أن تكون ليبيا أكثر أمنا وسلاما من مصر، وأن تكون قطر أكثر سلما من كل العالم العربى، بما فى ذلك السعودية والإمارات وسلطنة عمان.. فذلك يعنى أن هناك خداعا ما.. وهو بالضبط ما وجدناه فى تقرير السلام العالمى لعام 2017، ووفقا للدراسة التى تزعم أنها مؤشر السلام العالمى. جاءت قطر فى المركز ال30 من بين 163 دولة، فى حين تلتها السعودية فى مركز متأخر هو 133، ومصر فى المركز 139. وهو ما يعنى أن قطر تعيش فى هدوء وتنأى بنفسها عن الدخول فى أى علاقات تمس سلامها الداخلى والخارجي. وهو ما يعنى ببساطة أن الدعم وتمويل الإرهاب هما أفضل الطرق للسلام. وفقا لمزاعم الدراسة، فإن الباحثين حاولوا استخدام كل الأدوات العلمية المتاحة حتى تخرج النتائج بالشكل الذى يخدم هدفهم وهو بالمحصلة النهائية، أن قطر من الدول التى تنعم بالسلام وتعيش ترفرف فيه، بل لا مانع فى أنها تصدره للدول الأخري.
التقرير صادر عن كيان يدعى معهد الاقتصاد والسلام، وهو النسخة الحادية عشرة من . وهى دراسة تضم 163 دولة مستقلة وفقا لمستوى السلام داخل أراضيهم.
تلفت هذه الدراسة الانتباه إليها لما سجلته الدول العربية من ترتيب متناقض ومثير للحيرة. فقطر تأتى فى مقدمة مجموعة الدول العربية، ودوليا فى المرتبة الثلاثين بين الدول التى شملتهم الدراسة، التى نحن بصدد تناولها لتبين كيف جرت للخروج بمثل هذه النتائج بغض النظر عن مدى صحتها لدينا لأنه فى النهاية المعهد الذى أجراها هو الذى يتحمل مسئوليتها.
ومن المصطلحات التى ابتدعتها الدراسة مصطلح السلام الإيجابي. وهو ما يبدو جديدا بعض الشىء على السمع وكأن السلام أصبحت له مواصفات. لا مانع أن يكون أيضا سلبيا ومحايدا. ولنصل إلى المنطقة التى تهمنا. فقد وجدت الدراسة أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تظل أكثر المناطق الأقل سلاما فى العالم للعام الخامس على التوالي. لكن المثير هو الاستخدام السياسى والدعائى وتزييف الحقائق، ومنها أن المملكة العربية السعودية تليها ليبيا تعتبر أكثر المناطق التى تدهورت فى المنطقة. ووفقا للتقرير تدهورت المملكة العربية السعودية بسبب الصراع السورى واليمنى والنشاط الإرهابى المتزايد!! فى حين أن تدهور ليبيا يعود إلى المستوى المتزايد للصراع الداخلي.
كما تم الإشارة إلى سبب آخر لتراجع تقدم الدول وهو أن العديد منها هوى فى التورط فى العراق وأفغانستان. كما تحسن المؤشر الذى يقيس الإرهاب السياسى بصورة ملحوظة فى كل المناطق فيما عدا إفريقيا شبه الصحراوية والشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كما كان هناك انخفاض فى عدد القتلى كل 100 ألف شخص وأيضا مستوى الجريمة العنيفة. ومن الجدير بالذكر أنه من بين المجالات الثلاثة التى تناولتها الدراسة تحسن كل من مجالى التسليح والأمن والأمان. فى حين أنه كان هناك تدهور فى مجال الصراع المستمر بسبب الزيادة فى كثافة الصراع فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
كما كشفت الدراسة أن السلام العالمى تدهور بنسبة 2.14 % منذ عام 2008 حيث سجلت 52 % من الدول تدهورا، فى حين سجلت 48 % من الدول تحسنا. وقد تدهور المستوى العالمى للسلام بشكل سريع بعد الازمة المالية العالمية فى حين أنه منذ عام 2010 كانت التحركات فى مدى صغير مما أدى إلى عودة مستويات السلام هذا العام إلى المستوى نفسه تقريبا عام 2010.
وقد كان مجال الأمن والأمان الأكثر تدهورا فى هذه الدراسة، حيث سجلت 61 % من الدول تدهورا. وقد وقعت الانهيارات الكبرى فى هذا المجال فى منطقة إفريقيا شبه الصحراوية بسبب زيادة تأثير الإرهاب وعدم الاستقرار السياسي. وعلى النقيض، سجل مجال التسليح التحسن الأكبر، حيث أصبحت 60 % من الدول أقل تسليحا على مدى السنوات العشر الماضية.
وفى النهاية، سلطت الدراسة الضوء على التأثير الاقتصادى للعنف على الاقتصاد العالمى عام 2016 ، حيث بلغ 14.3 تريليون دولار أمريكى بمصطلح تكافؤ القوة الشرائية. وهذا الرقم يعادل 12.6 % من نشاط العالم الاقتصادى – إجمالى الناتج المحلى – او 1.953 دولار أمريكى لكل شخص و3 % اقل من عام 2015. ويعود السبب فى الانخفاض بشكل رئيسى إلى الانخفاض فى أعداد الأشخاص الذين قتلوا فى الإرهاب، وقد بلغ بنسبة 10 % علاوة على تخفيض الإنفاق على حفظ السلام وتقليل الأمن الداخلى وتخفيض تكاليف القتل.
وقد بلغ التأثير الاقتصادى للحرب 1.04 تريليون دولار أمريكى، فى حين كان تقدير نفقات بناء السلام نحو 10 مليارات دولار أمريكى أو أقل من 1 % من تكاليف الحرب.