العمرة فى رمضان لها مزية ليست فى غيره، فقد جاء الترغيب فيها، وبيان فضلها وثوابها، وأنها تعدل حجة فى الأجر والثواب، ففى "الصحيحين" من حديث ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم، قال لأم سنان الأنصارية حين لم يكتب لها الحج معه: فعمرة فى رمضان تقضى حجة، أو حجة معي، وفى رواية عند أحمد والترمذى: عمرة فى رمضان تعدل حجة، وعلى هذا درج السلف الصالح، فكان من هديهم الاعتمار فى رمضان، كما ثبت عن سعيد بن جبير ومجاهد "أنهما كانا يعتمران فى شهر رمضان من الجعرانة"، وروى عن عبد الملك بن أبى سليمان أنه قال: "خرجت أنا وعطاء فى رمضان، فأحرمنا من الجعرانة". وهو ما يفسر لنا سر تنافس المسلمين فى هذا الشهر الكريم فى هذه الطاعة، وتسابقهم إلى بيت الله الحرام لأداء هذه الشعيرة، وكأنك بهذا المشهد العظيم فى موسم حج كبير، ولا يسأل عن حكمة هذا الثواب، فذلك فضل من الله، والله واسع عليم، وهو سبحانه يرغب فى أداء العبادات من صلاة وصوم وزكاة وحج فى الحرم الشريف، فثواب الطاعة فيه مضاعف. ومثل ذلك ما ورد من أن الصلاة الواحدة فى المسجد الحرام بمكة، تعدل مائة ألف صلاة فيما سواه، فلا يجوز أن يتبادر إلى الذهن، أن صلاة يوم فيه تغنى عن صلاة مائة ألف يوم، ولا داعى للصلاة بعد ذلك، فالعدل أو المساواة هنا هى فى الثواب فقط، فلا تغنى العمرة عن الحج أبدا، ومثل ثواب العمرة فى رمضان ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من صلى الصبح فى جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة، وقال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تامة تامة، فالمراد من هذه الأحاديث هو الترغيب فى الثواب، وليس جواز الاكتفاء بفريضة عن فريضة. .. ونحن فى تلك الأيام المباركة أكتب مقالى هذا من الروضة الشريفة، أجلس وبجوارى قبر الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام، وبجواره أحباب من أهل بيته وزوجاته وذريته وأصحابه والصالحون، ممن حملوا الأمانة وأدوا الرسالة، فَكُرِّموا بأن يُدفنوا إلى جواره، سواء فى المسجد أم على بُعد أمتار قليلة فى البقيع، يحيط بى آلاف من المحبِّين جاءوا من كل بقاع الأرض، ومن كل فجٍّ عميق .. وجوه لا يجمعها جنس أو عِرْق أو لون، لكن شَمَلَهم الإسلام برسالته العظيمة وألَّف بين قلوبهم، فاصطفَّ الأسمر والأصفر والأبيض والقمحى، يُصلُّون لله ويصلون على النبى. السلام عليك يا سيدى يا رسول الله .. السلام عليك يا سيدى يا نبى الله.. السلام عليكَ يا سيدى يا خير خلق الله .. السلام عليك يا سيدى يا حبيب الله، تتساقط الدموع ويقشعرُّ البدن، عندما نتذكر أنه كان يومًا يجلس فى المكان نفسه بجسده الطاهر، دموع الفَرَح ملمح مشترك عند أغلب من استطاعوا الوصول إلى هذه البقعة الشريفة الواقعة بين بيت الرسول ومنبره، التى قال عنها المصطفى: إنها (روضةٌ من رِيَاضِ الجنَّة)، أشعر بكل مَن حولى يستشعرون وجودَهُم بقربه.. يبكون وهم يتلمَّسون أثره، ويستنشقون عبير وجودَه فى محيطِهِمْ، يسترجعون ما نَزَل عليه من رسالة الخير، يجددون العهد له بأنهم مسلمون، وبأن الإسلام دين الحرية والمحبة، وأن المسلم هو من خَفَق قلبُه بالإيمان فأصبح إنسانًا .. الكلُّ اجتهدَ فى الدعاءِ للمولى عزَّ وجلَّ راجين الاستجابة، وخير ما دعونا به: ( اللهم ارزقنا منحةَ استغفارِهِ ووداده وشفاعتَه ) . جزاك اللهُ يا سيدى يا رسولَ الله عنا أفضلَ ما جُزِى نبى ورسول عن أمَّتِه .