وما الدور الذى لعبه السعوديون فى اكتشاف شرايين الخير؟
بريطانيا رفضت مد يد العون إلى السعودية وادعت أنها لا تهدر الأموال فى بلد غير معروف
أخذت قصة اكتشاف النفط فى المملكة العربية السعودية منحنى تاريخيا، حيث تحولت المملكة التى كان موردها الأساسى يعتمد على الحج والعمرة، إلى دولة تعتمد فى 90% من إيراداتها على عوائد النفط، وتعود بداية تاريخ النفط فى المملكة، عندما بدأ الملك عبد العزيز التفكير فى الحاجة إلى تطوير دخل المملكة، ليسهم ذلك فى نهضة الدولة الفتية، حيث طلب الملك عبدالعزيز الحصول على الدعم المالى ما يقارب 500 ألف جنيه إسترليني، من الحكومة البريطانية للاستفادة به فى التنمية الاقتصادية للمملكة العربية السعودية، بما فى ذلك تمويل استكشاف مكامن النفط. وتوثق المحاضر الرسمية من الاجتماعات المنعقدة بين المسئولين البريطانيين والسعوديين، رفض بريطانيا تقديم المساعدة المالية للسعوديين فى مجال استكشاف النفط.
الخبير السعودى فؤاد حمزة أكد أن تقرير يقيّم الموارد المعدنية فى الحجاز والأحساء أعده مهندس التعدين الأمريكى كارل تويتشيل. ومع ذلك، فإن السعودية فضلت التعامل مع البريطانيين، ويرحب بمساعدة شركات النفط البريطانية فى بلاده.
ولكن أوصد كبير المسئولين البريطانيين - السير لانسلوت أوليفانت - الباب فى وجه هذه الدعوة أثناء المحادثات، وصرح بأن الوقت الراهن “لا يشجع أبداً على القيام بأى مغامرات مالية”. وأسهب أوليفانت قائلًا: إن “الشركات البريطانية قد تتردد فى قبول تقرير لم يعده خبير بريطاني” وتشكك فى استعداد الشركات البريطانية “لإهدار المال فى دولة غير معروفة جيدًا فى الوقت الحاضر”. ثم بدأت قصة اكتشاف البترول فى المملكة حين وقع الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود فى 29 مايو من عام 1933 اتفاقية الامتياز للتنقيب عن البترول بين حكومة المملكة، وشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا (سوكال)، وفى 8 نوفمبر من نفس العام، تم إنشاء شركة تابعة هى شركة كاليفورنيا أريبيان ستاندرد أويل كومبانى (كاسوك) لإدارة الامتياز، وتمت عملية المسح بإعداد خارطة هيكلية لقبة الدمام، موقع اكتشاف أول حقل نفطى فى المملكة، واعتمد الجيولوجيون الأمريكيون الأوائل على البدو لإرشادهم من مكان إلى آخر، فى العام 1935 تم حفر أول بئر اختبارية بالظهرانى قبالة الدمام التى لم تأت نتائجها محققة للتطلعات، ولكن لأن الدلائل كانت تشير إلى وجود الزيت والغاز، فقد استمرت الشركة فى الحفر، وبعد خمس سنوات من الحفر غير المثمر، بدا أن بئر الدمام رقم 7 ليست سوى طريق مسدود آخر، وفى 4 مارس 1938 بدأت بئر الدمام رقم 7 إنتاج 1.585 برميل فى اليوم على عمق 1.5 كيلومتر تقريبا .
لكن الظروف شاءت أن تتوقف أعمال رسم الخرائط الخاصة بالحقل عام 1942 بسبب محدودية القوى العاملة والمعدات أثناء الحرب العالمية الثانية، فى العام 1943 ولصعوبة الحصول على قطع غيار السيارات، تمت الاستعانة بالإبل لتزويد مخيم الجوف النائى بإمدادات زيت الديزل والبنزين وطين الحفر والأسمنت، فى 31 يناير من عام 1944 وفى خطوة تهدف إلى إبراز دور المملكة بين الدول المنتجة للنفط، تم تغيير اسم كاسوك إلى شركة الزيت العربية الأمريكية، والتى أصبحت تعرف اختصارا باسم شركة أرامكو السعودية، وفى العام 1950 اكتمل خط الأنابيب عبر البلاد العربية التابلاين الممتد بطول 1.212 كيلومتر، ليكون بذلك أطول خط أنابيب فى العالم، وقد ربط خط التابلاين شرق المملكة العربية السعودية بالبحر الأبيض المتوسط، وأسهم بشكل كبير فى اختصار وقت، وتكلفة تصدير النفط إلى أوروبا، وقد ظل خط التابلاين يعمل حتى عام 1983 .
وفى العام 1952 نقل مقر الشركة من نيويورك إلى الظهران، وبعد مضى أكثر من 80 عاما، أصبحت أرامكو السعودية تتبوأ مركز الصدارة فى الصناعات البترولية، حيث تجاوز إنتاج الزيت عشرة ملايين برميل يوميا وتدير الشركة احتياطيات تقليدية من الزيت الخام يبلغ 260.2 بليون برميل ومن احتياطيات الغاز 284.8 تريليون قدم مكعب قياسية، واكتشفت 116 حقل زيت وغاز على مدى تاريخ الشركة، كان آخرها حقل الزيت أسادف وحقلا الغاز أم رميل و الشعور، وكان آخر مشاريع الشركة هو مشروع مصفاة جازان، وكانت بئر الدمام رقم 7 التى صدر أمر الملك عبدالله بن عبدالعزيز بتغيير اسمها إلى بئر الخير، بداية إنتاج النفط تلاها عدة حقول أهمها حقل الغوار الذى يعد أكبر حقل نفط فى العالم، وحقل السفانية، وبعد 45 عاما من الإنتاج المتواصل فى العام 1982 أوقف حقل الدمام لأسباب تشغيلية، إلا أنه لا يزال قادرا على إنتاج النفط، فقد قامت الحكومات السعودية المتعاقبة بتقنيين العمل النفطى وتنظيمه وذلك بإنشاء وزارة البترول، وفى تلك الفترة قامت الحكومة أيضا بتأسيس شركة أرامكو السعودية، التى أصبحت فيما بعد أكبر شركة منتجة للنفط الخام فى العالم، كما قامت الحكومة بالتعاون مع بعض الدول بتأسيس منظمة أوبك.
وكانت المملكة العربية السعودية تنتج 10.3 مليون برميل يوميا (1.6 × 10 ملايين متر مكعب) فى عام 1980. وفى عام 2006 أنتجت 10.6 مليون برميل فى اليوم، وفى 2008 أنتجت 9.2 مليون برميل فى اليوم. السعودية أعلى قدرات إنتاج بالعالم وتقدر ب 11 مليون برميل باليوم.أعلنت عام 2008 خططا لزيادة القدرة إلى 12.5 مليون برميل باليوم بحلول عام 2009.
فى يناير عام 2008 عند زيارة الرئيس الأمريكى جورج بوش الابن للمملكة، طلب الرئيس الأمريكى من الحكومة السعودية زيادة الإنتاج، وقد رفضت الحكومة السعودية ذاك الطلب، تساءل بوش عما إذا كانت لديها القدرة على زيادة الإنتاج أكثر مما هو عليه الآن. فى صيف عام 2008، أعلنت المملكة العربية السعودية زيادة فى الإنتاج المخطط من 500،000 برميل يوميا.
هناك خبراء يعتقدون أن السعودية لديها القدرة على تنفيذ اقتراح للرئيس الأمريكى جورج بوش ولكنها تريد إتاحة الفرصة لدول أوبك فى الإنتاج. ويواصل الخبير فؤاد حمزة أن سعر التعادل اللازم حتى لا تحقق المملكة أى عجز فى العام المقبل هو 79.4 دولار، لبرميل نفط برنت، مع توقعات أن تبلغ كمية النفط المصدرة نحو 2.55 مليار برميل خلال العام. أما السعر الذى تم بناء الميزانية عليه فهو 54 دولارا للبرميل. وبالنسبة للمصارف الدولية، فترى أن سعر تعادل الميزانية السعودية فى العام المقبل سيكون 85 دولاراً نظرا، لأن إنتاج النفط سيكون عند مستوى 9.9 مليون برميل يومياً. أما السعر الذى تم بناء الميزانية عليه فهو 60 دولارا للبرميل.من جهته أوضح الدكتور جون إسفاكيانكيس رئيس الأبحاث الاقتصادية فى مركز الخليج للدراسات ل«الأهرام العربى» ، أن السعر الذى تم عليه بناء الإيرادات النفطية والمصروفات يبدو متحفظاً. وتوقع إسفاكيانكيس أن يبلغ سعر التعادل اللازمة للميزانية فى العام المقبل نحو 68 دولاراً لبرميل من خام برنت، وهو سعر ليس ببعيد عن السعر الذى توقعه صندوق النقد الدولى فى أكتوبر الماضي، عندما وضع الصندوق 70 دولاراً لسعر التعادل. وقد يأتى هذا الانخفاض فى سعر التعادل، نظراً لأن المملكة أصبحت تعتمد على النفط لتوليد 50 فى المائة فقط من إيراداتها الحكومية حالياً، مقارنة بنسب فوق الثمانين فى المائة حتى ثلاث سنوات مضت. وقالت وزارة المالية السعودية فى بيان لها بمناسبة صدور الميزانية، فيما يتعلق بتطورات أسواق النفط، إنه «على الرغم من التذبذب الذى تعرضت له أسعار النفط هذا العام تحت تأثير عوامل مختلفة، سواءٌ ما كان إيجابياً أم سلبيا، فقد تدرجت الأسعار فى الارتفاع. وقد أسهمت معدلات النمو الاقتصادية العالمية الجيدة وانخفاض العرض من النفط الذى نتج من الاتفاقية التى أبرمتها دول منظمة أوبك والدول غير الأعضاء خارجها، فى تقليص الفائض فى المخزونات التجارية لمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية (OECD) منذ يناير حتى أكتوبر 2017 بمقدار 200 مليون برميل». وأضاف أنه «وبينما تشير أغلب التوقعات إلى استمرار التعافى فى أسواق النفط العالمية استناداً إلى استمرار نجاح الاتفاق المبرم بين دول منظمة أوبك والدول غير الأعضاء خارجها، تظل تلك التوقعات خاضعة لمدى الالتزام بتنفيذ الاتفاق، ولاستمرار النمو الاقتصادى العالمي، وكذلك لتحقق توقعات العرض والطلب، بالإضافة إلى مدى النجاح فى التصدى للسياسات التعسفية ضد منتجات الوقود الأحفوري.
وتشير وزارة المالية السعودية إلى أنه «وبالرجوع إلى أحدث بيانات الأمانة العامة للأوبك ووكالة الطاقة الدولية، وكذلك إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، نجد أن التقديرات والتوقعات تشير إلى أن الزيادة فى معدل النمو المتوقع فى الطلب العالمى خلال عام 2018 يقدر بنحو 1.5 مليون برميل يومياً. بينما هناك تباين واضح فى توقعات نمو العرض من خارج الأوبك - والذى يشمل أيضاً السوائل الأخرى غير النفط من دول الأوبك - بين المصادر الثلاثة، والتى تتراوح ما بين 920 ألف برميل يومياً و1.63 مليون برميل يومياً». وفى توقعاتها المستقبلية قالت الوزارة: «وفى هذا الإطار، يتوقع أن تواصل أسعار النفط ارتفاعاتها مستقبلاً، وذلك مشروط باستمرار النجاح فى الاتجاه نحو توازن السوق، مع مراعاة الفروق الموسمية.