يمر الزمان ويتبدل الحكام ويظل المصريون محافظين على عاداتهم في شهر رمضان، وإن كان الأمر لا يخلو من صبغة خاصة تفرضها طبيعة كل مرحلة. فقبل أيام قليلة من الشهر تزينت الشوارع بأفرع الأوراق الملونة والمصابيح المبهرة واكتظت المتاجر وتزينت المساجد وانتشرت محال بيع الفوانيس. وكما هي العادة في أسواق التمور، تفنن البائعون في الأسماء التي يطلقونها على معروضاتهم للفت نظر المشترين. وعلى عكس ما كان عليه الحال قبل الثورة حيث كانت تسود أسماء نجوم الفن والكرة أصبحت السياسة حاضرة بقوة في سوق البلح. وقد نجح "بلح مرسي" في الانتصار على بلح "شفيق" بفارق ضئيل تماما كما كان الحال في جولة إعادة انتخابات الرئاسة. كما سجل بلح "وردة" حضورا متميزا بعد شهور قليلة على رحيلها. ويبدو أن "تخمة السياسة" التي أصيب بها أغلب المصريين خلال الفترة الماضية أفقدتهم القدرة على تحمل سماع أي شيء مرتبط بالسياسة ، وهو ما جعل بعض القنوات تلغي أو تقلص من فقراتها الإخبارية لدرجة لا ترى بالعين المجردة وسط سيل المسلسلات وفضلت الإبقاء عليها تحسبا لأي جديد قد يطرأ خلال الشهر. فيما اختارت قنوات أخرى أن تتحول بمذيعيها وبرامجهم السياسية إلى برامج اجتماعية لتحظى بقسط من المشاهدة. وقبيل انطلاق الشهر، زاحمت إعلانات القنوات الفضائية وما ستبثه من برامج إعلانات أجهزة التكييف على صفحات الجرائد كما احتلت إعلانات القنوات الفضائية نفس اللافتات الإعلانية الموجودة على الطرق التي كانت تحتلها صور مرشحي الرئاسة حتى وقت قريب. ويبدو أن "طبيعة المرحلة" فرضت نفسها بقوة على التلفزيون الرسمي فتراجع عن عرض مسلسل "تحية كاريوكا" وأرجع قراره إلى أنه يتنافى مع أخلاقيات الشهر رغم أن محطات خاصة تملكها شخصيات معروفة رأت أنه لا يتنافى مع أخلاقيات الشهر وبالفعل شرعت في عرضه. كما تراجع التلفزيون الرسمي عن عرض مسلسل "البحر والعطشانة"، ورغم رفع الشركة المنتجة "استغاثة عاجلة" لرئيس الجمهورية على صفحات الجرائد أوضحت فيه أن ما يثار عن "مساس المسلسل بجماعة الإخوان المسلمين على خلاف الحقيقة تماما" إلا أن هذا لم يغير من الأمر شيئا اللهم إلا بتسريبات عن وعود بإذاعة المسلسل بعد شهر رمضان. وشكل الارتفاع الكبير في درجات الحرارة مصدر إرهاق زائد للصائمين، ولكن المصريين كما هي العادة يتحايلون على الصعاب بالنكات من أمثال "حكم مبارك 30 عاما ولم يأت رمضان بهذا الحر وحكم الإخوان شهورا وها هو رمضان!" وأخرى تتساءل "عن مدى دستورية أن يأتي الصيام في هذا الحر الشديد". واستبقت وزارة الكهرباء الشهر بحثها المواطنين على ترشيد استهلاك الطاقة خاصة في فترة ما بعد الغروب ولمدة ساعتين. ولجأت الحكومة بالفعل إلى تخفيف الأحمال، فقللت من الإضاءة على الطرقات السريعة. ومن الملاحظ أن التيار الكهربي ينقطع لفترات طويلة ومتكررة عن المناطق الريفية أكثر من غيرها من المناطق وهو ما يفسر انتشار بيع مولدات الكهرباء في القرى. وخرجت دعوات كثيرة تطالب بتنظيم مظاهرات للمطالبة بالتوقف عن قطع التيار الكهربي ولكن يبدو أن الحرارة والصيام لا يشجعان. ومن اللافت بصورة أكبر هذا العام انتشار موائد الرحمن عند محطات الوقود، ولكن الطوابير الطويلة لسيارات النقل وحافلات الركاب التي يرغب قائدوها في الحصول على السولار وقت الإفطار استغلال فرصة تواجد الناس ببيوتهم تفسر هذه الظاهرة.