أيٌّ مِنا، إن تمعَّن فيما حولَه من حياةٍ قائمة منذ خُلِقَ إلى هذه الدنيا وانزلق إليها من رحم أمهِ، ذلك الرحم الواجد الحاضن والمُكوِّن، وإن أعمل بصيرته - على فطرتها - فى منظومات هذه الحياة ومُسيراتِ أمورها، فسيدرك أنها خاضعة لقوانين وضعها الخالق بحكمة ألوهيته، وأشار إلى تفاصيلِها بدقةٍ فى كتبه السماوية المعلومةِ لنا. وهذه القوانين أو النواميس الإلهية تسير كُلها فى نَسقِ كل ما هو صحيح، وكل ما هو قويم، وكل ما هو سليم، وكل ما هو نقى، وكل ما هو طاهر، وكل ما هو صادق، وفى كل طريقٍ يؤدى إلى الصلاح والفلاح. فإذا أردنا - على اختلاف دياناتنا - أن نفوز بهذه الدنيا، وأن نأخذ منها ما يجعلنا نفوز أيضاً فيما يليها بعد الموت، فى الحياة الأبدية، فما علينا إلَّا أن نُدرك ونَتفهَّم بعمق، فلسفة النواميس الإلهية التى سنّها لنا الخالق سبحانه وتعالى.. جَلَّ فى علاه. فى النواميس الربانية، كل ما هو صالح يؤدى إلى ما هو صالح، وكل ما هو طالح يؤدى إلى الطالح وإلى الخراب وإن بدا غير ذلك للوهلة الاولى، وإلى حين. فقد نرى الفاسد يصول ويجول بعقله الشرير ونياته الخبيثة ورغباتِه الحرام غيرِ المُعلَنة، ويجُور على حق هذا ويأكل حراماً من مال ذاك ويكذِب ويُدلَّس ويَكْفُر حقوق الآخرين، ويُزَيِّن له شيطانُه أنّه الحاذق البارع ذو العقل المتفوق على الآخرين فيتمادى فى ألعاب الشر خاصتِه، ويسعد وينتشى بانتصاره على أصحاب الحق وأهل الطُهر والنقاء ويَزيد انخداعُه بذاتِه إذا ما اشتد عودُه بالمالِ الحرام، فيظن أنه مَلَك الدُنيا وما عليها وتبدو له وكأنها احلَوَّت له دون غيرِه. كل هذا وهو غير مُدرِك أن تلك الحياة التى يعبثُ بها لها نواميسها الربانية التى لا تقبل جدالاً من العبد، ولا ترضى بعبثه وأنه قد خالف تلك النواميس الطاهرة ولوثها بما سَوَّلت له نفسُه التى خضعت لشيطانها. وعليه، فلن يمر زمنٌ طويلٌ إلا وقد طالته عدالة السماء وحَقَ عليه العقاب فى الدنيا، كما سيحق عليه عذاب الآخرة.. خضوعاً وإحقاقاً لذلك الناموس الإلهى الذى لا يقبل إلا الطُهر والحق والصدق ولا يقبل بغير ذلك. وكَثُر ما رأينا من أَهْلِ الطُهر والنقاء والحق البَيّن والمدركين لناموس الحق الإلهى والمطيعين لكتب السماء وسُنَن الأنبياء، كثيراً ما رأيناهم يعانون فى أول الأمر قابضين على طريق الحق بلا تنازل، ناظرين إلى هؤلاء العابثين وهم على ثقة مِن أن النصر فى معركة الخير والشر لهو آتٍ لا محالة إلى جانبهم، فالنواميس الربانية الموضوعة لنا فى هذه الحياة واضحة، كما الشمس فى أعناق سماءٍ صافية.. فلا تستقيم الأمور، إلا للعبد المُدرك والواعى للفلسفة الربانية فى تسيير الحياة الدنيا. فأهل الخير وإن كانوا يعانون فى صراعهم مع أهل الشر لفترات تطول أو تقصر فى بادئ الأمور، فإن هذا الصراع لا ينتهى أبداً إلا بالنصر المبين لأهل الخير، إحقاقاً للنواميس الإلهية التى خلقها الله هى والدنيا كما لو كانا بوتقةً واحدةً لا تستطيع إليها فصلاً ولا تقسيما. ويتبين لنا هذا المعنى فى قوله سبحانه وتعالى: {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} «الأعراف: 118» وقوله عز وجل: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} «الأنفال: 8» وقوله تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ، إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} «الإسراء : 81» وقوله عز من قائل: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ، وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} «الأنبياء : 18». علينا جميعا كأبناء لهذا الوطن الغالى.. أرض الكنانة.. مصر المحروسة.. مهد الحضارة الممتدة، أن نُدرك أن نواميس الخالق لن تَترُك أبداً أهل الخير والحق لينهزموا فى معركتهم مع أهل الشر وأن النصر آتٍ لا محالة، وأن الباطل زاهقٌ كما وعدنا الخالق جَلَّ فى عُلاه، هذا فقط إن تأصَّلت فى وجداننا تلك العقيدة.. .. عقيدة نواميس الحق الإلهية. تحيا مصر تحيا مصر تحيا مصر