لم يكن دور الملك فيصل بن عبد العزيز فى حرب أكتوبر وليد اللحظة، لكنه كان امتدادًا واستكمالًا لموقفه إبان حرب الاستنزاف بعد نكسة 67 حيث كان دائماً داعمًا لمصر بكل ما أوتى من قوة، وهو ما لخصته العبارة التى قالها للرئيس الراحل جمال عبد الناصر ذات مرة فى مؤتمر عُقد بالخرطوم بعد حرب 67 بعدة أيام «يا جمال مصر لا تطلب وإنما تأمر». وفى 17 أكتوبر1973 قرر الملك فيصل أن يستخدم سلاح البترول فى المعركة، فدعا إلى اجتماع وزراء البترول العرب «الأوابك» فى الكويت وقرروا تخفيض الإنتاج الكلى العربى بنسبة 5 % فورًا، وتخفيض 5 % من الإنتاج كل شهر.
ولم يقتصر دور السعودية على قطع النفط عن أمريكا فقط، لكن أصدر الملك فيصل الأوامر للقوات السعودية المسلحة والحرس الوطني، للمشاركة فى معركة تحرير الأرض العربية، حيث شاركت القوات السعودية فى حرب أكتوبر ضمن الجبهة السورية، بالإضافة إلى مشاركتها بفوج من المدرعات وبطارية مدفعية وفوج المظلات الرابع ومدرعات لواء الملك عبد العزيز الميكانيكي، وتفقد الأمير سلطان بن عبد العزيز أرض المعركة فى أحد الخنادق على الجبهة المصرية.
واستدعى الملك فيصل السفير الأمريكى فى السعودية، وأبلغه رسالة للرئيس نيكسون تحتوى على ثلاث نقاط؛ هي: إذا استمرت الولاياتالمتحدة فى مساندة إسرائيل، فإن مستقبل العلاقات السعودية - الأمريكية سوف تتعرض لإعادة النظر، وأن السعودية سوف تخفض إنتاجها بنسبة 10 % وليس فقط 5 % . كما قرر وزراء البترول العرب، وألمح الملك إلى احتمال وقف شحن البترول السعودى إلى الولاياتالمتحدة إذا لم يتم الوصول إلى نتائج سريعة وملموسة للحرب الدائرة.
وصرح الملك فيصل فى أعقاب اتخاذ قراره بحظر تصدير النفط إلى الولاياتالمتحدة بأن الحظر لن يرفع قبل انسحاب إسرائيل من كل الأراضى العربية التى احتلت عام 1967م. وعندما ظهرت آثار أزمة النفط فى الولاياتالمتحدة، ولدى حلفائها واضحة فى الطوابير عند محطات التزود بالوقود، هرع هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية لزيارة الرياض فى 8 نوفمبر 1973م، علَّه يحصل على وعد باستئناف تصدير النفط، وطوال نحو أربع ساعات قضاها فى مباحثات مع الملك فيصل أولا ثم مع عمر السقاف وزير الشئون الخارجية السعودية بعدها، وبدأ هنرى كيسنجر حديثه مع الملك فيصل بمداعبة قائلاً « إن طائرتى تقف هامدة فى المطار بسبب نفاد الوقود، فهل تأمرون جلالتكم بتموينها، وأنا مستعد للدفع بالأسعار الحرة»، وكان جواب الملك له محدداً « وأنا رجل طاعن فى السن، وأمنيتى أن أصلى ركعتين فى المسجد الأقصى قبل أن أموت، فهل تساعدنى على تحقيق هذه الأمنية « .
وعندما هددت الدول الغربية باستخدام القوة للسيطرة على منابع البترول، قال الملك فيصل: «ماذا يخيفنا؟ هل نخشى الموت؟ وهل هناك موت أفضل وأكرم من أن يموت الإنسان مجاهدًا فى سبيل الله؟ أسأل الله سبحانه أن يكتب لى الموت شهيدًا فى سبيل الله».
وبعد نصر أكتوبر، زار الملك فيصل بن عبد العزيز مصر وطاف موكبه فى عدد من المدن المصرية فى استقبال شعبى بهيج، وقد رفعت رايات ترحيب كان من ضمنها لافتة (مرحبًا ببطل معركة العبور «السادات» وبطل معركة البترول «فيصل»).
وسيظل يذكر التاريخ للملك فيصل جملته تلك التى قال فيها « إن ما نقدمه هو أقل القليل مما تقدمه مصر وسوريا من تقديم أرواح جنودهما فى معارك الأمة المصيرية، وإننا قد تعودنا على عيش الخيام ونحن على استعداد الرجوع إليها مرة أخرى وحرق آبار البترول بأيدينا وألا تصل إلى أيد أعدائنا».