الوفديون رفضوا مشهد تقبيل النحاس باشا يد الملك فاروق وتجاهلوا حصار الإنجليز لقصر عابدين دور المؤرخ ينتهى عند ذكر الحدث وتصرفات الشخصية حق أصيل للمؤلف
أثار مسلسل «الجماعة » أثناء عرضه خلال شهر رمضان العديد من التساؤلات، وأغضب بعض التيارات السياسية سواء الناصرية التى رفضت تصديق فكرة أن زعيم الناصرية كان أحد أعضاء الجماعة فى فترة الأربعينيات أو الوفديين الذين وجدوا فى مشهد تقبيل زعيمهم مصطفى النحاس يد الملك فاروق إهانة كبيرة للوفد والنحاس باشا على السواء وشككوا فى وجود الرواية بأكملها، وأجمعت كل التيارات السياسية أن هناك مشكلة فى السرد التاريخي للأحداث واتهمت المراجع التاريخي للمسلسل بأنه ينتمى لجماعة الإخوان وأنه عمد إلى تشويه الصورة وقلب الحقائق.
«الأهرام العربى» التقت المراجع التاريخي للمسلسل الدكتور حمادة حسنى أستاذ التاريخ بجامعة قناة السويس وواجهته بكل هذه الاتهامات ليجيب عنها فى الحوار التالى.
أنت متهم بانتمائك لجماعة الإخوان المسلمين؟
هذه تهمه لا أقبلها وأرفضها جملة وتفصيلا، أنا أستاذ للتاريخ، وطوال مشوارى الدراسى لم أنتم لحزب سياسي أو جماعة دعوية، لأنى أرى أن الوقوف فى منطقة بعيدة، خصوصا فى الأحداث التاريخية تعطيك مجالا للرؤية بشكل أفضل من الوقوف داخل الدائرة التى تحد من مساحات الرؤى وتجعلك فى صراع بين ميولك وانتماءاتك وبين الأمانة التاريخية التى تخرج من تحت يدك.
كيف تفسر اتهام د. رفعت السعيد ويوسف القعيد ود. خالد منتصر بانتمائك للجماعة ومعاداة عبدالناصر؟
للأسف المجتمع المصرى فى الوقت الحالى أصبح ينظر للأمور بمنظور واحد، وهو من لم يقف فى جانبى فهو بالتأكيد ضدى، وهذه النظرية موجودة بكثرة فمجموعة الناصريين ترى أن جمال عبدالناصر ولد زعيماً منذ اليوم الأول لقدومه كوكب الأرض وتناسوا أنه بشر وكان لاعباً جيداً على أرض السياسة بمعنى أن الشاب جمال عبدالناصر حينما كان فى بداية العشرينيات من عمره كان يبحث عن حزب أو جماعة ينتمى إليها، وفى ذلك الوقت كانت جماعة الإخوان لها صيت كبير على الساحة، وفى مذكرات الأستاذ خالد محيى الدين ذكر أنه وعبدالناصر ذهبا إلى مقر الجماعة وأقسما على المصحف والمسدس، فلماذا يغضبون الآن من ذكر الحقيقة؟
وما السبب فى ذلك؟ هم استسهلوا الطريق بمعنى أنهم حتى يلفتوا الأنظار بعيداً عن الأحداث الحقيقية التى جاءت فى العمل فضلوا أن يتهمونى بالأخونة، حتى إذا سمع الناس هذه الجملة أصبح كل ما يقال أمامهم على الشاشة غير صحيح، هذا الأسلوب كان متبعا فى فترات قريبة من عمر مصر، لكن المشاهد الآن أصبح لديه وعى كامل بما يدور، فالفارق كبير بين أن تناقش شخصا متخصصا فيما كتبه وبين أن تشوش على عمل لأنه لا يروق لك ولا يتماشى مع فكرك، وعلى سبيل المثال هناك اتهام آخر من الإخوان بأنى ناصرى وأن العمل يخدم الناصريين ويشوه الإخوان، فما رد هؤلاء الذين اتهمونى بالناصرية والعمل ضد الإخوان؟
هل شخصية سيد قطب كانت بهذا الشكل من الصلف والحدة كما ظهرت بالمسلسل؟ المصادر التاريخية تقول إن سيد قطب كان شديد الاعتزاز برأيه ولا يقبل المناقشة فى الأمور التى يراها صحيحة وعنيد جداً، لكن الشخصية نفسها وكيفية تعاملها أثناء وجوده داخل البيت أو مع أفراد أسرته أو غير ذلك فهى ملك للمؤلف الأستاذ وحيد حامد لأنه الأقدر فى رسم الشخصية الدرامية، فأنا أحاسب على المواقف والقرارات التى اتخذها سيد قطب فقط.
هل حضر سيد قطب اجتماع مجلس قيادة الثورة بالفعل؟
أولاً: المسلسل يتناول جزءا من تاريخ مصر وليس التاريخ بأكمله، والثابت تاريخياً أن قطب كانت تربطه صداقة كبيرة بجمال عبدالناصر وكان ناصر يستعين بأفكار سيد قطب فى التدليل على بعض المواقف، ولو عدت لكتب كثيرة كتبت سواء من طرف الإخوان أو من الطرف الآخر ستجد هذه العلاقة موجودة، وهناك بعض الكتب تناولت أن سيد قطب حضر اجتماع مجلس قيادة الثورة، وأيضاً هناك واقعة ثابتة أن جمال عبدالناصر وزملاءه أقاموا احتفالاً كبيراً فى نادى الضباط بالزمالك ل سيد قطب، وحضره عباس محمود العقاد وطه حسين وآخرون وقام عبد الناصر بإلقاء كلمة ترحيب بدأها بكلمة أخى الأكبر سيد قطب، وقد نشرت أخبار هذه الحفلة فى الصحف، أما بعد عام 1953 فقد تبدلت الحال عندما انضم لجماعة الإخوان التى دخلت فى صدام مع مجلس قيادة الثورة .
لم يثبت تاريخياً أن محمد نجيب كان متواطئا فى محاولة اغتيال عبدالناصر بحادث المنشية وذلك عكس ما شاهدناه بالمسلسل؟
فى رأيى أنها المرة الأولى التى يقدم فيها عمل فنى حادث المنشية بهذا الشكل وبمجموعة التفاصيل التى وردت فيه، فقد كان الجميع يستند إلى صوت عبدالناصر فى الراديو مع طلقات الرصاص ثم القبض على محمود عبداللطيف وهكذا، لكن بالنسبة لهذا الحادث تحديداً فقد تم القبض على عدد كبير من شباب الإخوان المتهمين، وأثناء تحقيقات النيابة اعترف أحدهم أنه فى حالة نجاح العملية سيتولى الرئيس محمد نجيب الأمر وهو لديه علم بما يجرى، هذه المعلومة موجودة فى التحقيقات، أما لماذا لم يأخذ بها أو يتم الإعلان عنها من داخل مجلس قيادة الثورة فهذا أمر يخصهم وحدهم لكنها واقعة مثبتة.
ما دورك تحديداً فى المسلسل؟
أنا مستشار للعمل ككل منذ الجزء الأول وحتى الآن، بمعنى أن جميع النقاط التاريخية لابد أن يكون لها إثبات، وعندما أبحث عن واقعة معينة لابد أن أقرأ فيها كل المصادر التى تناولتها وفى بعض الأحيان تجد الحدث بوجهتي نظر، بمعنى أن حادث المنشية أيضا كتب بوجهتى نظر فالرواية الإخوانية تقول إنه من تدبير عبدالناصر، والرواية الأخرى تقول إنه من تدبير الإخوان، وهنا لابد من إجراء عملية بحثية واسعة والوصول للنتيجة الصحيحة، وهذا فى حد ذاته مرهق جداً، وبعد التأكد من الحدث وتاريخه أقدم ذلك للمؤلف وهو يصيغه بالشكل الدرامي الذى يتماشى مع أسلوبه الفنى، وللمؤلف الحق فى اللجوء لمصادر أخرى يستطيع منها أن يأخذ ما يشاء دون الرجوع للمستشار التاريخي للمسلسل وفقا للعقد المبرم.
هل المسلسل يعتبر وثيقة تاريخية أم رؤية فنية للمؤلف؟
العمل به جانب توثيقى كبير يتمثل فى الأحداث بتسلسلها الصحيح، أيضا الأسماء التى وردت فى المسلسل كلها بلا استثناء صحيحة 100 % مثل شخصية إسماعيل الفيومي العسكرى فى حرس الرئيس عبد الناصر والذى ينتمى لتنظيم سيد قطب، لكن فى النهاية هناك رؤية ووجهة نظر فنية للمؤلف لأن محددات العمل الدرامى تختلف عن العمل التوثيقى، لأنه فى الدراما من الممكن إضافة مشهد أو خط درامي إنسانى.
لماذا كثر الهجوم على الإخوان فى الجزء الثانى عما كان فى الجزء الأول؟
فى رأيي أن العنصر الزمنى له أهمية كبيرة بمعنى أن الجزء الأول كان يحكى كيفية إنشاء الجماعة من ميلاد حسن البنا وحتى وفاته وقد هوجم من جماعة الإخوان بشكل كبير وشككوا فى كل الحقائق، لكن الهجوم اشتد كثيراً فى الجزء الثاني مع ظهور شخصية جمال عبدالناصر خاصة أن الناصريين يحبون أن يظهر عبدالناصر بالصورة التى انتهى عليها وليست صورته فى البدايات، لذلك لديهم تبرير لكل موقف ويرفضون الاعتراف بالحقيقة، برغم أن عبدالناصر غازل الإخوان كثيراً فى بداية الثورة وعرض عليهم تولى أكثر من وزارة، بل وزار قبر حسن البنا وهذا موثق.
إذن لماذا الهجوم على شخصك بهذه الشراسة؟
أعتقد أنى تعودت على هذا الهجوم منذ اخترت أن أتخصص فى الفترة الزمنية لعهد عبدالناصر، فأنا تخرجت فى كلية الآداب قسم تاريخ جامعة عين شمس دفعة 1990 وبدأت رسالة الماجستير بعنوان «التنظيمات السياسية لثورة يوليو» من عام 1953 حتى 1961 ثم بعدها رسالة الدكتوراه وجاءت بعنوان»الاتحاد الاشتراكى العربى» خلال الفترة من 1962 إلى 1976 وهى فترة قريبة جداً من عصرنا الحالى، وكان من حسن حظى أن بعض الضباط الأحرار لايزالون على قيد الحياة التقيتهم وسمعت منهم شهادات حية عن تلك الفترة، ولا تنسى أن هذه الفترة تحديداً لها الكثير من المؤيدين والمعارضين، والتيار الناصرى لديه أدواته سواء فى الصحف أو الإعلام بشكل عام ولا يسمح بأن يقترب أحد من الذات الناصرية، وعن نفسى عندما درست تلك الفترة اكتشفت إيجابيات وسلبيات كثيرة وكنت أميناً مع نفسى حيث لابد من أن أذكر الحقيقة لأنها أمانة تاريخية ولا يصح أن نجتزأ منها الصالح ونترك الطالح، وهو ما عرضنى للكثير من الانتقادات.
لماذا غضب الوفديون من المسلسل؟ أولاً أنا أعمل وفق وثائق تاريخية، وليس لي دخل بمن يغضب أو يفرح الأهم بالنسبة لي أن يكون الحدث قد تم بالفعل، ومشكلة الوفديين أنهم يتخذون من النحاس باشا زعيماً ولا يقبلون أى عمل يتناول أى تصرف يسقطه من نظر شباب الحزب، لذلك هم يعترضون على مشهد تقيبل النحاس باشا يد الملك فاروق أثناء حلفه اليمين لتولى الوزارة، فى سبيل أنهم لم يغضبوا عندما حاصرت الدبابات الإنجليزية قصر عابدين عام 1942 لفرض النحاس باشا رئيساً للوزراء، هنا أود القول إن التاريخ لا يكتب بمزاج كاتبه أو بتوجيه من حزب أو جماعة، التاريخ يكتب من وثائق وحقائق لا بالتمنى والانتماء.