لم يتحدث الرئيس السوري بشار الأسد لقواته علنا ليشد ازرها منذ الهجوم الجريء والفتاك على مسئولين امنيين مقربين من الرئيس في انتكاسة نفسية واستراتيجية هائلة تكشف الضعف الذي اصاب المؤسسة السورية وعجزها عن حماية أكثر المقربين من دوائر السلطة. واكتفى تلفزيون الدولة بعرض لقطات للاسد اثناء اداء وزير دفاعه الجديد اليمين يوم الخميس وهي أول صور للرئيس منذ الهجوم في اليوم السابق. ولم يظهر على الاطلاق ماهر شقيق بشار الاصغر وقائد قوات النخبة في الجيش. وماهر هو الرجل القوي في عائلة الاسد ولكن عقلها الاستراتيجي هو آصف شوكت زوج شقيقة الاسد ونائب وزير الدفاع الذي اغتيل مع وزير الدفاع داود راجحة وهشام بختيار رئيس المخابرات السورية وحسن تركماني رئيس خلية الازمة المؤلفة من ستة اعضاء. وقال فواز جرجس استاذ سياسات الشرق الاوسط بكلية لندن للاقتصاد "حصن دمشق لم يعد حصينا. من الناحية النفسية كانت ضربة قاصمة للأسد وانصاره." وذكر الكاتب رامي خوري "تجعل الاسد وكل من على القمة لا يطمئن لمدى سلامته وسط شعبه." وتقوي الضربة التي استهدفت مركز السلطة عزيمة المعارضة التي نقلت معركتها بالفعل لشوارع بوسط دمشق وتعهدت بتحرير العاصمة من أربعة عقود من الحكم المستبد لعائلة الاسد. ومشاهد تصدي مقاتلي الجيش السوري الحر للقوات النظامية واضرام النيران في مراكز الشرطة في العاصمة لم تكن لتخطر على بال قبل أيام قليلة. وتمثل نقطة اللا عودة لكثيرين في القوات المسلحة التي شهدت تزايدا لحالات انشقاق الجنود منذ تفجير يوم الاربعاء الماضي. ولم يقض الانفجار على عناصر مهمة في الدائرة الضيقة المحيطة بالاسد فحسب بل بعث برسالة واضحة للرئيس والموالين له : لم تعودوا محصنين او لا تقهرون وان نقطة التحول تقترب. وقال محللون أن الهجوم المدوي سيقود على الارجح لمزيد من الانشقاقات لضاط كبار من السنة وانصار الاسد الذين يشعرون انه لا يسعهم الثقة بعد الآن بقيادة عاجزة عن حماية نفسها وشعبها. والاهم ان التفجير لا يعني ان المعارضة استطاعت ان تصيب القيادة الساسية والعسكرية واعضاء في اسرة الاسد وعشيرته فحسب بل تسللت للجهاز الامني الحصين في الفناء الخلفي للاسد. وقال الخوري "انها صدمة كبيرة لنظام الاسد." وتابع "انها الالية التي تسقط النظام حين يفقد الناس الثقة في قدرة النظام على حماية نفسه. يبدو نظاما ضعيفا وهشا فقد ثقة الناس. "سيمثل ذلك بداية نهاية النظام. مدى السرعة التي سينتهي بها لا نعلمها بالضبط." ولم يتبق للاسد (46 عاما) سوي حفنه من الانصار المقربين يثق بهم من بينهم شقيقه الاصغر ماهر الذي يقود الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة. والوحدات التي يقودها ماهر مكلفة بسحق الانتفاضة المستمرة منذ 16 شهرا والتي اعقبت ثورات تونس ومصر وليبيا واليمن. ويشي صمت الاسد منذ الهجوم بالكثير عن الارتباك في الحكومة. ويعتقد معظم مراقبي الأوضاع في دمشق ان العد التنازلي لسقوط الاسد بدأ ولكن لم يتضح كيف سيرحل. ويظل السؤال الذي يطرح نفسه هل يقاتل الاسد -الذي تولي السلطة عقب وفاة والده في عام 2000 - حتى النهاية ويخاطر بان يقبض عليه ويقتل مثل الزعيم الليبي معمر القذافي او يستقل طائرة تأخذه للمنفى مثل الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي. وفي رد فعله على التفجير قال وزير الدفاع الامريكي ليون بانيتا ان الوضع في سوريا "يخرج عن نطاق السيطرة" . وانتهز الفرصة ليحذر الاسد من انه سيتحمل المسؤولية إذا فشلت حكومته في حماية مواقع الاسلحة الكيماوية. والمخاطر بالغة في سوريا اذ انزلقت في حرب أهلية ويتألف سكانها من مزيج طائفي وعرقي قابل للانفجار يضم سنة وعلويين واكرادا ومسيحيين. بل حتى لم يتضح من سيتولى السلطة إذا انهار حكم الاسد في غياب معارضة سياسية موضع ثقة او حكومة انتقالية على غرار ما حدث في ليبيا. ومن المرجح ان تكون البد العليا لمقاتلين مسلحين ويقود اغلبيتهم إسلاميون. وربما ينتهي الحال بسوريا ممزقة بين كانتونات طائفية للاكراد في الشمال والعلويين في المناطق الساحلية والدروز في الجبال الجنوبية والسنة في بقية ارجاء البلاد. او قد تنزلق في حرب طائفية مثلما حدث في العراق بعد الاطاحة بالرئيس الراحل صدام حسين. ويخشى قادة غربيون ان يزعزع الصراع الحالي الاستقرار في الدول المجاورة لسوريا وهي اسرائيل ولبنان وتركيا والعراق والاردن. ويقول محللون ان الحل الامثل هو تشكيل حكومة انتقالية تمثل جميع الاطراف تحت رعاية دولية. ويقول حلفاء مقربون وخصوم للاسد ان استيراتيجيته في مواجهة الانتفاضة المتنامية ضده يمكن التنبؤ بها. سيتحرك بلا رحمة لينفد بجلده وينقذ الاقلية العلوية التي تحكم البلاد منذ عقود. ويمثل السنة اغلبية سكان سوريا وعددهم 21 مليون نسمة. وقال الخوري "ينبغي ان يكون الاسد قلقا. وسيزداد وحشية ولكن كلما لجأ للقوة كلما تصاعد التمرد ضده وسيسقطه ذلك اسرع." وتابع "حفر قبره سياسيا. سيذهب في نهاية المطاف ولكن ليس لديه البديل اليمني "اي الانتقال السلمي للسلطة مضيفا انه لم توجه اليه اتهامات من محكمة دولية بعد لذا يمكنه الفرار من البلاد وربما إلى روسيا. وتابع "والا قد يعتقل ويقتل او يحاكم." وبدا أن تفجير يوم الاربعاء جزء من هجوم منسق على العاصمة تصاعدت حدته منذ بداية الاسبوع الماضي. ويطلق مقاتلو المعارضة على المعركة "تحرير دمشق" وذلك بعد أشهر من اشتباكات ضارية يقول نشطاء انها اودت بحياة 17 الفا. وقال أحمد زيدان المتحدث باسم المجلس الاعلى لقيادة الثورة وهي جماعة معارضة ان الانفجار ضربة قاصمة لمعنويات جيش الاسد وقوامة 500 ألف جندي. وتابع "انها بداية تفكك السلسلة. فقد النظام السيطرة ورحل من هم حول بشار الاسد وموضع ثقته.اهتزت اعمدة النظام." ويرقص مقاتلو المعارضة في الشوارع لنجاحهم في اختراق العاصمة ومقتل قادة الاجهزة الامنية وقال عبد الله الشامي أحد قادة مقاتلي المعارضة " اتوقع انهيارا سريعا للنظام .. وهذا يعني اننا لن نحتاج تدخلا اجنبيا مع بدء النظام في الانهيار اسرع مما تصورنا." ولكن بعض الشخصيات المعارضة ترى ان النصر لن يكون سهلا. وقال فواز تللو النشط المعارض المخضرم في اسطنبول ان الوضع سيكون صعبا للحفاظ على خطوط الامداد وربما يتعين على مقاتلي المعارضة الانسحاب التكتيكي في مرحلة ما كما فعلوا في مدن اخرى. وأضاف أن الواضح ان دمشق انضمت إلى "الثورة".