منذ اجتياحها العاصمة صنعاء واختطافها لمؤسسات الدولة، دأبت جماعة الحوثيين الانقلابية المدعومة من طهران، على ارتكاب جرائم متعددة ضد المدنيين، وقامت إستراتيجيتها على محاولة نسب تلك الجرائم للقوات النظامية والتحالف العربى الداعم للشرعية، التى نجحت مرات كثيرة فى فضح تلك التجاوزات وبيان الحقائق وتعرية الميليشيات أمام الرأى العام العالمي، الذى يعلم تماما أنه لو كانت المقاومة والجيش الوطنى المدعوم من التحالف العربى ترغب فى إلحاق الهزيمة بالمتمردين - بأى ثمن – لما استغرق الأمر كل هذا العناء، ولما استطاع الانقلابيون الصمود، لكن لأنها تتمسك بالنأى عن إلحاق الأذى بالمدنيين الأبرياء، وعدم تهديد حياتهم، وتعمل بكل ما أوتيت من قوة على حمايتهم، هذا الفهم المتقدم نابع من حقيقة واحدة، هى أن قوات التحالف العربى التى تنطلق فى كل أعمالها من منطلق المسئولية، وتتعامل بعقلية السلطة المسئولة، تحرص على مراعاة قواعد الاشتباك المعمول بها دوليا، وترفض الانسياق وراء محاولات الاستفزاز التى تقوم بها الجماعة الانقلابية التى تسيطر عليها عقلية الميليشيات، ولم تعرف طريقة التفكير المسئول، وتسعى لتحقيق أهدافها بمختلف السبل، ولو كان ذلك على جماجم الأبرياء ودمائهم، ولا أدل على ذلك من إقدام عملاء إيران على تجنيد عشرات الآلاف من الأطفال القصَّر الذين لم تتجاوز أعمار غالبيتهم العشر سنوات، واقتحام المدارس لإرغام الطلاب على الانخراط فى معسكرات تدريب، لا تستغرق فى العادة أكثر من أسبوعين، قبل إرسالهم إلى صفوف القتال الأمامية، غير مبالية بالأخطار التى قد يتعرضون لها، نتيجة لعدم امتلاكهم الخبرة الكافية. وهذا الأسلوب الذى يوقع مرتكبه تحت طائلة العقوبات الدولية ازداد خلال الفترة الماضية بوتيرة عالية، بسبب تلاحق الانتصارات التى تحققها قوات الجيش الوطنى والمقاومة الشعبية، ورفض رجال القبائل والأهالى إرسال أبنائهم للتجنيد، بعد أن انكشفت لهم خفايا المشروع الإيراني، فلم يجد المتمردون بدا من إرغام السكان المحليين، خصوصا فى المناطق التى تزداد فيها معدلات الفقر، على السماح لأبنائهم بالتجنيد، تارة بإغرائهم بصرف مواد غذائية ومبالغ مالية لهم، أو عبر تهديدهم بالطرد من منازلهم ومصادرتها. وليت معاناة الأطفال اقتصرت على ذلك فحسب، بل إن روايات بعض من وقعوا منهم أسرى فى أيدى القوات الشرعية، تؤكد أن هناك آلافا قتلوا خارج نطاق القانون، عند محاولتهم الفرار والعودة إلى ذويهم، كما أصيب كثيرون بالجروح، والتشويه، والإعاقة، وتحول آخرون إلى مدمنى مخدرات، اضطروا لتناولها بعد أن قدمتها لهم الميليشيات على أنها عقاقير مهدئة، فيما ثبت أنها عقاقير هلوسة تصيب متعاطيها بحالة من الغياب عن الواقع، لصرفهم من التفكير فى واقعهم، والتحول إلى آلات قتل ودمار.
كذلك دأبت الميليشيات الحوثية على اتخاذ المدنيين، خصوصا الأطفال دروعا بشرية، حيث أنشأت مراكز التدريب وسط الأحياء المدنية، ولم تجد أماكن لنصب منصات إطلاق صواريخها التى تستهدف بها المدن والقرى الحدودية سوى وسط المدارس والمستشفيات، رغبة فى استدراج قوات التحالف لاستهداف تلك المواقع، حتى توهم الرأى العام بأنها تستهدف مواقع المدنيين، وهى الحيلة التى استوعبتها القوات الموالية للشرعية، ولم تنجر وراءها، ويذكر العالم أجمع قصة ذلك الإرهابى الحوثى الذى اعتقلته قوات الجيش الوطنى، وهو يصطحب طفلته التى لم تتجاوز السنوات الأربع من عمرها عند محاولته تهريب الأسلحة واستهداف القوات الموالية للشرعية، وعرضت قيادة التحالف العربى تلك الطفلة البريئة المسماة جميلة فى مؤتمر صحفى لتبصير الرأى العام بانتهاكات الانقلابيين لكل الأعراف والمواثيق الدولية.
آخر حلقة فى تلك السلسلة الطويلة من التجاوزات فضحها التقرير الذى أصدرته منظمة سام للحقوق والحريات، يوم الثلاثاء الماضي، والذى حمل عنوان "الانفجار الغامض"، واحتوى تحقيقاً أجرته المنظمة فى واقعة الانفجار الذى وقع بتاريخ السابع من الشهر الماضي، جوار مدرسة الراعى فى منطقة سعوان قرب صنعاء، وأسفر عن مقتل 14 طالبا وطالبة وإصابة آخرين، إضافة إلى تضرر عدد كبير من الممتلكات الخاصة الواقعة فى المنطقة. وأورد التقرير إفادات موثقة لشهود عيان كانوا قريبين من موقع الانفجار، وطالبات كن فى موقع الانفجار، وأقوال أهالى بعض الضحايا. وقطع التقرير بحسب خبراء فى مجال التصنيع العسكرى بأن الانفجار لم يكن بفعل صاروخ جوى أو ضرب طيران، بل نتيجة فعل داخلى من الورشة نفسها، ناتج عن مواد شديدة الانفجار؛ كانت تستخدم لتصنيع رؤوس صاروخية تستخدم فى العمليات العسكرية. وأضاف التقرير "استخدام دماء اليمنيين وأرواحهم للمزايدات السياسية والاتهامات الإعلامية جريمة حرب وعمل غير أخلاقي"، كما دعا لجان الأمم، ولجنة الخبراء البارزين، التى تحقق فى انتهاكات حقوق الإنسان فى اليمن إعطاء هذه الجريمة أولوية خاصة فى التحقيق وإعلان النتائج بشفافية. كل ما سبق ذكره ليس بمستغرب من الجماعة الانقلابية، ولا يثير الدهشة فيمن يدرك حقيقتها وطريقة تفكير قادتها التى تنسجم مع طبيعتهم الانقلابية، البعيدة عن مصلحة اليمن وأهله، إلا أن ما يؤسف له هو ذلك الصمت المريب الذى تمارسه المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان وحقوق الطفولة، فعلى الرغم من التقارير الدولية المتعددة التى تؤكد تزايد الظاهرة، والتحذيرات المتكررة التى أطلقت للتحذير من عواقب تلك الممارسات، وصدور إحصاءات تفصيلية موثقة ومدعمة بالأرقام، تؤكد انتهاكات الحوثيين لكل الأعراف والقوانين الدولية، فإن ذلك لم يدفع الأممالمتحدة ومنظماتها العديدة للتحرك لوقف تلك المأساة، ولم تعطها ما تستحقه من اهتمام، باعتبارها خطرا يهدد مستقبل اليمن، بل إن المنظمة الدولية العريقة استمرأت القيام بدور مشبوه لا يتسق مع طبيعتها، وهو محاولة توفير غطاء شرعى للمتمردين، وإسباغ الشرعية على تصرفاتها، والسعى الحثيث لتبريرها، وضمان عدم فرض عقوبات عليها، وهو ما يؤكد حقيقة واضحة هى أن المنظمة باتت تعلى الحسابات السياسية على أهدافها الرئيسية ومهامها التى ينبغى أن تعطى الأولوية على ما سواها، فذاكرة التاريخ لن ترحم، وإنسان اليمن لن يغفر لمن استخدمه كمجرد ورقة ضغط فى حسابات سياسية لا ناقة له فيها ولا جمل.