كلية الطب بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا تحصل على الاعتماد الأكاديمي من الهيئة القومية لضمان جودة التعليم    «المنوفي»: كرتونة البيض تقترب من 100 جنيه    خلال ساعات.. موعد إلغاء التوقيت الصيفي 2025 في مصر وتأخير الساعة 60 دقيقة    وزير الخارجية: التحضيرات جارية لاستضافة مؤتمر إعادة إعمار غزة    سفير الصين: نعمل مع أكثر من 150 دولة على بناء «الحزام والطريق» بجودة عالية    هل يتعاقد الأهلي مع محمد صلاح؟.. سيد عبدالحفيظ يجيب    «عيب أوي».. رد ناري من أيمن يونس على تصريحات ثروت سويلم ضد حلمي طولان    آرسنال يخطط للتجديد مع ساكا ليصبح الأعلى أجرًا في تاريخ النادي    تردد قناة beIN SPORTS HD 3 لمتابعة مباراة أرسنال وبرايتون في كأس الرابطة الإنجليزية 2025-2026    مصرع 3 أشخاص في انقلاب سيارة بالرياح التوفيقي بالقليوبية    المؤبد لمتهم والمشدد لآخرين بخلية ولاية داعش الدلتا    مصرع شخص وإصابة اثنين آخرين إثر انقلاب سيارة بطريق الخارجة - أسيوط    وزير الثقافة يلتقي مثقفي سوهاج لبحث آليات تطوير منظومة العمل بالمحافظة    انطلاق الاختبارات التمهيدية للمرشحين من الخارج في المسابقة العالمية للقرآن الكريم    عاجل- مدبولي يعيّن الدكتور محمد عبد الوهاب أمينًا عامًا للجنة العليا للمسئولية الطبية وسلامة المريض    محافظ الدقهلية يتابع من مركز سيطرة الشبكة الوطنية محاكاة التعامل مع مياه الأمطار وحركة المواقف ومستوى النظافة    محافظ شمال سيناء يستقبل عدداً من مواطني إزالات ميناء العريش    انتشال جثة شاب لقى مصرعه غرقا في بحر شبين بالمحلة    رئيس جامعة حلوان: الاستثمار في التكنولوجيا استثمار بالمستقبل    هل يدخل فيلم فيها إيه يعنى بطولة ماجد الكدوانى نادى المائة مليون؟    فلسطين حاضرة في الدورة 26 من مهرجان روتردام للفيلم العربي مع "سيدة الأرض"    «الخطيب أخي وأوفينا بما وعدنا به».. خالد مرتجي يزف بشرى لجماهير الأهلي    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 2026- 1447ه في مصر وأول أيام الصيام (تفاصيل)    مصر تشارك في اجتماع مصايد الأسماك والاستزراع المائي بالاتحاد الإفريقي في أديس أبابا    «نرعاك في مصر» خدم أكثر من 24 ألف مريض من 97 دولةً بإيرادات تجاوزت 405 ملايين دولار    حماس تدعو في بيان الوسطاء والضامنين إلى تحمل مسؤولياتهم والضغط الفوري على إسرائيل للالتزام التام بوقف إطلاق النار    محافظ سوهاج يفتتح حديقة ميدان الشهداء العامة بالمنشاه    المحكمة تقضي بعدم الاختصاص في قضية علياء قمرون    بايسانوس.. فيلم وثائقي عن الشتات الفلسطيني في تشيلي بمهرجان القاهرة السينمائي    حالة الطقس في الكويت.. أجواء حارة ورياح شمالية غربية    مصرع طفلة صدمتها سيارة أثناء عودتها من الحضانة فى البدرشين    حادث المنشية.. والذاكرة الوطنية    التنسيق الحضاري: توثيق 365 شارعًا بعدة محافظات ضمن مشروع حكاية شارع    10 مشروبات طبيعية لعلاج الأرق وصعوبة النوم    صحة المنيا: قافلة حياة كريمة تقدم خدماتها الطبية ل957 مواطنًا بقرية منبال بمركز مطاي    المشدد 15سنة لمتهم للاتجار بالمخدرات في السلام    مقاتلات بولندية تعترض طائرة استطلاع روسية فوق بحر البلطيق    دون إبداء أسباب.. السودان يطرد مسؤولين من برنامج الأغذية العالمي    هل فلوس الزوجة ملكها وحدها؟ دار الإفتاء تحسم الجدل حول الذمة المالية بين الزوجين    جيش الاحتلال الإسرائيلي يزعم اغتيال مسئول بحزب الله في لبنان    "أتوبيس الفن الجميل" يصطحب الأطفال في جولة تثقيفية داخل متحف جاير أندرسون    رئيس اتحاد الناشرين العرب: المبادرات الثقافية طريقنا لإنقاذ صناعة الكتاب العربي    بينها «طبق الإخلاص» و«حلوى صانع السلام» مزينة بالذهب.. ماذا تناول ترامب في كوريا الجنوبية؟    تحليل: 21% من السيارات الجديدة في العالم كهربائية بالكامل    "ADI Finance" توقع اتفاقية تمويل إسلامي بين البنك الأهلي لدعم أنشطة التأجير والتمويل العقاري    سفيرة قبرص لدى مصر: المتحف الكبير.. الهرم العظيم الجديد لعصرنا الحديث    كأس العالم للناشئين - مدرب إيطاليا: علينا التأقلم سريعا مع المناخ في قطر    أسقفا الكنيسة الأنجليكانية يزوران قبرص لتعزيز التعاون الإنساني والحوار بين الكنائس    كيف تُعلّمين طفلك التعبير عن مشاعره بالكلمات؟    وزير الشئون النيابية: الرئيس السيسي أولى ملف مكافحة الفساد أولوية قصوى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-10-2025 في محافظة الأقصر    الدكتور أحمد نعينع يكتفى بكلمتين للرد على أزمة الخطأين    إعصار ميليسا يصل الساحل الجنوبي لشرقى كوبا كعاصفة من الفئة الثالثة    رعم الفوز على النصر.. مدرب اتحاد جدة: الحكم لم يوفق في إدارة اللقاء    الخارجية تشكر الرئيس السيسى على ضم شهدائها للمستفيدين من صندوق تكريم الشهداء    الأمين العام للإنتوساي تشيد بدور مصر في تعزيز التعاون الدولي ومواجهة الأزمات    ناجي حكما لمباراة الزمالك والبنك في الدوري    أسعار الذهب فى أسيوط اليوم الاربعاء 29102025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كانت عيداً بهجته ربوع مصر.. ليلة الرؤية ليلة إظهار قوة الخليفة
نشر في الأهرام العربي يوم 29 - 05 - 2017

فرحة فى ربوع القاهرة حتى لو لم تثبت رؤية الهلال

احتفالات الدولة الفاطمية بليلة الرؤية فاقت فى بذخها الوصف وكانت تعتمد فى جوهرها على إظهار قوة الخليفة

مظاهر الاحتفال أصبحت مقتصرة على خروج فرقة من فرسان الشرطة من دار محافظة القاهرة، إلى "دار الإفتاء"

فى ذاكرة القاهرة الإسلامية، تحفل المصادر التاريخية وكتب الرحالة بوصف المواكب والاحتفالات الرسمية والشعبية بليلة الرؤية وشهر رمضان بتقاليد متوارثة، فى عصور متعاقبة، واندثرت بعض هذه العادات والتقاليد وطواها الزمان بحكم المتغيرات السياسية والاجتماعية وظروف العصر! وقد فاقت احتفالات الدولة الفاطمية الوصف فى بزخها، وكانت فى جوهرها تعتمد على إظهار قوة الخليفة الفاطمى وسلطانه كحاكم إلى جانب نفوذه الديني!
يقول المقريزى عن احتفال الفاطميين بغرة شهر رمضان: ".. وكان لهم فى شهر رمضان أنواع عدة من البر منها كشف المساجد، كان القضاة بمصر إذا بقى لشهر رمضان ثلاثة أيام طافوا يوماً على المشاهد والمساجد بالقاهرة ثم بالمشاهد ثم بالقرافة ثم بجامع مصر ثم بمشهد الرأس لنظر حصر ذلك وقناديله وعمارته وإزالة شعثه وكان أكثر الناس ممن يلوذ بباب الحكم والشهود والطفيليون يتعينون لذلك اليوم والطواف مع القاضى لحضور السماط .
وكان فى أول يوم من شهر رمضان يرسل لجميع الأمراء وغيرهم من أرباب الرتب والخدم لكل واحد طبق ولكل واحد من أولاده ونسائه طبق فيه حلوى، وبوسطه صرة من ذهب فيعم ذلك سائر أهل الدولة ويقال لذلك غرة رمضان!
وكان لخلفاء الدولة الفاطمية عادات ورسوم فى جميع المناسبات، ومنها ما اشتهر ب"ركوب أول رمضان"، وأرجح أن هذه العادة هى أصل ما يعرف فى التراث الشعبى ب "موكب ليلة الرؤية".
وركوب أول رمضان كان من الأيام المشهودة فى مصر الفاطمية، فكان موكب الخليفة فى زيه وبنوده وقبابه يحتشد بباب الذهب داخل سور القصر الكبير الشرقى وقد امتطى أكرم الجياد، مرتدياً "شاشية موكبية مكملة مذهبة". وكان موكب الخليفة يبدأ من بين القصرين ( شارع المعز بالصاغة الآن)، ويسير فى منطقة الجمالية حتى يخرج من باب الفتوح (أحد أبواب سور القاهرة الشمالية)، ثم يدخل من باب النصر عائداً إلى باب الذهب (بالقصر) وفى أثناء الطريق توزع الصدقات على الفقراء والمساكين، وحينما يعود الخليفة إلى القصر يستقبله المقرئون بتلاوة القرآن الكريم فى مدخل القصر ودهاليزه حتى يصل إلى خزانة الكسوة الخاصة فيغير ملابسه ويرسل إلى كل أمير فى دولته بطبق من الفضة مملوء بالحلوى تتوسطه صرة من الدنانير الذهبية، وتوزع الكسوة والصدقات والبخور وأعواد المسك على الموظفين والفقراء، ثم يتوجه لزيارة قبور آبائه حسب عادته، فإذا ما انتهى من ذلك أمر بأن يكتب إلى الولاة والنواب بحلول شهر رمضان.

عصر المماليك
واستمرت العناية بالاحتفال بحلول شهر رمضان ورؤية هلاله فى العصر المملوكى كذلك، فكان قاضى القضاة يخرج لرؤية الهلال ومعه القضاة الأربعة كشهود ومعهم الشموع والفوانيس، ويشترك معهم المحتسب وكبار تجار القاهرة ورؤساء الطوائف والصناعات والحرف، وكانوا يشاهدون الهلال من منارة مدرسة المنصور قلاوون (المدرسة المنصورية بين القصرين) لوقوعها أمام المحكمة الصالحية (مدرسة الصالح نجم الدين بالصاغة)، فإذا تحققوا من رؤيته أضيئت الأنوار على الدكاكين وفى المآذن، وتضاء المشكاوات فى المساجد، ثم يخرج قاضى القضاة فى موكب تحف به جموع الشعب حاملة المشاعل والفوانيس والشموع حتى يصل إلى داره، ثم تتفرق الطوائف إلى أحيائها معلنين الصيام .
وقد وصف الرحالة "ابن بطوطة "عام 727 هجرياً، الاحتفال برؤية هلال رمضان فى مدينة "أبيار" بالقرب من المحلة الكبرى، قائلا: "وعادتهم فى يوم الركبة أن يجتمع فقهاء المدينة ووجوههم بعد العصر فى "بيت القاضى" ويقف على باب الدار نقيب المتعممين وهو ذو شارة وهيئة حسنة، فإذا أتى أحد الفقهاء أو الأعيان تلقاه ذلك النقيب ومشى بين يديه قائلاً :"باسم الله سيدنا فلان الدين"، ويجلسه النقيب فى موضع يليق به، فإذا تكاملوا هنالك، ركبوا جميعاً وعلى رأسهم القاضي، وتبعهم من بالمدينة من الرجال والصبيان، حتى إذا ما انتهوا إلى موضع مرتفع خارج المدينة – وهو مرتقب الهلال عندهم – وقد فرش ذلك الموضع بالبسط والفرش فينزل القاضى ومن معه يرتقبون الهلال، ثم يعودون إلى المدينة بعد صلاة المغرب وبين أيديهم الشموع والمشاعل والفوانيس، فيكون ذلك دليلاً على ثبوت رؤية الهلال فيوقد التجار الشموع بحوانيتهم، وتكثر الأنوار فى الطرقات والدروب والمساجد".
وكان الرحالة التركى الشهير "أوليا جلبى" الذى طاف بالعالم الإسلامى واستغرقت رحلته 23 عاماً، قد أشار إلى وجود طائفة فى مصر تسمى "القندلجية" تضم نحو مائتى فرد، كان عملهم بالتحديد: تزيين الحوانيت وإضاءتها بالقناديل فى ليالى رمضان وفى ليالى الموالد.
ويقول المؤرخ العظيم "ابن إياس" عن احتفال ليلة رؤية الهلال فى عام 920 هجرياً – عهد السلطان الأشرف قنصوة الغورى: ".. وأما فى ليلة رؤية الهلال، حضر القضاة الأربعة بالمدرسة المنصورية، وحضر الزينى بركات بن موسى المحتسب، فلما ثبتت رؤية الهلال وانفض المجلس، ركب المحتسب ومشت قدامه السقاءون بالقرب، وأوقدوا له الشموع على الدكاكين، وعلقوا له التنانير والأحمال الموقودة بالقناديل من الأمشاطيين إلى سوق مرجوش، إلى الخشابين، إلى سويقه اللبن، إلى عند بيته (بيت الزينى بركات) .
وفى مستهل الشهر، يجلس السلطان فى ميدان القلعة، ويتقدم إليه الخليفة العباسى والقضاة الأربعة بالتهنئة ثم يستعرض أحمال الدقيق والخبز والسكر، وكذا الغنم والبقر المخصصة لصدقات رمضان يعرضها عليه المحتسب بعد أن يكون قد استعرضها فى أنحاء القاهرة تتقدمها الموسيقى، فينعم على المحتسب وعلى كبار رجال الدولة .
واستمر الاحتفال بحلول شهر رمضان وبرؤية هلاله فى عصر الدولة العثمانية، ففى التاسع والعشرين من شعبان كان القضاة الأربعة يجتمعون وبعض الفقهاء والمحتسب بالمدرسة المنصورية فى "بين القصرين "ثم يركبون جميعاً يتبعهم أرباب الحرف وبعض دراويش الصوفية، إلى موضع مرتفع بجبل المقطم، حيث يرتقبون الهلال، فإذا ثبتت رؤيته، عادوا وبين أيديهم المشاعل والقناديل إلى المدرسة المنصورية، ويعلن المحتسب ثبوت رؤية هلال رمضان، ويعود إلى بيته فى موكب حافل يحيط أرباب الطرق والحرف بين أنوار المشاعل، فى ليلة مشهودة "فى الفرجة والقصف "على حد تعبير مؤرخنا "ابن إياس" وفى صباح أول أيام رمضان، يصعد المحتسب والقضاة الأربعة إلى القلعة لتهنئة "الباشا "ا لوالي، فيخلع عليهم قفاطين مخمل كما جرت العادة .
وكان المؤرخ العظيم "عبد الرحمن الجبرتى "قد أشار فى تاريخه إلى "سنن وطرائق فى مكارم الأخلاق لأهل مصر لا توجد لغيرهم، قائلا:... "ففى بيوت الأعيان كان السماط يمد مبذولاً للناس ولا يمنعون من يريد الدخول.. وكانت لهم عادات وصدقات فى المواسم الدينية خاصة فى ليالى رمضان، يطبخون فيها الأرز باللبن والزردة ويملأون من ذلك قصاعاً كثيرة، ويفرقون منها على من يعرفونه من المحتاجين، ويجتمع فى كل بيت الكثير من الفقراء، فيفرقون عليهم الخبز ويأكلون حتى يشبعوا ويعطونهم بعد ذلك دراهم، ولهم غير ذلك صدقات وصلات لمن يلوذ بهم، خلاف ما يعمل ويفرق من الكعك المحشو بالسكر والعجمية وسائر الحلوى ".

فى زمن الحملة الفرنسية
وفى زمن الحملة الفرنسية فى مصر، أشار الجبرتى إلى أمر "سارى عسكر الفرنسيس بونابرته "... بالمناداة فى أول رمضان بأن نصارى البلد يمشون على عادتهم مع المسلمين ولا يتجاهرون بالأكل والشرب فى الأسواق، ولا يشربون الدخان ولا شيئاً من ذلك بمر أى منهم، كل ذلك لاستجلاب خواطر الرعية ".
وفى ليلة الرؤية، كان قاضى القضاة والمحتسب ومشايخ الديوان يجتمعون ببيت القاضى "المحكمة "بين القصرين، وعند ثبوت الرؤية، يخرجون فى موكب تحيط بهم مشايخ الحرف و" جملة من العساكر الفرنساوية ".. وتطلق "المدافع والصواريخ "من القلعة والأزبكية !
وكان "دى شابرول" أحد أبرز علماء حلمة بونابرت على مصر عام 1798 م وقد أعد دراسة قيمة بعنوان "عادات وتقاليد سكان مصر المحدثين "نشرت ضمن موسوعة "وصف مصر "الشهيرة، وتحدث عن أعياد المصريين التى تعود إلى أصول دينية، وبعد أن أشار إلى أن شهر رمضان فى مجموعه هو "شهر للعبادة واللهو أيضاً" تحدث عن موكب ليلة الرؤية، حيث يركب القضاة الأربعة ووكيل بيت المال والمحتسب وأرباب الدولة، يحيط بهم الدراويش وعامة الناس، حاملين القناديل والمشاعل والمباخر، وعقب ثبوت الرؤية يتوجهون جميعاً إلى القلعة لتهنئة الوالي، وتضاء أمام الحوانيت القناديل والشموع، وتنتشر المباخر بأشكالها الجميلة تتضوع منها روائح زكية.. و"إلى أن تأتى الساعة التى طال انتظارها، حيث تتصاعد أصوات المؤذنين من فوق منارات المساجد، فمنهم من يلبى النداء، ومنهم من يهرع إلى الطعام والشراب، ويحرص الأثرياء على تقديم مآدب الافطار الباذخة حيث يقدم الطعام بلا تمييز.. بينما تظل المساجد والشوارع مضاءة بالقناديل حتى مشرق الشمس، ويذهب كثير من الناس إلى المقاهى للاستماع بحماس إلى الرواه، والمنشدين وهم يقصون حكاياتهم العجيبة "!

إدوارد لين "منصور أفندى"
أما المستشرق البريطانى الشهير "إدوارد لين –E. Lane" الذى شغف بمصر واختلط بناسها، وتأثر بعادات وتقاليد مجتمع القاهرة، حتى أنه شارك المسلمون صلاتهم بالمساجد، وفى حلقات الذكر، راصداً تفاصيل الحياة اليومية، وسمى نفسه "منصور أفندى "!.. فقد حدثنا عن مشاهداته لطقوس ليلة رؤية هلال رمضان عام 1835 فيقول: "والليلة التى يتوقع أن يبدأ صبحيتها الصيام، تسمى ليلة الرؤية.. فيرسل عدد من الأشخاص الثقاة إلى مسافة عدة أميال فى الصحراء، حيث يصفو الجو، لكى يروا هلال رمضان.. بينما يبدأ من القلعة موكب الرؤية الذى يضم المحتسب وشيوخ التجار وأرباب الحرف: الطحانين والخبازين والجزارين والزياتين والفكهانية، تحيط بهم فرق الإنشاد ودراويش الصوفية، وتتقدم الموكب فرقة من الجنود.. ويمضى الموكب حتى ساحة بيت القاضى ويمكثون فى انتظار من ذهبوا لرؤية الهلال.. وعندما يصل نبأ ثبوت رؤية هلال رمضان، يتبادل الجميع التهاني، ثم يمضى المحتسب وجماعته إلى القلعة، بينما يتفرق الجنود إلى مجموعات يحيط بهم "المشاعلية "والدراويش، يطوفون بأحياء المدينة، وهم يصيحون: يا أمة خير الأنام.. صيام.. صيام.. أما إذا لم تثبت الرؤية فى تلك الليلة فيكون النداء: "غداً متمم لشهر شعبان.. فطار.. فطار..."!
وتتألق القاهرة فى ليالى رمضان، وكأنها تحتفل بميلادها إلى جانب احتفائها بشهر القرآن، وتذكر الأجيال الماضية صورة استقبال رمضان بإطلاع المدافع، ومواكب أرباب الحرف، وكل حرفة تمثلها عربة مزدانة بالزهور والفوانيس ورموز من أدوات الحرفة وفرق الجيش والشرطة بموسيقاها المميزة، هذه المواكب التى كانت تنطلق فى جو من البهجة والفرح العام فى شوارع القاهرة حتى مبنى المحافظة . أو إلى المديرية فى عواصم المحافظات.. أو بيت "البيه المأمور "فى القرى !..
كانت ليلة رؤية هلال رمضان – فى الزمن الجميل – بمثابة عيد تعم بهجته ربوع القاهرة، حتى لو لم يثبت رؤية الهلال، أما الآن فقد تقلصت مظاهر الاحتفال واقتصرت على خروج فرقة من فرسان الشرطة – عصر يوم الاحتفال – من دار محافظة القاهرة، متجهة إلى "دار الإفتاء المصرية" حيث يقام سرادق كبير لاستقبال الوزراء وكبار الضيوف من العلماء ورجال الدين وأبناء الأقطار العربية والإسلامية، فإذا ما ثبت رؤية الهلال، تحررت بذلك "الوثيقة الشرعية ".. وعقب الاستماع إلى آيات من الذكر الحكيم، يلقى فضيلة المفتى كلمته التى تبث من خلال التلفاز والراديو، معلناً النبأ الذى ينتظره الملايين "أن اليوم هو المتمم لشهر شعبان وغداً – إن شاء الله – هو غرة شهر رمضان "ويهنيء العالم الإسلامى.. وتنطلق البهجة فى البيوت والشوارع والأسواق !


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.