بعد تطبيق سلسلة من الإجراءات الإصلاحية، بدأ الاقتصاد المصرى جنى ثمار تلك القرارات القاسية التى واجهت رفضاً كبيراً بسبب صعوبة وحدة آثارها على المواطنين، حيث وضعت الحكومة المصرية بالتعاون مع صندوق النقد الدولى برنامج الإصلاح الاقتصادى، موضحة فيه مراحل إتمام تمويل مصر بالقرض المتفق عليه البالغ 12 مليار دولار الذى تم توقيعه فى الحادى عشر من نوفمبر 2016. عانى المواطنون من ضغوط كبيرة على دخولهم بسبب الارتفاع المتواصل فى معدلات التضخم وسياسات خفض الدعم على الطاقة بشكل خاص، الأمر الذى أسهم فى زعزعة ثقة المجتمع من جدوى تلك الإصلاحات وقدرتها على تحقيق الأهداف المنشودة. لكن تلك المخاوف بدأت فى التلاشى مع تراجع التضخم وارتفاع احتياطى النقد الأجنبى لمستويات تاريخية بنهاية إبريل الماضي، فضلاً عن ارتفاع معدل النمو المصحوب بتوقعات فى غاية التفاؤل من قبل صندوق النقد بالتحديد. وتوقع صندوق النقد الدولى - فى أحدث تقرير له - ارتفاع معدل النمو فى الاقتصاد المصرى إلى 5.2 % فى العام المالى 2018-2019 صعوداً من 4.2 % فى العام المالى الماضي، وتتسارع وتيرته أكثر ليصل إلى 5.5 % فى السنة المالية 2019-2020 بدعم من زيادة متوقعة فى إنتاج الغاز. ومع ذلك، لا تزال مستويات الدين العام مرتفعة وتتجاوز 80 % من إجمالى الناتج المحلى فى مصر، حيث يشكل هذا الدين عبئا كبيرا على الاقتصاد. وأوضح الصندوق أن برنامج “القاهرة” للإصلاح الاقتصادى الذى يدعمه الصندوق يحسن مستوى الثقة، وهو ما يدعم بدوره تعزيز معدلات الاستهلاك والاستثمار الخاص، بالإضافة إلى زيادة حجم الصادرات والسياحة. وأشار إلى أن مدفوعات خدمة الدين تزاحم النفقات المعززة للنمو، وتتراوح مدفوعات الفائدة فى المتوسط بين 5 % و10 % من إجمالى الناتج المحلى فى مصر، وكذلك تندرج هذه الأرصدة الضخمة من الديون ضمن مواطن الضعف الخارجى، نظرا لأن الديون الخارجية تمثل جانبا كبيرا منها. وحذر من ازدياد هذا العبء مع احتمال ارتفاع تكاليف التمويل تماشياً مع التشديد المتوقع للسياسة النقدية، ولا تزال تعانى مصر من ارتفاع مستويات العجز وضخامة الديون الخارجية قصيرة الأجل التى ينبغى إعادة تمويلها. ولفت إلى أنه لتوليد نمو واسع النطاق تصل ثماره إلى الجميع، يتعين تسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية التى تعمل على تحسين بيئة الأعمال وتعزيز الإنتاجية، ويأتى هذا مع مواصلة إجراءات الضبط المالى التى توفر الحماية للإنفاق على الاحتياجات الاجتماعية الضرورية والاستثمارات، مع ضمان الحفاظ على الاستقرار. ومن جانبه، قال النائب الأول لمدير صندوق النقد الدولى “ديفيد ليبتون” إن الاقتصاد المصرى يشهد تقدماً واضحاً فى برنامج الإصلاح الذى يدعمه صندوق النقد الدولي، الأمر الذى يدعم التوقعات الإيجابية للمؤشرات الاقتصادية خلال الفترة المقبلة. وأضاف “ليبتون” أن الإصلاحات الاقتصادية بدأت فى مرحلة جنى الثمار، خصوصا فيما يتعلق باستقرار الاقتصاد الكلى فى مصر، حيث بلغ النمو أعلى معدل له منذ عام 2008 مع انخفاض التضخم بدرجة كبيرة وارتفاع احتياطى النقد الأجنبى لمستويات قياسية، فضلاً عن ارتفاع معدل الصادرات وتراجع البطالة. كما شدد على أن مصر مرت بمراحل صعبة للغاية وضعت الاقتصاد بالقرب من مستويات خطرة، إلا أن كل ذلك انتهى بفضل جهود الحكومة الإصلاحية بالتعاون مع صندوق النقد. وتستهدف الوصول بمعدل النمو إلى مستوى 9 % الذى سينعكس بدوره على زيادة الاستثمارات وتوفير فرص عمل جديدة للمواطنين. كما سيرفع صندوق النقد الدولى لتوقعاته الإيجابية بشأن النمو الاقتصادى فى مصر وعدل توقعاته فيما يتعلق بالبطالة لتصل إلى 11.1 % بنهاية العام الجاري، مشدداً على أن مصر تمكنت من تحقيق نجاحات على مدار العامين الماضيين فاقت كل التوقعات. وجارى إصدار عدد من التشريعات الجديدة وتعديل قوانين حالية لإزالة البيروقراطية وتحفيز القطاع الخاص، وفتح أسواق جديدة بالتعاون مع القطاع الخاص. وقال طارق عامر، محافظ البنك المركزى، إن مصر مصرة على استكمال طريق ومسيرة الإصلاح الاقتصادى التى بدأتها منذ سنوات التى حققت نجاحاً كبيراً، أشادت به مؤسسات التصنيف الدولية وصندوق النقد والبنك الدولى عدة مرات. واستطرد قائلاً: إن خطة الإصلاح الاقتصادى حققت العديد من الإنجازات، أهمها إنهاء معاناة سوق الصرف من الفوضى التامة التى دفعت الاستثمارات إلى التخارج من السوق المصرى إلى بلدان أخرى أكثر استقراراً. وأوضح أن البنك المركزى يدعم نمو الاقتصاد من خلال عدة أدوات، إحداها تطور التكنولوجيا المالية بما يوفر فرص عمل، مؤكدًا أن مصر بها عقول وكفاءات كبيرة ينبغى توظيفها بشكل جيد. وشدد “عامر” على أن البرنامج الإصلاحى دعم بشكل كبير الصناعة المحلية على حساب الواردات، التى كانت تمثل المصدر الرئيسى للعرض من السلع والخدمات نتيجة غياب المنافسة العادلة مع المنتج المحلي. وأوضح السبب وراء اقتراض الدولة من الخارج، بأنها توجه السيولة لإقامة مشروعات تنموية مثل مترو الأنفاق، مؤكداً أنها لا تزال فى الحدود الآمنة مع تحديد آجال استحقاق لمدد تصل بعضها إلى 60 عاماً. ولفت النظر إلى أن ارتفاع احتياطى النقد الأجنبى لأعلى مستوى فى تاريخه بنهاية إبريل الماضى يعطى ثقة لأى مستثمر بضخ أمواله فى مصر، كما أنه يعتبر رسالة طمأنة من عدم وجود أى اضطرابات أو صدمات فى العملة قد تدفعه لخسارة رأسماله. **وجاءت أبرز ملامح برنامج الإصلاح الاقتصادى فى تقليل العجز من 5.6 % إلى 3 % من الناتج المحلى الإجمالى بحلول 2018-2019، وكذلك زيادة احتياطى النقد الأجنبى واستهداف السياسة النقدية للتضخم طوال فترة العمل بالبرنامج. كما شمل إلغاء سقف الإيداع بالعملة الأجنبية البالغ 50 ألف دولار للشركات المستوردة للسلع غير الأساسية وسقف تحويلات الأفراد بالخارج البالغ 100 ألف دولار. ويستهدف خفض الدين العام من 94.6 % من الناتج المحلى الإجمالى فى 2015-2016 إلى 85.8 % بحلول 2018-2019 و78.2 % بحلول 2020-2021. وكذلك تضمن زيادة الإيرادات الضريبية بنسبة 2.5 % من الناتج المحلى الإجمالى خلال فترة البرنامج، وعرض بعض حصص من الشركات المملوكة للدولة للبيع مع تبنى الحكومة إستراتيجية إصلاح لقطاع الطاقة. ومن بين أبرز الملامح أيضاً زيادة إنتاج الغاز إلى 4.9 مليار قدم مكعب يومياً بحلول يونيو 2017 بدلاً من 3.8 مليار قدم مكعب، وإلى 7.7 مليار قدم مكعب يومياً خلال السنوات الثلاث التالية، وسعى الهيئة العامة للبترول للوصول إلى اتفاقات مع الدائنين على جدول زمنى لسداد المتأخرات المستحقة عليها بحلول يونيو 2019، مع خفض الحكومة لدعم الوقود بشكل كبير، والالتزام بإلغاء دعم الكهرباء بالكامل خلال خمس سنوات.