عند نقطة تفتيش في حلب تفصل بين الجيش السوري ومقاتلي المعارضة الذين يحاربون قوات الرئيس بشار الأسد يقترب أحد السكان من مجموعة من جنود القوات الحكومية ليهنئهم على "تطهير" الحي من "الميليشيات الإرهابية". ويقول "أنا أعرف مواقع الإرهابيين" مستخدما الكلمة التي تستعين بها الحكومة للإشارة إلى مقاتلي المعارضة مضيفا "يمكن ان أساعدكم على التخلص منهم. حماك الله يا بشار." ولسوء حظه كانت القوات عند نقطة التفتيش هذه قوات من المعارضة وحين أدرك المقاتلون انه كان يظنهم جنود الاسد ضربوه واحتجزوه. وتشير هذه الواقعة في حي سيف الدولة إلى الطريق الطويل الذي مازال يتعين على مقاتلي المعارضة قطعه -بعد 17 شهرا من احتجاجات الشوارع والصراع المسلح- لكسب ود سكان حلب أكبر المدن السورية التي ظلت على هامش الصراع في العام الأول من الأزمة. وحتى بعد أن سيطر مقاتلو المعارضة على أكثر من نصف مدينة حلب في الشهر الماضي مازالت الريبة تجاه مقاتلي المعارضة قائمة في المركز التجاري لسوريا حيث كان رجال الأعمال يكافأون على ولائهم لحكم عائلة الأسد. ومازال بعض ممن يؤيدون مقاتلي المعارضة يتوجسون من الإعلان عن ذلك. ويشكو بعض السكان من أن المقاتلين جلبوا معهم العنف إلى مدينتهم الهادئة نسبيا. بينما ينتظر كثيرون انتهاء الصراع ليروا من سيخرج منه منتصرا. وقالت نشطة تطلق على نفسها اسم نور الإسلام "هناك البعض في مجتمعاتنا في حلب يريدون ان يسقط بشار لكنهم لا يتفقون مع المقاومة المسلحة." وقالت نور الإسلام التي تتسلل من منزلها لتصوير المعارك ونشر اللقطات على الانترنت إن ممثلي المعارضة في أحياء راقية بحلب يعتقدون أن الجيش السوري الحر تصرف بشكل مندفع حين حاول السيطرة على الأرض بدلا من تحقيق أهداف أبسط في البداية مثل حماية مظاهرات الشوارع المناهضة للأسد. وعلى عكس مدن مثل دير الزور وحمص اللتين تحملتا قصف الجيش طوال شهور لم تشهد حلب الاضطرابات إلا في الآونة الأخيرة. وقالت نور الإسلام "لم يروا دبابات في مدينتهم ولا سقوط قذائف على رؤوسهم لذلك فإنهم لا يرون حاجة للثوار." والمقاتلون انفسهم ليسوا من حلب بل من الريف. وتختلف لهجتهم عن اللهجة السائدة في المدينة وهم يزينون أذرعهم بأوشام من ابيات الشعر وصور لقلوب وسهام. وتجيء معركتهم التي يخوضونها لكسب قلوب وعقول سكان حلب في مواجهة الولاء المتراكم منذ زمن طويل للأسد الذي تحركه جزئيا المصالح التجارية. وقال فواز ذكري (47 عاما) وهو عضو في المجلس الوطني السوري المعارض وتاجر حبوب إن الأسد ووالده حافظ الاسد الذي ظل يحكم سوريا طوال 30 عاما قبل وفاته عام 2000 بذلا مجهودا كبيرا للاحتفاظ بولاء المدينة. وقال ذكري إن نظام الأسد اشترى ولاء رجال الأعمال ورجال الدين في المدينة. وأضاف أنه منذ الثمانينات كان النظام يحاول دائما تجنب وقوع أي اضطرابات سياسية في حلب لأنها القلب الاقتصادي للبلاد. ومنحت السلطات تجار حلب عقودا مربحة وقال ذكري إنه حتى إذا كان رجال الأعمال لا يتفقون فعلا مع النظام فسيظلون صامتين حتى لا يفقدوا مصالحهم. كما يصعب كسر الخوف الذي ظل قائما بعد 42 عاما من حكم عائلة الأسد في حلب حتى رغم أن بلدات أخرى في انتفاضة صريحة منذ أكثر من عام. كان يتبقى أمام محمود باشا (21 عاما) عاما واحدا فقط في جامعة حلب ليتخرج ويصبح مهندس كهرباء عندما اندلعت الاضطرابات في سوريا. وقال "رأى والدي مدى الوحشية التي يعامل بها المواطنون الذين يتهمون بأنهم أفراد من المعارضة في مدينتنا." وأضاف "رأى كيف أن الدبابات تجرهم في الشوارع. لذلك قال لن أسمح أبدا بأن يحدث هذا لابني وانضم إلى البعث" في إشارة إلى الحزب الحاكم الذي ظلت السلطة في يده نحو نصف قرن. وقال باشا وهو الآن من مقاتلي المعارضة في لواء أبو بكر الصديق إن والده حتى اليوم موال للأسد ويعارض عمله مع مقاتلي المعارضة. وقال "عودت حكومة الأسد السوريين على الطاعة والخوف منها. حاجز الخوف هذا ليس من السهل كسره." ظلت النشطة سلمى (35 عاما) التي تعيش في حي مازالت تسيطر عليه القوات الحكومية طوال أسابيع تتسلل إلى المناطق التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة لتصوير المعارك وتوثيق أثرها على حياة المواطن العادي. وشأنها شأن الكثير من نشطاء ومقاتلي المعارضة فإنها تستخدم اسما مستعارا بسبب الخطر الحقيقي المتمثل في احتمال ضبط الامن السوري لها خاصة انها ما زالت تعيش في الحي الخاضع لسيطرتهم. بين أوقات التصوير بكاميرتها الصغيرة تمضي وقتا طويلا وهي تتحدث مع المقاتلين الريفيين حول السبب الذي يجعل سكان حلب لا يؤيدون الثورة أو مقاتلي الجيش السوري الحر. وقالت "النظام دموي.. مرت أسرنا بمراحل مروعة كانت ترى فيها ابناءها يعودون في حالة يرثى لها من سجون الأسد.. هذا إن عادوا أصلا... لن أجرؤ حتى على التحدث بشكل سلبي عن عائلة الأسد مع أفراد أسرتي.. نعيش في خوف الى هذه الدرجة." وعلى الجبهة يشعر مقاتلو المعارضة باحتقار للتردد الذي يبديه سكان المدينة. وهم يقولون إن الانتفاضة هي صرخة ممن لم تتح لهم فرصة للتعليم او الاثراء او التمتع بالسلطة على عكس سكان مدينة حلب. وقال زكريا غير (45 عاما) وهو خطاط من اعزاز "ثورتنا ثورة كرامة. الرجل الذي لا مال له لا كرامة له ونحن غير قادرين على الحصول على تلك الثروة." وقال "لم أكن سأحصل على فرصة قط لإقامة مشروع ما لم أعرف الأشخاص الملائمين لرشوتهم. لقد سئم الناس هذه المعاملة وهذه الحياة وهم يريدون التحرر منها ولهذا قامت الثورة." ومضى يقول "الناس في حلب يعيشون حياة مريحة بالفعل وكان نظام الأسد يعاملهم بشكل جيد جدا فلماذا ينتفضون؟" ولا يخفي مقاتلون آخرون هذه المرارة التي يشعرون بها. وقال عمر أبو شامي لرويترز في حي صلاح الدين "جميعهم جبناء وخونة. ليس هناك رجال في حلب... كنت انتشل جثثا من صلاح الدين والناس حولي كانوا يحملقون فقط ولم يساعدوني. تحتاج حلب شخصا أكثر وحشية من بشار لإيقاظهم."