الجرافيتي فن الرسم علي الجدران برز هذا الفن بالتزامن مع أحداث ثورة 25 يناير ويقول البعض إن هذا الفن خرج من رحم القارة الأوروبية العجوز، وإن أول من ابتدعه هم الألمان وبنظرة متأنية لا تحتاح عناء البحث، نجد أن فن الرسم علي الجدران هو ثقافة مصرية أصيلة استخدمها الفراعنة القدماء علي جدران المعابد وظلت هذه الرسومات الجدارية تحكي وتوثق تاريخنا العريق وتحمل بين طياتها أسراراً وأسراراً ولو قمنا بإطلالة علي المنازل والبيوت بريف وصعيد مصر سنجد جداريات تعبر عن الشعائر الدينية وغيرها كرحلات الحج والعمرة والتهاني بالأفراح وهذا دليل دامغ علي أن الرسم علي الجدار مترسخ في الثقافة المصرية حتي قبل أن يصل إلي الغرب. وعندما كنت أطالع الأخبار صبيحة هذا اليوم علي مواقع الإنترنت قرأت خبراً يحمل عنوان «حملة إزالة جرافيتي شارع محمد محمود وسور الجامعة الأمريكية« مما أثار دهشتي وقفز تساؤل إلي عقلي كيف لنظام خرج من رحم ثورة شعب أن يمحو بيديه هذا التوثيق التاريخي لهذه الثورة؟ فإزالته لا تعني سوي طمس لمعلم من المعالم المؤرخة لثورة 25 يناير ولشهدائها. انهالت الأسئلة تباعاً هل كان من الأولي إزالة الجرافيتي الذي اعتقد الجهلاء أنه يشوه المظهر العام؟ أم إزالة القمامة من الشوارع هي الأولي؟ أيهما أشد تشويها للمظهر العام؟ تذكرت عندما كنت أقف في ميدان التحرير وأشاهد هذا الفن وألتقط له صوراً كما يفعل معظم المصريين علي كاميراتهم الخاصة وهواتفهم النقالة. وتذكرت حكاية سور برلين الشهيرة والجرافيتي المرسوم عليه والذي مازال حياً فبالرغم من أن الألمان قاموا بهدم هذا السور فإنهم تركوا الجزء المرسوم عليه باستخدام فن الجرافيتي، لأن هذه الجداريات تعبر عن كفاح شعب ضد إستبداد وظلم نظام فاسد تركها الألمان للأجيال الجديدة لتراها وتسأل عن علتها فيتعلمون تاريخهم، واعتبر الألمان الجرافيتي توثيقاً مهماً لتاريخهم ونضالهم كما تعجبت بشدة عندما عرفت حكاية كنيسة الذكريات وهي إحدي الكنائس بأحد أكبر شوارع برلين والتي قصفها الأمريكيون أثناء الحرب العالمية الثانية، فتهدمت أجزاء منها جراء هذا القصف وتعجبت أكثر وأكثر عندما علمت بأن الألمان تعمدوا ترك الكنيسة بلا ترميم إلي وقتنا هذا ليتذكر الناس ويلات وآثار الحرب. أدركت حالها ما وصلنا إليه من ظلامية ورجعية فكل لوحة جدارية في شارع محمد محمود وسور الجامعة الأمريكية بالقاهرة تروي حكاية نضال، وتشهد علي عظمة المصريين الأحرار إنها حكاية شعب صور متعددة لمشاهد متفرقة في لوحات فنية رائعة زاهية تحكي عن استبداد النظام، شهداء يناير، شهداء مذبحة الألتراس ببورسعيد، لوحات مستلهمة من التاريخ الفرعوني نري من خلالها جنازة الشهداء عند الفراعنة، المرأة المصرية ودورها، محكمة الظلام وبها القاضي آنوبيس رمز القضاء عند قدماء المصريين وميزان العدل المائل، الملكة المصرية وهي ترضع ابنها كرمز لتوريث الحكم، وهو ما رفضه الشعب المصري بكل طوائفه في ثورة يناير، جدارية الثور الهائج والتي ترمز إلي هجوم الأمن المركزي علي الثوار. ذاكرتي البصرية لم يخنها أن تقذف أمامي صورة لوالد ووالدة الشهيد رامي الشرقاوي وفي الخلفية جرافيتي لصورته علي الحائط فلك أن تتخيل عزيزي القارئ بم يشعرون ؟ أقول لك أيها النظام لا تنسي أن ما تمحوه موثق بالصور ولن ننساه جميعاً مهما حاولتم محوه أو إزالته من حقك إزالة جرافيتي شارع محمد محمود، فقد كنا يوماً نسحل ونقتل ونفقد ضي العيون وأنتم تهتفون «البرلمان .. البرلمان علم علم ع الميزان «. أيها النظام من يمحو هذه الرسومات الجدارية يجهل تاريخه وعاداته ولا يفعل شيئاً سوي معاداة الفن والإبداع و«تعيشوا وتدهنوا«. في النهاية للثوار أقول: المجد للشهداء ... لا تحزنوا أحرار وطني فقد تكون صفحة جديدة بيضاء لجرافيتي.