كان السادس عشر من نوفمبر 1955 يوما مشهودا في تاريخ المغرب ، وصفحة خالدة في سجله ، وفي ذكراه يستحضر الماضي المجيد واستدعاء الصورة الوفية للوطن ومقدسات الامة ، حيث شهد هذا اليوم عودة المغفور له الملك محمد الخامس الى بلاده وشعبه عودة مظفرة ، وجاءت تلك العودة تتويجا لملحمة بطولية قادها الشعب والملك ضد المستعمر الفرنسي ، الذي عزل ونفى جلالة الملك محمد الخامس الى مدغشقر ثم الى كورسكا ، بهدف اخماد الثورة الشعبية التي قادها الملك . وباءت محاولات المستعمر الفرنسي الرامية إلى تنحية السلطان محمد الخامس بالفشل، لقد بدأت سلطات الحماية الفرنسية المفاوضات منذ فبراير 1955 مع السلطان محمد الخامس وصلت إلى حد تهديده حتى على أرض المنفى، واقترح عليه المتفاوضون، بمن فيهم طبيبه الخاص الدكتور ديبوا روكبير، الخيار بين أمرين أحلاهما مر: إما التنازل عن العرش والعودة إلى أرض الوطن للعيش بسلام وفي حماية الفرنسيين، أو تشديد الخناق عليه في المنفى في حالة الرفض، وكان جواب محمد بن يوسف هو الرفض المطلق لتلك المقترحات. وعلى الجانب الاخر سجل الشعب المغربي بكل مكوناته وقواه الحية اسمى معاني التلاحم من اجل الحرية والكرامة وخاض معركته بشتى الوسائل السياسية والمسلحة ، وتضامن جميع المغاربة من الجنوب والشمال في مواجهة الاحتلالين الفرنسي الاسباني وسياساتهما الاستعمارية البغيضة ، حيث حاول فك عرى وحدة الشعب المغربي بالسعي لتقسيمهم على اسس عرقية ومناطقية ، ولكن الشعب المغربي بكل فئاته وتلاوينه في كل بقاع الوطن شماله وجنوبه كشف مخطط الاستعمار الخبيث واحبطه في مهدة بوحدة صلبة ، وشكلت المظاهرات الشعبية العارمة في جميع مناطق المغرب ملحمة شعبية اسطورية. وبموازاتها اندلعت أعمال المقاومة المسلحة المنظمة على شكل تأسيس جيش التحرير في 1 أكتوبر 1955 في مناطق أكنول وإيموزار مرموشة وفي تطوان حيث وجد مقر القيادة العامة ومركز تكوين الضباط. وأقدمت لجنة تحرير المغرب العربي بالقاهرة على تأسيس جيش التحرير من أجل تنظيم حركة المقاومة المغربية وجبهة التحرير الجزائرية، وكان هدف هذه اللجنة هو العمل بكل الوسائل لعودة السلطان محمد الخامس بجانب تحرير البلدين الشقيقين، المغرب والجزائر وما إن أعلن عن نبأ تنحية السلطان حتى أدان زعيم الحركة الوطنية علال الفاسي عبر إذاعة القاهرة في برنامج صوت العرب إبعاد السلطان هو وعائلته عن الوطن، وأما جامعة الدول العربية، فقد عبرت عن تخوفاتها إزاء تطورات القضية المغربية وبدأت في الإلحاح على ضرورة استقلال المغرب. واضطرت سلطات الحماية الفرنسية إلى إرجاع السلطان إلى بلده وإلى شعبه وعرشه، في 18 نوفمبر 1955، تحت ضغط “ثورة الملك والشعب”، فجرى استقباله بمشهد مهيب سيظل محفورا في ذاكرة التاريخ المغربي باحرف من نور. وفي يوم 16 نوفمبر 1955 أعلن المغفور له محمد الخامس عن انتهاء عهد الحجر والحماية وبزوغ فجر الحرية والاستقلال، مجسدا بذلك الانتقال من معركة الجهاد الأصغر، إلى معركة الجهاد الأكبر، وانتصار ثورة الملك والشعب ، واستقلال المغرب عن فرنسا، الذي أعلن بشكل رسمي في 2 مارس 1956، وفي اغسطس 1956، اكتمل استقلال القسم الأكبر من البلاد، بنهاية الحماية الإسبانية على المناطق الشمالية. وشكلت وثيقة المطالبة بالاستقلال، ارتباطا بسياقها التاريخي والظرفية التي صدرت فيها، ثورة وطنية حقيقية جسدت وعي المغاربة وتمسكهم بالكرامة والسيادة وأعطت دليلا قاطعا على قدرتهم وإرادتهم الراسخة في الدفاع عن حقوقهم المشروعة وتقرير مصيرهم وتدبير شؤونهم بأنفسهم خارج أي وصاية مهما كانت، وانخراطهم الكلي في مسيرة النضال التي تواصلت فصولها بعزم وإصرار في مواجهة النفوذ الأجنبي حتى تحقيق النصر. ان الاحتفال بهذه الذكرى الحافلة بالرموز والقيم، يمثل تخليدا لدروسها المستفادة وتجديدا وتأكيدا للموقف الثابت للشعب المغربي وجاهزيته للتعبئة العامة والانخراط الكلي في الملاحم الكبرى للدفاع عن الوحدة الترابية للمغرب وقيم الانفتاح والوسطية والحوار. وتمثل هذه الذكرى برهانا على إجماع المغاربة وتعبئتهم للتغلب على الصعاب وتجاوز المحن، ودليلا على التشبث الوثيق بمقدسات الوطن الذي أبان عنه جميع المغاربة من طنجة إلى الكويرة. وسيرا على نهج المغفور له الملك محمد الخامس، ومن بعده الملك الحسن الثاني، يشهد المغرب تحت قيادة الملك محمد السادس العديد من المشاريع التنموية والإصلاحات الكبرى في كافة المجالات. ويعمل الملك محمد السادس على ترسيخ دعائم دولة المؤسسات وإعلاء مكانة المغرب بين الأمم، في إطار من التلاحم والتمازج بين كافة شرائح الشعب المغربي وقواه الحية. ويواصل جلالة الملك محمد السادس السير على نهج المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني، بدينامية متجددة عبر إرساء أسس اقتصاد عصري وتنافسي حديث وتكريس قيم الديمقراطية والمواطنة. وتعززت في عهد جلالة الملك محمد السادس روابط التعايش والالتحام بين العرش والشعب من أجل الحفاظ على المكتسبات الوطنية والنهوض بالتنمية السياسية والاقتصادية، في إطار مغرب المؤسسات والديمقراطية.