منذ أن أهدى الشيخ محمد بن صقر القاسمي، الذى كان حاكماً للشارقة، ابنه سلطان خنجراً مذهباً، وقتها رهن الابن الخنجر واشترى بثمنه كتباً، وراح يشق طريقه فى العِلم، ويحمل شغفه بقلبه وعقله حالماً بعاصمة بنيانها الثقافة، فباتت مكتبة بيته تتسع وتمتد أرففها حتى صارت الشارقة مكتبة كبيرة تجمع قراء العالم. رؤية عميقة وفكر مستنير عبر عنه الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، حاكم الشارقة، فى الكثير من مقولاته، ولكن يظل أشهرها على الإطلاق تلك التى لخصت فلسفته التى قال فيها: «إن الثقافة حجر الزاوية فى التنمية المنشودة، وهو ما يحقق التوازن بين الانتماء الحضارى وروح العصر» لا يمكن لنا أن نزيح الستائر لنبدأ الحكاية، قبل أن نكشف فصول البدايات لتلك الجائزة على لقب العاصمة العالمية للكتاب للعام 2019، لا بد لنا أن نقف ونتأمل ذلك التاريخ الطويل والمستمر من العمل، الذى كرس فيه حاكم الشارقة لسلسلة من المشاريع، والمبادرات، والبرامج، التى ظلت تتنامى وترسم ملامح إمارة الكتاب عاماً تلو آخر، ويسرد كل فصل من فصولها حكاية مشروع ثقافى ظل الكتاب بطلها الذى يؤكد أنه إناء المعرفة الأزلي، وحجر بنيان الحضارات الصلب. تتجلّى صورة الشارقة الثقافية بالوقوف عند مشاريعها السبّاقة، وبرامج عملها الرائدة، فمنذ اليوم الذى افتتح فيه حاكم الشارقة الدورة الأولى لمعرض الشارقة الدولى للكتاب،عام 1982، أعلن رهانه على المعرفة، وظل العمل يتواصل على مدار خمسة وثلاثين عاماً، حتى بات المعرض اليوم ثالث أكبر معرض كتاب فى العالم.
«مدينة للنشر» تتألق «الإمارة الباسمة»، كما تعرف، فى مشروعها الثقافى التنموى لتضم إليها، سبع مكتبات عامة تنتشر عبر أرجائها، تقدم لروادها صنوف المعرفة وألوان الكتب، موفرة لهم البيئة المثالية لبداية رحلتهم مع عالم القراءة الممتع والمفيد، من خلال 600 ألف وعاء معرفي، تشمل الكتب، والدوريات، والوثائق، والأفلام، والمخطوطات، والمجلدات، وغيرها من المصادر المعرفية، باللغتين العربية والإنجليزية ولغات أخرى عديدة. وهاهى تتألق فى مشروع النهوض بواقع النشر المحلى والعربى والدولي، والذى يعتبر الأول من نوعه فى العالم، لتطلق «مدينة الشارقة للنشر» فى العام 2013. لتعزز مكانتها لتصبح مركزاً عالمياً يستقطب المعنيين بقطاع النشر والطباعة بأنواعه كافة، ودعم الحركة الثقافية والبحث العلمى على المستوى المحلى والإقليمى والدولي. أما عن البرامج والفاعليات والمنجزات المحلية والعربية والدولية فحدث ولا حرج، إذ تستضيف الإمارة سنوياً أكثر من 1500 ناشر من مختلف دول العالم فى فاعليات معرض الشارقة الدولى للكتاب –ثالث أكبر معرض كتاب فى العالم- ، جامعة بذلك أكثر من مليونى زائر، يتوافدون إلى المعرض من المواطنين والمقيمين والقراء فى الدول المجاورة، إضافة إلى ما يحققه مهرجان الشارقة القرائى للطفل على مستوى تعزيز القراءة والمعرفة لدى الأطفال بطرق مبتكرة وتفاعلية، وتفعيل واقع النشر، حيث ينظم أكثر من 2000 فاعلية، ويستقطب سنوياً أكثر من 300 ألف زائر.. وتؤكد الشارقة رؤيتها فى النهوض بواقع القراءة، وإرساء قواعدها فى المجتمع الإماراتى عبر سلسلة من المبادرات والمشاريع، إذ وزعت مبادرة «ثقافة بلا حدود» 42 ألف مكتبة على الأسر الإماراتية، وأطلقت الشيخة بدور القاسمى من إمارة الشارقة مبادرة «كتابى الأول» التى تستهدف الأمهات فى أكثر من 60 مركزاً صحياً وطبياً فى دولة الإمارات العربية المتحدة، ونجحت المبادرة فى توزيع 5 آلاف حقيبة كتب متنوعة على السيدات اللواتى ينتظرن مولودهن الأول إيماناً منها على أهمية غرس عادة القراءة لدى الأطفال وربطهم بالكتاب منذ الولادة. ولا تندهش عندما تعلم أن الشارقة التى تُعد أول إمارة أسست مدرسة ومكتبة فى دولة الإمارات، تتفنن دائماً فى احتضان العديد من المؤسسات الثقافية الداعمة للكتاب مثل جمعية الناشرين الإماراتيين، واتحاد كتاب وأدباء الإمارات، والمجلس الإماراتى لكتب اليافعين.
«بلا حدود» ولا يمكن أن نعرض تاريخ إمارة الأحلام، كما يلقبونها، فى الثقافة دون أن نشير إلى مبادرة «ثقافة بلا حدود» التى انطلقت بفضل مجهودات الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، رئيس اللجنة المنظمة للمشروع، والتى أسهمت فى ترسيخ اسم إمارة الشارقة كعاصمة للثقافة والمعرفة والكتاب فى دولة الإمارات العربية المتحدة. سنوات حافلة بالعمل الجاد والشاق، تاريخ مُكلل بالعديد من الانجازات الثقافية ليس على مستوى دولة الإمارات فحسب، بل امتد ليشمل المنطقة العربية بأكملها، وكما يقولون : «ان لكل مجتهد نصيب» فجاءت اللحظة الحاسمة ، وآن أوان قطف الثمار بعد موسم شاق من الغرس. فهاهى إمارة الشارقة تتمكن من الحصول على ثقة منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة «يونسكو»، بمنحها لقب «العاصمة العالمية للكتاب لعام 2019» بفضل الجهود التى بذلتها الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، المؤسس ورئيس مجلس إدارة جمعية الناشرين الإماراتيين،ورئيس لجنة ملف تقديم الطلب إلى «يونسكو»، وأعضاء هذه اللجنة، وهم أحمد بن ركاض العامري، رئيس هيئة الشارقة للكتاب، ومروة العقروبي، رئيس مجلس إدارة المجلس الإماراتى لكتب اليافعين، وراشد الكوس، المدير التنفيذى لجمعية الناشرين الإماراتيين حالياً وبذلك التكريم تعد الشارقة المدينة التاسعة عشرة على مستوى العالم التى تحصل على لقب العاصمة العالمية للكتاب بعد مدريد عام 2001، والإسكندرية 2002، ونيودلهى 2003، وأنتويرب 2004، ومونتريال 2005، وتورينو 2006، وبوغوتا 2007، وأمستردام 2008، وبيروت 2009، ويوبليانا 2010، وبوينس آيريس 2011، ويريفان 2012، وبانكوك 2013، وبورت هاركورت 2014، وأنشيون 2015، وفروتسواف 2016، وكوناكرى فى 2017، وأثينا 2018. حكاية طويلة نحاول أن نسرد فصولها لنجيب عن سؤال أساسى يحاصر الجميع ألا وهو «لماذا الشارقة» ؟ سؤال قد تجد إجاباته إذا تابعت السطور المقبلة.