جاءت زيارة أحمدى نجاد إلى مصر، التى تعد أول زيارة يقوم بها رئيس إيرانى إلى مصر منذ الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، لتحمل معها الكثير من الدلالات الدينية قبل السياسية. صحيح أن زيارته جاءت تلبية لدعوة سياسية لحضور القمة الإسلامية، لكن حرصه على زيارة الأزهر الشريف، تكشف عن أشياء كثيرة تضفى على وجوده بالقاهرة الصبغة الدينية، حيث زيارته التى تعد الأولى من نوعها لرئيس إيرانى لمشيخة الأزهر، واستقبال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف وفضيلة الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية وأعضاء هيئة كبار العلماء، وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية له، بمقر المشيخة، وحرصه على زيارة مساجد مصرية بعينها، كالسيدة زينب والحسين. فى اللقاء الذى جمعه بعلماء الأزهر لفت انتباه الجميع إشارة نجاد إلى الأزهر على أنه مكانة الأزهر فى بلاده، وأنه المرجعية الأولى للمسلمين السنّة فى العالم، ومدرسة تاريخية تنشر الفكر الوسطى الإسلامى المستنير، وتأكيده على استعداد بلاده للتعاون مع الأزهر للتقريب بين السنّة والشيعة، وتحقيق وحدة الأمة الإسلامية فى مواجهة الصهيونية والإمبريالية العالمية. وفى مقابل ما قاله نجاد كان لافتًا للنظر أيضًا تأكيد شيخ الأزهر لنجاد خلال لقائهما، رفضه للمحاولات الشيعية لاختراق الدول السنيّة والمساس بمذهب أهل السنة والجماعة، مؤكدا أنه أمر بالغ الخطورة وأن مصر كانت ومازالت معقلا لأهل السنة والجماعة، وأن الأزهر يرفض رفضًا قاطعًا جميع محاولات نشر التشيع بين أهل مصر وشبابها. كما شعرت الجماعة السلفية أيضًا بأن زيارة نجاد تخفى أبعادًا دينية، وهو ما دفع المهندس جلال مرة، أمين عام حزب النور، أن يصدر بيانًا فى نفس يوم زيارة نجاد للقاهرة يؤكد فيه، أن مصر ستقف بشدة أمام أى محاولات إيرانية لاختراق الدول الإسلامية سياسيًا أو ثقافيًا أو عسكريًا. كما طالبت الدعوة السلفية بعدم السماح للرئيس الإيرانى بزيارة المساجد والأماكن التى يزعم الشيعة أنها تمثلهم، وإلا لاعتبرت ذلك سقطة تاريخية للدبلوماسية المصرية، ورفض طلبه بالقيام بجولة فى ميدان التحرير، لما ستحمله من رسائل سلبية فى الظروف الحالية الحرجة التى تشهدها البلاد. وطالب الدعوة السلفية بمواجهة الرئيس الإيرانى بملف اضطهاد أهل السنة فى إيران وتحديدًا منطقة الأهواز، وهو ما أكد شيخ الأزهر خلال اللقاء، حيث أبدى له اعتراضه على ما يعانيه أهل السنة والجماعة فى إيران من تمييز وتضييع لحقوقهم وواجباتهم وأنه أمر متفق عليه فى النظم الحديثة والشريعة الإسلامية. كل هذا يدفع باتجاه تحويل زيارة نجاد للقاهرة إلى أنها دينية بغطاء سياسى، وسبقته من قبل الزيارة كثير من الإرهاصات، منها على أكبر صالحي، وزير خارجية إيران فى حديثه عن قضية السنّة والشيعة عقب استقبال الرئيس محمد مرسى فى أوائل الشهر الماضى: “إذا كان معنى كلمة سُنّى هو اتباع سُنّة النبى، فإيران كلها سنّية وإذا كان الشيعة معناها حب آل البيت فأتصور أن الشعب المصرى كله شيعة". ومن تلك الإرهاصات أيضًا، الحراك الواسع الذى شهدته مصر أخيرًا من قبل متشيعين مصريين يقدرون بالعشرات بهدف نشر التشيع بين المصريين بدعم ورعاية إيران، وهو ما جعل شيخ الأزهر أحمد الطيب يرفض إقامة أية حسينيات فى مصر، معتبرًا أن من شأن هذا الأمر “زعزعة الاستقرار" فى البلاد. وقبل مغادرته طهران، عبر أحمدى نجاد، عن الأمل فى أن تمهد زيارته الطريق أمام استئناف العلاقات بين البلدين، وقال “سأحاول فتح الطريق أمام تطوير التعاون بين إيران ومصر".