يتوجب على مصانع السلاح فى الولاياتالمتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبى، أن ترفع درجة الاستعداد لتلبية صفقات سلاح مقبلة فى منطقة الشرق الأوسط بمئات المليارات من الدولارات، وأن تعمل أيضا على تلبية احتياجات إسرائيل من أسلحة نوعية جديدة تمكنها من مواجهة صواريخ السيد حسن نصر الله، والحق أنه وقبيل إعلان ترامب الانسحاب من الاتفاق النووى مع إيران بنصف ساعة بالضبط، أعلنت تل أبيب حالة الطوارئ فى الجولان، وكذلك فى إصبع الجليل «الأعلى» تحسبا لرد فعل لا أحد يعلم إلى أى مدى يمكن أن يمتد من القوى المحسوبة على إيران. إعلان ترامب مساء الثلاثاء الماضى خلق واقعا «جيو سياسيا» جديدا فى المنطقة، واقعا كانت عواصم العالم تحذر منه، بل كان الديمقراطيون فى الكونجرس الأمريكى يتوجسون منه شرا، حتى «جون كيرى»، وزير الخارجية الأمريكى الأسبق، حاول من خلال الاتصال بالإيرانيين أن يجد بديلا لدبلوماسية ترامب، برغم بعده عن المنصب وعن الإدارة الحالية برمتها، لقد دفع ثمن ذلك بالطبع، وتعرض للتوبيخ من ترامب، لكن يكفيه أنه حاول إنفاذ الاتفاق الذى كان أحد أبرز المشاركين فيه.
واقع الحال يؤشر إلى أن حربا بالوكالة ستشعل المنطقة، وربما تتطور لصدام مباشر مسلح، وهو ما نجده موثقا فى عالم النفط والغاز، حيث قفزت الأسعار إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2014، متخطية حاجز 70 دولارا لبرميل النفط، وارتفع كذلك وبشكل غير مسبوق إنتاج الغاز، مؤشرا على اضطراب مقبل فى الأسواق، وهكذا نرى أن القطاع الأعلى حساسية تجاه الصراعات المسلحة قد استجاب فورا وفى أقل من 60 دقيقة على إعلان ترامب موقفه من الاتفاق النووى مع إيران، مصحوبا باتهامها بأنها الدولة الرائدة فى رعاية الإرهاب وتصدير الصواريخ الخطرة وتغذية الصراعات عبر الشرق الأوسط.
فى الخلفية، نجد أن إيران توجد فى الفناء الخلفى للولايات المتحدة، فهى توجد وبقوة فى أمريكا اللاتينية، وبالذات منذ 2016، حيث تمكنت من التوصل مع فنزويلا لاتفاق يقضى بالتعاون فى مجال وقود الصواريخ، بخلاف تمكين حزب الله من الهيمنة على التجمعات الشيعية فى كل أمريكا اللاتينية، بما فى ذلك السيطرة على المدارس والمساجد والمعاهد الثقافية، ومنذ 2012، يوجد نحو 32 مؤسسة ثقافية إيرانية فى دول أمريكا اللاتينية، أصبح عددها اليوم مائة مؤسسة، إذن تمتلك طهران ملعبا خلفيا جنوبأمريكا يشبه الملعب الذى تمتلكه شمال إسرائيل.
وعلى الرغم من أن زعماء أوروبا فى ألمانيا وفرنسا وبريطانيا قد حذروا ترامب من الإقدام على هذه الخطوة، كونها تجعل العالم أقل أمنا وأكثر عرضة لصراع كبير قد يمتد من الشرق الأوسط، لتطال نيرانه الغرب بأسره، فإن التداعيات قد تزداد حدة مع نقل السفارة الأمريكية للقدس فى 14 مايو الجارى، ومن المثير أن إرنست مونيز، رئيس مبادرة التهديد النووى، الذى كان مفاوضا رئيسيا فى الاتفاق النووى مع إيران 2015، قال إن قرار الرئيس ترامب خطأ إستراتيجى كبير، لن يخرب فحسب قدرة الولاياتالمتحدة على منع إيران من حيازة مواد صناعة السلاح النووى، بل إنه سيشل أيضا قدرتنا على منع انتشار الأسلحة النووية، وسيشل قدرتنا على العمل مع حلفائنا وشركائنا لحماية مصالحنا فى الشرق الأوسط لسنوات، إن لم يكن لعقود مقبلة.
المحصلة النهائية الآن، ترامب ونيتانياهو يصطفان ضد العالم وضد المنطق من جديد، كما كان الأمر فى مواجهة مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل، وفيما يبدو أن سيناريو أكبر وأعمق بدأ العمل على الساحة الدولية، انطلاقا من هذه المنطقة التى ستشعل منها شرارة التفاعل الذى سيفضى لتشكيل النظام الدولى الجديد، النظام الذى ستنصرف منه واشنطن كقوة عظمى وحيدة، لندخل إلى دراما صراع دولى أهم ملامحه، شطب كل ما نعرفه عن القانون الدولى وأسس العلاقات الدولية.