إعلام عبري: الوفد الإسرائيلي سيبقى في الدوحة نظرا للتقدم في عملية التفاوض بشأن غزة    قراصنة يهاجمون وكالات أمريكية بسبب ثغرة أمنية في برنامج مايكروسوفت    أنغام تصدر بيانًا رسميًا لكشف حقيقة مرضها    "تموين الدقهلية" يحرر 196 مخالفة في 48 ساعة (صور)    نجحت على مدار 5 سنوات، وزير الشباب والرياضة يكرم وكيل شباب الدقهلية ومدربي مبادرة "طور وغير"    طريقة عمل الحجازية في خطوات بسيطة وأحلى من الجاهزة    ما أهمية عودة الحكومة السودانية إلى العاصمة من جديد؟    «زي النهارده».. اندلاع ثورة سوريا الكبرى 21 يوليو 1925    متحدث الوزراء: جاهزون لتعيين وزير بيئة جديد في التوقيت المناسب    بالأصفر الساطع وتحت شمس البحر المتوسط... ياسمين رحمي تخطف الأنظار بإطلالة صيفية تبهر متابعيها على إنستجرام    غزة تنزف: مجازر متواصلة وجوع قاتل وسط تعثر مفاوضات الدوحة    أهم حاجة يكون عنده ثقة في نفسه.. آمال ماهر تكشف مواصفات فتى أحلامها وتُلمّح للزواج (فيديو)    الاتحاد السعودي يعلن انسحاب الهلال من كأس السوبر    تقديم 40476 خدمة طبية وعلاجية بحملة "100 يوم صحة" في الإسماعيلية    بعد فتح تحقيق ضدهم.. جنود إسرائيليون كنديون يخشون عواقب انتهاكاتهم بغزة    بعد مد فترة التقديم لاختبارات القدرات لطلاب الثانوية العامة.. «اَخر موعد للتقديم»    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير.. سعر الذهب اليوم الإثنين 21 يوليو 2025 بالصاغة    اعتذار الهلال عن عدم المشاركة في السوبر السعودي.. والاتحاد يؤكد اتخاذ الإجراءات اللازمة    عبد الكريم مصطفى يشارك فى مران الإسماعيلى بعد التعافى من الإصابة    "يريد أكثر من مبابي".. سبب تعقد مفاوضات تجديد فينيسيوس وخطوة ريال مدريد القادمة    أسامة عرابي: الطريقة التي تعامل بها وسام أبو علي مع الأهلي خارج نطاق الاحترافية    «عيب وانت بتعمل كدة لأغراض شخصية».. خالد الغندور يفاجئ أحمد شوبير برسائل نارية    نشرة منتصف الليل| خطوات حجز شقق الإسكان.. وخسائر قناة السويس خلال العامين الماضيين    رسميًا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 21 يوليو 2025    إصابة 3 سيدات من أسرة واحدة في انقلاب سيارة ملاكي أمام قرية سياحية بطريق العلمين    "شباب النواب" تثمن الضربات الاستباقية لوزارة الداخلية في دحر البؤر الإرهابية    بداية الموجة الحارة.. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: «توخوا الحيطة والحذر»    العثور على جثة متحللة مجهولة الهوية في شاطئ السلوم    أخبار × 24 ساعة.. انطلاق أولى رحلات عودة السودانين إلى بلادهم غدًا    أسعار المانجو والخوخ والفاكهة في الأسواق اليوم الإثنين 21 يوليو 2025    النائب العام يشارك في فعالية إطلاق أنشطة مشروع تعزيز قدرة الأجهزة الوطنية المعنية على التصدي للجرائم الإلكترونية    رئيس "الحرية المصري": رجال الأمن خط الدفاع الأول في مواجهة التطرف والمخططات الإرهابية    برئاسة ماجي الحلواني.. "الوطنية للإعلام" تعلن تشكيل لجنة لرصد ومتابعة انتخابات الشيوخ    لا تأخذ كل شيء على محمل الجد.. حظ برج القوس اليوم 21 يوليو    نادية رشاد: أتمتع بحالة صحية جيدة.. وقلة أعمالي الفنية لضعف مضمونها    شقيقة أحمد حلمي عن منى زكي: "بسكوتة في طريقتها ورقيقة جدا"    دعاء في جوف الليل: اللهم أجرني برحمتك واجبر بلطفك كسر قلبي    فيديو- عالم بالأوقاف يوضح حكم إقامة الأفراح وهل تتعارض مع الشرع    ما هو مقدار سكوت الإمام عقب قراءة الفاتحة في الصلاة؟.. الإفتاء توضح    أمل عمار تشارك في إطلاق مشروع "مكافحة الجرائم الإلكترونية ضد النساء والفتيات"    التليجراف: وزير الدفاع البريطانى سيعلن حملة مدتها 50 يوما لتسليح أوكرانيا    تخلص من الألم من غير حرمان.. أهم الأطعمة المريحة لمرضى القولون العصبي    لأطول مدة ممكنة.. أفضل طريقة لتخزين المانجو في الفريزر    رسائل إلى الأسقف.. أوراق تكشف هموم الأقباط قبل 1400 عام    أنغام فؤاد ومنيب تتألق في صيف الأوبرا 2025 بحضور جماهيري كبير    مفوض عام (أونروا): التقاعس عن إدخال المساعدات إلى غزة "تواطؤ"    خبير سياسي: غزة تحت الحصار والجوع.. ما يحدث إبادة جماعية بسلاح التجويع|خاص    Golden View Developments تطلق مشروع "TO-GTHER".. رؤية جديدة للاستثمار العقاري المدعوم بشراكات عالمية    باسل عادل: الوعي ليس حزبًا قائمًا على التنافس الانتخابي الضيق    آدم كايد: حققتُ حلمي بالانضمام إلى الزمالك    مبعوث أمريكي: متفائلون بإمكانية التوصل إلى صفقة بين إسرائيل و"حماس"    السيطرة على حريق محدود بجوار مزلقان الرحمانية قبلي بنجع حمادي    البنك المركزى: تعطيل العمل بالبنوك الخميس المقبل بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو    الشعب الجمهوري: نحيّي يقظة الداخلية ونجدد دعمنا للدولة في مواجهة الإرهاب    مصر بخير.. نجاح أول عملية زراعة كبد لطفل عمره 14 سنة بمستشفى الناس    أمين الفتوى: التقديم على شقق محدودي الدخل بغير وجه حق «حرام شرعاً»    الضويني في حفل تخريج طب بنات: الأزهر يسابق الزمن.. ويواكب رؤية الدولة المصرية 2030    دعاء الفجر | اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغرب: تظاهرات الكرامة
نشر في الأهرام العربي يوم 24 - 02 - 2013

في «ميدلت» المغربية التي لا يأتي ذكرها في محطات السياسة إلا بنزر يسير، انطلقت تظاهرات شعبية عاصفة. لم يكن المحتجون يطالبون بإصلاحات سياسية أو اقتصادية أو مطالب اجتماعية. كانوا يهتفون ضد إهدار كرامة عامل بسيط أجبره أحد القضاة على تقبيل قدميه، كي يلغي متابعته في نزاع عابر.
استفاق سكان المدينة المترامية بين جبال وصحارى منطقة الوسط الشرقي على صورة مذهلة. فالناس بحكم طبيعتهم يتقبلون المرض ونقص الحاجة، لكنهم يناهضون الظلم، إذ يقترن باستفزاز المشاعر وإهانة الكرامة. وما حدث أن قضية العامل البسيط الذي يصلح السيارات قفزت إلى الواجهة كقضية رأي عام، بخاصة أن المشتبه في تورطه على إرغام ذلك المواطن على تقبيل قدميه، كان رجل قضاء، يفترض فيه أن يحتكم إلى ضميره والقانون الذي يحظر الاستعباد والإكراه والانحناء لغير الله.
على رغم أن الحادث في طريقه لأن يحسم قضائياً، في ظل الاستماع إلى إفادات الطرفين المعززة بوسائل الإثبات، فإن الشارع أصدر حكمه، ولم يكن ليفعل ذلك لولا المخاوف الناشئة من إمكان الالتفاف على الملف، ودلالات ذلك أن الوعي الذي تفجر في الشارع كان أكبر من أي محاولة لاحتواء الموقف، إذ لم يكن يناهض التصرف المنعزل للشخص المشتبه في تورطه فقط، بل كان يناصر قيم الحرية والمساواة ونبذ مظاهر استغلال النفوذ والاستعلاء على الناس عبر المناصب التي هي في جوهرها تكليف لا تشريف.
من بين حشود التظاهرات التي أصبحت تقليداً ديموقراطياً في الجهر بالمطالب والمظالم، كانت تخرج احتجاجات حملة الشهادات الجامعية العاطلين من العمل، وكانت ترتفع الأصوات ضد موجة الغلاء أو بهدف تكريس مبدأ المناصفة بين المرأة والرجل، أو للتضامن مع معتقلين. غير أنها المرة الأولى التي يتخذ فيها التظاهر ضد إهانة الكرامة مثل هذا البعد الذي يعكس تنامي الوعي الشعبي. فقد تجبر أحداث وتطورات الناس على تغيير عاداتهم وأفكارهم وعلاقاتهم مع المحيط الأقرب والأبعد. لكن لا شيء يمكن أن يفرض عليهم التخلي عن الكرامة التي هي تاج لا يراه إلا الذين يعانون من الاستبداد والاستعباد. فهذه القضية الوحيدة التي لا تحتمل أي جدل.
لم يكن الاحتجاج ضد هيمنة مصالح اقتصادية أو تجارية، بل كان ضد سلوكيات تنطلق من أفكار خاطئة حول علاقة المواطن بالسلطة، أكانت قضائية أو اشتراعية أو تنفيذية، إذ يتم إلغاء جوهر الإنسان المرتبط بكرامته وغيرته وشرفه، ويترتب عن ذلك إلغاء حقوقه ومكاسبه وقيمته الإنسانية، ومن الطبيعي أن تنمو مشاعر الازدراء إزاء ممارسات تحتقر الكرامة. والأكيد أن من بين أسباب هذا التنامي بروز نظرة ضيقة للفضاءات والمدن، حين يتصور موظف أن في إمكانه، نتيجة بعده عن المدن الكبيرة والعاصمة تحديداً، أن يستبيح كل شيء.
لا يهم إن كان الحادث معزولاً. فقبله اندلعت قضية تطاول تعذيب خادمة من قبل قاض وزوجته. ومنذ سنوات عرفت بلدة صغيرة في الأطلس المتوسط حادث رجل سلطة حلق شعر امرأتين. وفي كل مرة كانت تقابل هذه السلوكات بالمزيد من الرفض والإدانة. لكن المسألة تزيد عن الطابع الشخصي نحو ممارسات صادرة عن عقليات لا تزال تحلم بعصر استعباد الناس. واحتاجت الحكومة المغربية إلى المزيد من الفواصل الإعلانية لحض الناس على التوجه إلى القضاء، ضمن خطة الحرب على الرشوة، بل إنها أقرت إجراءات لا تعتبر من يقدم شكوى بهذا الصدد مشاركاً في الارتشاء.
وهناك حاجة الآن إلى حملات أكبر لتنبيه الذين يتحملون المسؤولية في أي قطاع أن كرامة المواطنين فوق كل اعتبار، وأن العدالة الاجتماعية الحقيقية تبدأ من تغلغل الشعور بالمساواة أمام القانون. وإذ يتزامن اندلاع هذه القضية المثيرة مع استمرار الحوار حول إصلاح منظومة القضاء، فإن ذلك يعتبر حافزاً لمراعاة القيم التي يجب أن تنطبع بها العلاقات بين المواطنين والقضاء، بخاصة أنه الملاذ الأخير في طلب الإنصاف.
إذا كان ما يعرف بالربيع العربي قد طاول إطاحة أنظمة استبدادية وما زال يراوح مكانه في البحث عن المزاوجة بين الديموقراطية والعدالة الاجتماعية ومناهضة الإقصاء والاستئثار بالسلطة، فإن الأهم أن يطاول العقليات التي تعشش فيها أفكار خاطئة ومتجاوزة، إذ يتصور من يتحلى بالمسؤولية أن لا شيء يحول دون فرض نزواته على الآخرين. وهذه مسألة تربوية ذات أبعاد ثنائية، كون التغيير الذي لا يرسو على شراع تغيير العقليات يظل ناقصاً. وإلا كيف يتصور أي مسؤول مهما علت درجته أو انخفضت في درجات التراتبية الإدارية، أن في إمكانه أن يلزم مواطناً بسيطاً بتقبيل قدميه، حتى يعفو عنه.
لا يمكن الحسم في قضية من هذا النوع خارج حسم القضاء. غير أن اندلاع تظاهرات شعبية عارمة يفيد بأن القضاء يجب أن يكون إلى جانب المستضعفين، حين لا يطالبون بأكثر من صون كرامة تتعرض للإهانة. فهل وصلت الرسالة؟
* نقلا عن "الحياة" اللندينة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.