الموجة العالمية للتفكيك تطرح سؤال التوقيت لا تقرير المصير كردستان تنزلق لحروب التسعينيات وكاتالونيا تتشبه بهولندا
كورسيكا والباسك وصرب البوسنة والفلامند فى شمال بلجيكا.. كلها فى الطريق
لماذا الآن؟ سؤال يطرح نفسه بقوة علي الساحة العالمية في سياق انبعاث هوجة محاولات مناطق الانفصال عن الدولة فى العديد من مناطق العالم.
فقد فجر الرفض الذي قابلت به الحكومة المركزية الإسبانية استفتاء كاتالونيا مقارنات كثيرة بين حالة استفتاء الإقليم الإسباني، وحالة استفتاء إقليم كردستان العراق نظرا لأن الاستفتاءين على انفصال الإقليمين جاءا في مرحلة زمنية متقاربة، برغم أن المسافة بينهما تصل إلى 3500 كيلومتر.
تبدو الأسباب متشابهة جدا بعدم دستورية الاستفتاء من قبل الدولة المركزية فى الحالتين. فى حين يعتبر البعض أن الردود الدولية والغربية منها على وجه الخصوص فى حالة كاتالونيا كانت واضحة فيما يتعلق برفض الاستفتاء، بينما جاءت غير واضحة فى الحالة الكردستانية، إذ إن معظم اعتراضات القوى الدولية كانت على توقيت الاستفتاء، حيث بدا أنها تتفق معه ولكنها تعترض على توقيته.
ويتشابه وضع كردستان وكتالونيا معا من حيث تمتعهما بحكم ذاتي. كما يتشابهان من حيث أهميتهما ومساهمتهما فى اقتصاد الدولة المركزية. فالنفط الذى يعد عصبا لاقتصاد الحكومة المركزية فى العراق يأتى معظمه من كركوك الواقعة شمال العراق والتى سعى إقليم كردستان إلى تضمينها فى الاستفتاء الأخير على انفصاله عن الدولة المركزية بينما يمثل اقتصاد إقليم كاتالونيا خمس الاقتصاد الكلى الإسبانى ويسهم بحوالى 20 % من اقتصاد البلاد.
وللدخول إلى عمق الاسباب، كشف مايكل وينج – من كبار المحررين فى مركز كارنيجى الشرق الأوسط – أسباب التوقيت الحقيقية فى قضية كردستان وذلك فى حوار أجراه مع جو ست هيلترمان مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فى مجموعة الأزمة الدولية، إذ قال هيلترمان: إن سبب ضغط بارزانى من أجل إجراء الاستفتاء والمفاوضات أنه يعتقد أن الوقت الحالى هو الأكثر ملاءمة قبل نفاذ الفرص المتاحة.
فالولاياتالمتحدة كان لديها حليف قوى يتشكل من كل من الحزب الديمقراطى الكردستانى والاتحاد الوطنى الكردستانى منذ غزو العراق عام 2003 ولكن اعتمادها مشروط على فائدة هذه الأحزاب فى خدمة الأهداف الإستراتيجية الأمريكية. كما أن أولويات واشنطن فى المنطقة تغيرت. فقد أحدث الرئيس السابق باراك أوباما تغيرا استمر مع الرئيس الحالى دونالد ترامب.
ويتساءل هيلترمان: أنه بعد أن منيت الدولة الإسلامية بالهزيمة العسكرية فى العراق وسوريا، فهل ما زالت الولاياتالمتحدة فى حاجة إلى الحزب الديمقراطى الكردستانى كوثيقة تفويض للقتال برا؟ هل ستحتاج إلى كردستان العراق كعازل ضد النفوذ الإيرانى فى المنطقة؟ هل ستكون لديها الرغبة فى تدنيس يديها إذا ما قررت كل من إيران وتركيا استخدام منطقة كردستان كأرض للمعركة من أجل حرب محتملة؟ إن الإجابات تظل مبهمة. لكن هيلترمان يرى أن بارزانى لديه الحق فى الشعور بالقلق. وفى الوقت نفسه، إذا كان توقيت استفتاء الاستقلال مناسبا للأسباب السابقة، فإنه أيضا خاطئ لعدة عوامل. كما أن مبادرة بارزانى قد تقوض إلى درجة إلغاء النتيجة، وبالتالى حرمانه من الشعبية الشعبية التى يحتاجها فى المفاوضات.
فالمجتمع الكردى العراقى منقسم بصورة عميقة للدرجة أنه قد ينزلق إلى نوع من الحرب الضروس شاهدته المنطقة من قبل فى منتصف التسعينيات. والجدل الرئيسى يتمثل فى ميول بارزانى الاوتقراطية فإن الأكراد يشعرون بالاستياء الشديد أيضا من سيطرة الأحزاب والفساد الذى يصل إلى عنان السماء والسيطرة القمعية. كما أن المنطقة تعانى من الضعف الاقتصادي. ولأن كلا من الحزب الديمقراطى الكردستانى والاتحاد الوطنى الكردستانى راهنا بالمستقبل الاقتصادى للشعب حصريا باستغلال ثروات الهيدروكربون، فإن الانهيار الحاد أيضا فى أسعار البترول عام 2015 عجل من اشتعال الأزمة. كما ازداد سوء العلاقة المضطربة طويلة الأمد بين بارزانى والقيادة العراقية فى بغداد.
وفى قلب هذه العلاقة يقف ليس قضية الاستقلال الكردى الذى يبدو أن العديد من العراقيين غير الأكراد يوافقون عليه، ولكن حدود الدولة الكردية فى المستقبل. فالمشكلة تكمن فى مسألة الأراضى المتنازع عليها. فى الواقع، طالبت الأحزاب الكردية منذ مدة طويلة بهذه الأراضى باعتبارها جزء من المنطقة الكردية. وبعض هذه الأراضى به أغلبية كردية من السكان والآخر محافظة كركوك ليست بها هذه الأغلبية. وحقيقة أن كركوك بها حقول بترول كبيرة لا علاقة لها بالخلاف بين أربيل وبغداد. والحقيقة أن ذلك له علاقة التنافس بين الأحزاب الكردية نفسها. وقد أحكم الاتحاد الوطنى الكردستانى السيطرة على الحقول الرئيسية عام 2014 عندما انهار الجيش العراقى أمام الدولة الإسلامية.
أما فيما يتعلق بإقليم كتالونيا، فإنه وفقا لمجلة الإيكونوميست البريطانية، كشفت استطلاعات الرأى ان حوالى 40 – 45 % من الكتالونيين يرغبون فى الاستقلال. وقد لخص موقع «كاتالان إسيمبلى» أسباب رغبة إقليم كتالونيا فى الانفصال فيما يلي:
• الرغبة فى بناء بلد جديد وأفضل، مستشهدا بالوقت الذى كان فيه العالم كله، وليس فقط كاتالونيا، يشهد أزمة اقتصادية واجتماعية عميقة، بينما أدار الكثيرون من مواطنى الإقليم ظهورهم للأزمة، من خلال العمل بجد وبناء نوع مختلف من الدولة، أكثر ديمقراطية وسلمية. فكتالونيا تطمح إلى أن تصبح هولندا أو الدنمارك فى جنوب أوروبا، بمعنى بلد صغير ولكن لديه صلات تجارية قوية مع بقية العالم.
• الرغبة فى تعزيز اللغة الكتالونية فى جميع مجالات المجتمع، استعادة المكان الذى تستحقه بين اللغات المتنوعة والغنية فى أوروبا.
• الاعتراف بشعب الإقليم ككتالونيين وليس إسبان، خصوصا مع تزايد الإحساس بعدم الانتماء إلى إسبانيا، فالإقليم يملك علمه الخاص الذى يمثل ثقافة سكانه وقيمهم وسكانه يريدون سماع النشيد الوطنى الخاص بهم.
• تحسن الوضع الاقتصادي، فسكان الإقليم يقولون إن لديهم الحق والإرادة لإدارة موارد كتالونيا وفقا لاحتياجات المجتمع، واستخدامها بطريقة رشيدة ومستديمة.
• الحاجة إلى تعزيز الثقافة الكاتالونية.
وفى الوقت نفسه لا يعرف الكثير أن هناك عدة مناطق فى القارة الأوروبية ترغب هى الأخرى فى الاستقلال مثل إقليم الباسك فى إسبانيا أيضا، حيث سعى إقليم الباسك، أو ما يسمى “بلاد البشكنش” إلى الانفصال هو الآخر عن إسبانيا. ويتمتع أهالى الإقليم الذين يعتبرون من أقدم السكان فى أوروبا بحقوق واسعة بموجب البرلمان الإسبانى.
أيضا صرب البوسنة التابعون لجمهورية صربيا، وهى كيان ضمن فيدرالية البوسنة والهرسك. وقد ظهرت إلى الوجود بعد انهيار يوغوسلافيا على أساس اتفاقية دايتون. وبرغم مرور 20 عاما على هذه الاتفاقية، فإن صرب البوسنة، وهم معظم سكان الجمهورية، لا يملكون الحق فى الاستقلال وإنشاء دولتهم المستقلة.
كورسيكا وهى جزيرة متوسطية فى فرنسا. تعتبر هذه الجزيرة المتوسطية الوحيدة فى فرنسا من خارج أقاليم ما وراء البحار التى تتمتع بوضع خاص يمنحها المزيد من السلطات. وبعد عقود شهدت أكثر من 4500 هجوم شنتها “جبهة التحرير الوطنى فى كورسيكا”، أعلنت المنظمة المسلحة السرية فى يونيو 2014 التخلى عن السلاح من أجل تعزيز العملية السياسية.
ولما تحالف الاستقلاليون والمطالبون بمزيد من الحكم الذاتى، أصبحوا أول قوة سياسية تتصدر الجمعية الوطنية فى كورسيكا عام 2015. وفى يونيو الماضى، انتخبت كورسيكا ثلاثة نواب من هذا التحالف لتمثيلها فى البرلمان الفرنسى. وقد أقرت الجمعية الوطنية فى كورسيكا العديد من الإصلاحات مثل الاعتراف باللهجة المحلية كلغة رسمية إلى جانب الفرنسية، ونظام ضريبى محدد، وذكر كورسيكا فى الدستور الفرنسى، لكن باريس لم توافق على هذه المطالب.
وإقليم الفلامند فى هولندا. حصلت هذه المنطقة الناطقة بالهولندية فى شمال بلجيكا على العديد من الصلاحيات خلال العقود القليلة الماضية، كما أنها تهيمن على المشهد السياسى والاقتصادى فى بلجيكا.
ونشأت القومية الفلمنكية بعد القرن التاسع عشر لكنها لم تكن أبدا أقوى مما هى عليه اليوم. وقد أسهم ممثلها السياسى، التحالف الفلمنكى الجديد، فى تعزيز موقعها كأول حزب فى البلاد خلال الانتخابات التشريعية عام 2014، لتصبح حجر الزاوية فى الحكومة الفدرالية اليمينية الناطقة بالفرنسية برئاسة شارل ميشال. وهناك نية لإحياء المسيرة نحو الاستقلال الذاتى عام 2019.
ومازالت محاولات الشد والجذب مستمرة بين هذه المناطق و حكوماتهم فى محاولة جادة للحصول على الاستقلال والانفصال الذى تتم المطالبة به بين وقت وآخر.