميم" ولكن عجوزا أمريكية تنتظر الموت ترى أن عليها أن تأكل شيئا "لا أريد أن أموت قبل أن أموت. ذلك أفضل جدا." وفي القصة نفسها كانت العجوز "تنتظر أن يأتي الموت. زوجها ينتظر ويملؤه الملل ويزورها من موته في الأحلام. ويقول.. اديني بوسة زي بتوع السيما.. ويقهقه مثل شاب صغير." وقصص مجموعة (الإغراء قبل الأخير للسيد أندرسون) تقدم مشاهد لشخصيات تتجاور أو تتفاعل.. وتتوازي الأحداث أو تتقاطع ليبحث القارئ في النهاية عن إعادة تشكيل دراما تتعدد فيها لغات ولهجات منها العامية المصرية وشعر أبي نواس ونثر الجاحظ الذي تفتتح المجموعة بقوله.."كنت أتعجب من كل فعل خرج من العادة فلما خرجت الأفعال بأسرها من العادة صارت بأسرها عجبا فبدخول كلها في باب التعجب خرجت بأجمعها من باب العجب" وهي الجملة التي تنتهي بها قصة (الرجل الأكثر حزنا). كما يستلهم السرد أحيانا روح حكايات ألف ليلة وليلة بتلقائية لا يشعر معها القارئ باغتراب الحكاية عن مكانها أو زمانها كما هو الحال مع امرأة أمريكية تصطحب كلبها وتقول للراوي "هو أخي الأمير برهان أمير بروكلستان" وتأكد للراوي أن لديها قصة تريد أن ترويها له "حكاية لو سجلت بالإبر على آماق السمع لصارت عبرة لمن اعتبر." والمجموعة التي أصدرتها (الكتب خان للنشر والتوزيع) في القاهرة تقع في 153 صفحة متوسطة القطع وهي العمل القصصي الثاني بعد مجموعة (سأم نيويورك) لعشري (39 عاما) والذي حصل على الدكتوراه في الأدب العربي الحديث من جامعة نيويورك 2009 ويعمل مدرسا للأدب العربي الحديث في جامعة تمبل بمدينة فيلادلفيا.