«جائزة البوكر العربية» من أهمّ الجوائز الأدبية المرموقة في العالم العربي، ولأنها تهدف إلى رفع مستوى الإقبال على قراءة الأدب العربى عالمياً من خلال ترجمة الروايات الفائزة إلى لغات رئيسية أخرى, ولأنها فرضت نفسها منذ إنشائها عام 2007، بأبو ظبي كأبرز الجوائز الأدبية على الصعيد العربي كان لابد مع ارتفاع نبرة التشكيك فيها باعتبارها تأتي في سياق مناخ ثقافي عربي يتسم في أغلبه بالمجاملات وغياب المصداقية، وكان لابد لنا أن نجرى هذا الحوار مع السيدة «فلور مونتانارو» منسقة الجائزة التى تدار بالشراكة مع مؤسسة البوكر فى لندن وبدعم وتمويل من هيئة أبو ظبى للسياحة والثقافة فى الإمارات العربية المتحدة. ما المشاكل التى تعرضت لها جائزة البوكر العربية أخيرا وكادت تهددها بالتوقف؟ أعتقد أنه ليست هناك مشاكل تهدد الجائزة بالتوقف وإن كانت هناك مشاكل تقليدية شأنها فى ذلك شأن الكثير من الجوائز الأخرى، فمثلا كانت هناك انتقادات هذه الدورة للجنة التحكيم، وهذه الانتقادات فتحت المجال للقيل والقال والشائعات وهذا شىء طبيعى لأنه مستحيل أن نرضى الجميع، ولكن نحن نعرف ما يحدث فى الكواليس ولأننى كمنسقة للجائزة أحضر اجتماعات لجنة التحكيم وأؤكد حياديتها التامة، وعندى ثقة أن الجائزة تتسم بالنزاهة والشفافية مثل كل عام. كيف يتم اختيار لجنة التحكيم الخاصة بالجائزة؟ لجنة الأمناء المكونة من 15 عضوا، هى المكلفة سنويا بترشيح أسماء لجنة التحكيم ومن المعروف أن هذه اللجنة تتغير كل عام..المهم أن هناك لجنة فرعية تحسم الأمر وتختار لجنة التحكيم المكونة من خمسة أعضاء شريطة أن يكون أحدهم أجنبيا، لكن لابد أن يكون متخصصا فى الأدب العربى، ثم إن أغلب أعضاء اللجنة متخصصون فى مجال الأدب والرواية، لكننا نحذو حذو جائزة البوكر البريطانية فى إمكانية وجود أحد الأشخاص فى اللجنة ليس من اختصاصه الأدب، لكنه قارئ وفنان أو حتى ممثل كما حدث أخيرا فى البوكر البريطانية، فهذا العضو غير المتخصص يكون ممثلا عن القراء، وأعتقد أن ذلك تجسد فى وجود جلال أمين عالم الاقتصاد والأكاديمي والكاتب والمفكر السياسى. الكتب العربية الفائزة بالبوكر.. هل تجد رواجا فى السوق البريطانية بعد ترجمتها؟ بالطبع.. صحيح أنها لم تترجم جميعها، ولكن بشكل عام مجرد فوز إحدى الروايات بإحدى الجوائز يجعل دور النشر البريطانية تفكر جديا فى ترجمتها ونشرها، بل إن بعضها يأتى إلى هنا، لكى يعقد الصفقات بمجرد صعود بعض الروايات إلى القائمة القصيرة وأحيانا الطويلة أيضا لأن معنى وصول بعض الروايات إلى هذه القوائم أنها جديرة بالقراءة. ما الدولة التي يتقدم الناشرون بها بترشيح أعمالهم للفوز بالجائزة أكثر من غيرها؟ مصر هى أكثر الدول ترشيحا للروايات، ففي هذه الدورة تم ترشيح 39 رواية من أصل 133. وبالطبع هناك ترشيحات من باقى الدول العربية. كيف ترين ذلك؟ هل هى عودة بمصر إلى الصدارة الأدبية بعد تراجعها الفترة الماضية؟ أنا كقارئة للأدب العربى لا أعتقد أن مصر كانت متراجعة فى الفترة الأخيرة ربما هو تراجع طفيف. فأنا أتصور أن مصر كانت دائما فى الصدارة، والدليل على ذلك كم الترشيحات التى تخرج منها فى كل الجوائز الأدبية. فمصر مركز ثقافى كبير وبها حركة أدبية قوية وقد ازداد ذلك بعد الثورة. كيف ترين اللغط الذي يثار دوما حول الجوائز العربية والاتهامات التى توجه لها بالتسييس تارة وبالمحاباة تارة أخرى؟ هل يحدث هذا فى الغرب أيضا؟ لا. فى أوروبا لا يحدث هذا أبدا. بالنسبة للبوكر العربية كانت نتائجها فى البداية تقابل بترحاب وحماسة شديدين، ولكن مع مرور الوقت تلاشى ذلك فالاتهامات بالمحاباة تكثر جدا فى الوطن العربى وهو شىء مستمر، ولكن كان الحل هو تجاهل كل ذلك والاستمرار فى نفس النهج الذى تسير عليه الجائزة، وأعتقد أن هذه الاتهامات قد تلاشت كثيرا بعد تأكد الجميع من حيادية لجنة التحكيم وعدم مجاملتها لأحد خصوصاً أنها تتغير كل عام. ما أريد أن اؤكده أن لجنة التحكيم لا تعرف مثلا البلد الذي ينتمى إليه صاحب الرواية المرشحة للجائزة لدرجة أنه فى الدورة الأخيرة سألونى عن البلد الذي ينتمى إليه أحد الكتاب المرشحين وكان ذلك بعد صعود روايته للقائمة الطويلة.. من هنا أؤكد أن هناك حيادية تامة. ولكن بالنسبة للغط المثار دائما بعد إعلان النتيجة، فهو شىء طبيعى خصوصاً لمن لم يفز فكل من يكتب نصا ولو كان ركيكا يتصور أنه أحق بالجائزة وهناك من يكتب بالفعل نصوصا رائعة، وبالتالى لا يعرف سبب استبعاد روايته من الفوز. تقولين إن الروايات المقدمة للجنة التحكيم يكون عليها اسم المؤلف واسم دار النشر وهذا يسهل عليها معرفة البلد الذي ينتمى إليه الكاتب، وبالتالى تكثر الأقاويل حول فكرة المحاباة.. أما كان من الأفضل إعطاء اللجنة نص الرواية فقط دون كتابة اسم المؤلف أو دار النشر؟ بالفعل هذا أفضل وربما يقلل اللغط حول النتائج، ولكن هناك مشكلتين، الأولى أن الأعمال تقدم على شكل كتاب يحمل غلافه اسم صاحب العمل وإن كانت هذه المشكلة يمكن التغلب عليها باشتراط تقديم الأعمال كأوراق فقط لا تحمل أية دلالة. أما المشكلة الثانية والتى لا حل لها، أنه لابد أن يتمتع المرشحون بكثير من الثقة فى لجنة التحكيم. وبهذه المناسبة سأذكر لك واقعة حدثت الدورة الماضية عندما كان جورج طرابيشى، أحد أعضاء لجنة التحكيم وكان من ضمن الأعمال المرشحة عمل لأحد أصدقائه، لكنه رفض التصويت له ولو حتى فى القائمة الطويلة لأنه على حد تعبيره لا يرتقى لمستوى أعماله السابقة وقد أعلن ذلك صراحة.. ما أريد أن أقوله هو وجوب تمتع المرشحين بالثقة ووجوب تمتع لجنة التحكيم بالحيادية الشديدة أيضا. هل اللجنة المكونة من خمسة أعضاء فقط يكون لديها الوقت والجهد الكافى أن لقراءة ال 133 عملا المقدمة فى هذه الفترة الزمنية القصيرة؟ بداية لقد أعطيناهم فى هذه الدورة شهرا آخر لقراءة الأعمال، فضلا عن أن هناك أعمالا لا ترقى لمستوى القراءة وبالتالى يتم التوقف عن قراءتها أو تقييمها بعد أول أربعين صفحة بإجماع أغلب أعضاء اللجنة. هناك أيضا أعضاء يقرأون بسرعة مثل جورج طرابيشى، الذى يقرأ روايتين فى يوم واحد. المهم أنه بعد قراءة الأعمال يكتب كل شخص على حدة قائمة بأفضل الأعمال التى قرأها لتطرح فى أول اجتماع لمجلس أمناء الجائزة ومع تكرار نفس أسماء الروايات المرشحة نتأكد أولا أن اللجنة قرأت كل الأعمال ثانيا أن هناك حيادية شديدة. هل ترين أن الجائزة تصل لمستحقيها أم أن هناك خطوات لابد من اتخاذها لكى يكون التقييم بشكل أفضل؟ الجوائز تصل بالفعل لمستحقيها وإن كانت هناك خطوات تساعد أكثر على وصولها مثلا إتاحة الفرصة للناشر لتقديم أكثر من ثلاثة أعمال فى المرة ليتاح له تقديم أعمال جديدة إضافة إلى أعمال سبق أن قدمها وصعدت إلى القائمة القصيرة مثلا أو الطويلة. يمكن أيضا أن نعطى وقتا أطول للجنة التحكيم لقراءة الأعمال. الجديد الذى ستقدمه الجائزة هذا العام هو إمكانية ترشيح كل عضو من أعضاء لجنة التحكيم لرواية لم يرشحها الناشر، فمثلا لو أن هناك كتابا جيدا، لكن دار النشر لم ترشحه فسيصبح من حق لجنة التحكيم أن ترشحه، وأعتقد أن هذا أيضا يساعد على إتاحة الفرصة للعديد من الأعمال بالفوز. ولكن هذا الاقتراح لا يزال محض دراسة وربما يؤخذ به الدورة المقبلة. لماذا يقتصر ترشيح الأعمال على دور النشر فقط ولا يتاح للكاتب نفسه؟ لأنه لو حدث ذلك سيصبح بإمكان كل من هب ودب كما تقولون بالعربية أن يقدم ما يحلو له باعتباره أدبا ورواية, وهنا سنصبح أمام تلال من الأوراق أغلبها لا معنى له. يؤسفنى أن أقول لك إنه حتى مع كون دور النشر هى المسئولة عن تقديم الأعمال فإن بعضا منها يقدم كوارث أدبية لا روايات. أتذكر أنه فى إحدى المرات قدمت دار نشر مجموعات قصصية, مع أن الجائزة تقدم للرواية. وفى مرة أخرى فوجئنا بدار نشر تقدم لنا قصص أطفال على أنها روايات طويلة فضلا عما ذكرته مسبقا من كون الرواية المرشحة أحيانا تكون ركيكة لدرجة استبعادها من التقييم أساسا! والحقيقة أننى لا أعلم حقيقة هل دار النشر تجهل الفرق بين القصة القصيرة والرواية أو بين قصص الأطفال والرواية وبين الجيد والركيك أم أنها تتعمد الجهل؟! فإذا كان هذا يحدث من بعض دور النشر فما بالنا إذا كان من حق المؤلف أن يقدم هو العمل بنفسه.. أعتقد أنها ستصبح كارثة. هل يتم استبعاد دور النشر هذه من ترشيح أعمال مرة أخرى أم أن قواعد الجائزة لا تتضمن ذلك؟ للأسف نضطر للتعامل معها لأنه لا يجوز استبعادها وإن كنا نشرح لمسئوليها شروط الجائزة بالضبط.