جاءت العملية التخريبية التي وقعت في سيناء مساء الأحد الماضي لتطرح الكثير من التساؤلات على الساحة الإسرائيلية، خصوصاً أن حجم الدمار الذي ألحقته هذه العميلة بالمنشآت العسكرية المصرية كان مدويا وكبيرا، والأخطر من كل هذا أنه أتي عقب يومين فقط من تحذير تل أبيب لمصر من إمكانية حصول عملية انتقامية ستقوم بها المنظمات الفلسطينية بالتعاون مع بعض من الشباب من بدو سيناء، غير أن الواضح حتى الآن أن مصر تجاهلت هذه التحذيرات، والأهم من كل هذا أنها قوبلت بهجوم شرس من القائمين على صناعة السياحة وحتى بعض من القيادات الأمنية والتي زعمت بأن هذا التحذير الإسرائيلي يعود في الأساس الى رغبة إسرائيل في ضرب السياحة بسيناء للإضرار بالاقتصاد المصري. ويشير التليفزيون الإسرائيلي في تقرير له أن رد الفعل المصري الغاضب من هذا التحذير كان مدهشا، ولم يكترث المصريون على الإطلاق بهذا التحذير، وخرج الكثير من المسئولين ليهاجموا هيئة مكافحة الإرهاب التابعة لمكتب نتنياهو والتي كانت أول من حذر من هذه العملية، ووصل الأمر إلى انتقاد نتنياهو شخصيا والهجوم عليه متهمين إياه بأنه يلعب دورا مشبوها من أجل ضرب السياحة الأجنبية الوافدة إلى سيناء. وتساءل التقرير في البداية عن مدى دقة هذه المعلومات الإسرائيلية ومصداقيتها .. معربا عن تقديره للمجهودات الأمنية الإسرائيلية التي أتت بهذه المعلومات بمصداقية وسرعة أنقذتا حياة الكثير من الإسرائيليين ممن تواجدوا في سيناء قبيل الحادث؟ وتساءل التقرير أيضا .. لماذا لم يتواصل المصريون معنا من أجل معرفة تفاصيل هذا التحذير ؟ ولماذا فضلوا الهجوم علينا؟، وزعم التقرير أن المصريين دأبوا على انتهاج هذه السياسة منذ مجيء الرئيس محمد مرسي إلى السلطة وجلوسه على كرسي الرئاسة، حيث يفضلون الهجوم على إسرائيل بدلا من التنسيق معها، والغضب بدلا من الإنصات. غير أن السؤال المهم المطروح الآن من أين علمت إسرائيل بخبر هذا الهجوم؟ وهل تمتلك أعينا أو ردارات بشرية في سيناء؟ هذا السؤال كان حديث وسائل الإعلام الإسرائيلية منذ اندلاع العملية حتى الآن، وتأكدت أهمية هذا السؤال عقب رسالة الشكر التي وجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى عدد كبير من القائمين على الأجهزة الأمنية أو الاستخباراتية الإسرائيلية وفي مقدمتها جهاز الشاباك والذي يبدو أن أعينه مترامية بين قطاع غزةوسيناء، وتحديدا الأولى خصوصاً أن الشواهد تشير إلى تورط عناصر فلسطينية متشددة في هذا الهجوم، وهناك الكثير من الدلائل التي تؤكد أن إسرائيل تمتلك أعينا قويا في القطاع تنقل لها كل كبيرة وصغيرة به. وأبرز دليل على هذا إن إسرائيل وقبيل العملية الإرهابية التي وقعت يوم الأحد قتلت الناشط العسكري عياد حجازي في عملية نوعية، حيث ضربته وهو يقود دراجة نارية، الأمر الذي يؤكد أن عملاء إسرائيل في القطاع أبلغوا عنه وزرعوا جهاز تعقب خاصاً في هذه الدراجة، وهو ما سهل على الطائرات الإسرائيلية الوصول إليه ومن ثم قتله. وبالتأكيد كما تنقل الرادارات البشرية المعلومات عن النشطاء الفلسطينيين ممن يحاربون إسرائيل من القطاع، فإنها تنقل أيضا المعلومات عن النشطاء الذين يحاربون مصر من القطاع. عموما فإن ما جرى يؤكد حقيقة مؤلمة وهي أن سيطرة إسرائيل على مختلف مجريات الأمور في سيناء أو غزة أقوى وللأسف الشديد من السيطرة المصرية، الأمر الذي يتطلب وقفة مع الذات ومزيد من التعاون حتى مع إسرائيل إن تطلب الأمر خصوصاً إن كان الهدف هو حماية الأمن المصري. عهد جديد للعداء بين الإرهاب والإخوان من ناحية أخرى زعم عدد من التقارير الصحفية الإسرائيلية إلى أن هذه العملية ستكون الأساس الذي قد تتغير فيه علاقة الإخوان المسلمين بالفصائل الإرهابية المتشددة، وهي الفصائل التي تتخذ من العنف طريقا لها. وفي هذه النقطة بالتحديد كتب الخبير الإستراتيجي الإسرائيلي إيال زيسر تحليلا إخباريا في صحيفة إسرائيل اليوم، وهو التحليل الذي أشار فيه زيسر إلى أن رفض مصر الاستجابة للتحذيرات الإسرائيلية من إمكانية تعرض سيناء إلى هجوم إرهابي مفهوم، مشيرا إلى أن من أسماهم بالمسئولين الجدد في مصر وبالتحديد أعضاء حزب الحرية والعدالة والرئيس محمد مرسي اعتقدوا أنه وبعد سقوط حسني مبارك، ستمتنع المجموعات الإرهابية المسيطرة على سيناء من مهاجمة الجنود ورجال الشرطة المصريين، خصوصاً أن أعضاء الحزب اعتقدوا أن السبب الرئيسي وراء الهجمات التي كانت تشنها الجماعات الجهادية ضد المناطق السياحية في سيناء هو السياسات التي تنتهجها مصر في عهد الرئيس مبارك، وسياسات التوأمة سواء العسكرية أو الاقتصادية مع إسرائيل والولايات المتحدة، إلا أن هذا الرأي سيتغير بالتأكيد عقب وقوع عملية الأحد الماضي، حيث تبين أنه لا يوجد فارق كبير بالنسبة إلى عناصر الجهاد العالمي التابعين للقاعدة بين الجنود ورجال الشرطة المصريين وبين الجنود ورجال الشرطة الإسرائيليين. وثمة ما هو أكثر من ذلك، حيث تؤمن الجماعات المتطرفة بأن الرئيس مرسي هو امتداد لعهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك، ولا يوجد فرق بين الاثنين، وهناك هدف تضعه الجماعات المتشددة نصب أعينها وهي ضرب الأهداف الإستراتيجية في مصر ومحاولة إشعال التوتر بين القاهرة وتل أبيب بأي صورة، وقتل أكبر عدد ممكن من الضحايا الأبرياء لتنفيذ هذا المخطط. وينتهي زيسر بالقول بأن الوضع الأمني في مصر صعب للغاية، خصوصاً أنها وعلى عكس العراق وسوريا لا يوجد للإرهاب الإسلامي الريديكالي في مصر اليوم عنواناً واضحاً أو تنظيماً محدداً، قائلا إنه وفي الماضي عرفت مصر مجموعات إرهابية إسلامية كانت تنتمي إلى منظمة الجهاد الإسلامي المصري، وأفراد هذه المجموعات هم الذين اغتالوا أنور السادات عام 1981، ونفذوا الكثير من الهجمات. واليوم برزت مجموعات تنتمي إلى خطهم وتسعى لاستخدام سيناء من أجل نشر التطرف والإرهاب. عموما فإن هذه العملية بالتأكيد ستغير الكثير من الحسابات سواء السياسية أو الإستراتيجية للكثير من الأطراف في المنطقة، إلا أنها كشفت لنا عن مدى قوة الأجهزة الإسرائيلية وضرورة التنسيق المسبق معها أن دعت الضرورة إلى هذا الأمر، خصوصاً أن جميع التحذيرات الإسرائيلية فيما يتعلق بإمكانية وقوع أعمال إرهابية في سيناء كانت أغلبها وللأسف الشديد صحيحة.