شهد الشارع السياسى فى الفترة الأخيرة حالة من التباين والانقسام بين عدد من القانونيين حول حكم المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب، فهناك من يرى أن الحكم يتضمن بطلان مجلس الشعب بالكامل، والبعض الآخر يرى إعادة الانتخابات على الثلث الفردى فقط، أيضاً دارت تساؤلات عديدة حول صلاحيات الرئيس وهل يكفل له القانون إلغاء الإعلان الدستورى المكمل وحل المحكمة الدستورية العليا؟ «الأهرام العربى» طرحت القضية على بعض المتخصصين فى القانون الدستورى فى التحقيق التالى: فى البداية يقول المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق، طبقا لأحكام الدستور المؤقت والإعلان الدستورى التكميلى وقانون المحكمة الدستورية العليا، فإن الحكم الذى صدر عنها بشأن مجلس الشعب ينص فى منطوقه على عدم دستورية المواد الخاصة بانتخابات البرلمان بالقائمة الحزبية والفردية، مع ما يترتب على ذلك من أثار، وأول هذه الأثار كما ورد فى أسباب الحكم بوضوح وقطعية بطلان انتخابات مجلس الشعب بأكملها، وبناء على قوته النافذة بطلان انتخابات مجلس الشورى أيضاً التى تمت بناء على نفس المواد التي حكمت المحكمة ببطلانها وهذا الحكم الذى صدر عن المحكمة الدستورية العليا هو حكم نهائى، وغير قابل للطعن أمام أى محكمة وأية جهة. ويقول د. شوقى السيد، أستاذ القانون الدستورى: القانون من العلوم الإنسانية وبالتالى وارد الخلاف بشأنها، ولكن عندما نتحدث قضائياً، فالأحكام القضائية هى عنوان الحقيقة، بل هى الحقيقة ذاتها، وبالتالى فحجية الأحكام واحترامها وأسبابها ومنطوقها يكمل بعضها بعضاً، ولهذا لا يصح أن يرد بشأنها الخلاف أو حتى التعليق، لأن طرق التعليق والطعن عليها محدد بالقانون فإذا كان الحكم غامضاً، فهناك دعوى التغيير وإذا كان مخطئاً فهناك رسائل للطعن عليه، إلا إذا كان الحكم نهائياً وباتاً، ولا يجوز الطعن عليه أصلاً، أما بشأن الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى 14 يونيو الماضى بعدم دستورية المرسوم بقانون الخاص بانتخابات مجلس الشعب الأخيرة أن ينافسوا على المقاعد الفردية، ولهذا قررت المحكمة فى أسباب حكمها عدم دستورية هذه النصوص وفقراتها جميعاً، بما يؤدى إلى بطلان نظام الانتخابات بأكمله. د. محمد حسنين عبدالعال، أستاذ القانون الدستورى بجامعة القاهرة وأحد الذين شاركوا تعديل دستور مارس 2011، فيقول: إن الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا فى شأن مجلس الشعب استخدم فى حيثياته ذات العبارات التى وردت فى حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر فى مايو 1990، وكان يتعلق بعدم دستورية بعض نصوص القانون الذى أجريت انتخابات مجلس الشعب على أساسه وذهبت المحكمة فى عام 1990، وبعد أن قضت بعدم دستورية القانون محل الطعن إلى القول إن ذلك يجعل تكوين مجلس الشعب باطلاً منذ انتخابه، وهذه العبارات التى وردت فى حيثيات حكم 1990، هى ذات العبارات التى استخدمتها المحكمة فى حكمها الصادر أخيراً، وكان رأينا القانونى فى هذا الموضوع ولايزال أن ما ذهبت إليه المحكمة يخرج عن اختصاصها طبقاً للدستور والقانون، لأن الدستور لا يجعل من المحكمة الدستورية العليا جهة وصاية أو إشراف على السلطات العامة التى نظمها الدستور ولا يوجد فى أحكام الدستور ما يسمح للمحكمة الدستورية العليا أن ينتزع لنفسها مهمة التحقيق الحكم علي صحة وتشكيل السلطات العامة التى نظمها الدستور، فالمحكمة الدستورية العليا تختص دون غيرها بالفصل فى دستورية نص ما، وأن ذلك يترتب عليه أن يعتبر النص كأن لم يكن، وتابع: كما يقف اختصاص المحكمة عند هذا الحد، ولذلك فإن الحكم الصادر أخيراً من الدستورية العليا إذ قرب فى منطوقه عدم دستورية النصوص المتعلق بانتخاب الثلث الفردى فى مجلس الشعب، وهذا المنطوق هو وحده الذى يحوز الحجية الملزمة، أما ما تضمنته الحيثيات فلا تمتد هذه الحجية إلا إلى الحيثيات التى ترتبط بمنطوق الحكم ارتباطاً لا يقبل التجزئة أو الانفصال، وما عدا ذلك تزيد فى الحيثيات فإنه يكتسب الحجية، وأضاف: وكان الرأى القانونى فى عام 1990، أن حكم المحكمة لا يؤدى إلى حل مجلس الشعب ولا إلى بطلانه، وإنما بتعيينه أن يصدر قرار الحل ممن يملك ذلك طبقاً للدستور، وكان وقتها رئيس الجمهورية وهو ما تم بالفعل، وفى تقديرى أن ذلك ما ينبغى أن يطبق فى الحالة الحالية، وذلك بالبحث عن إجابة سؤال مهم، وهو هل يوجد فى الإعلان الدستورى الصادر فى مارس 2011، ما يسمح للسلطة التنفيذية بحل مجلس الشعب؟ وتبدو خطورة هذا السؤال بمراعاة الحق فى الحل هو المقابل الدستورى لحق مجلس الشعب فى سحب الثقة من الحكومة، ومن ثم يتبلور السؤال من هو المخاطب بحكم المحكمة الدستورية بحل مجلس الشعب؟ وأضاف: وليس معنى هذا أن يبقى حكم المحكمة الدستورية العليا بغير تنفيذ وإنما بتعيين فى تقديرى أن يبادر مجلس الشعب إلى تنفيذ هذا الحكم ووضع منطوقه موضع التطبيق إعمالاً للحجية الملزمة لحكم الدستورية فى مواجهة جميع سلطات الدولة. فى حين يقول د. عاطف البنا، أستاذ القانون الدستورى بجامعة القاهرة، إن الحكم المتعلق بعدم دستورية النص على انتخابات الثلث الفردى فيما سمح به من دخول الحزبيين على هذه المقاعد له حجية، وحجية الأحكام سواء أحكام المحاكم العليا أم غير عليا أم دستورية ومجلس الدولة أم القضاء العالى، والقاعدة الفقهية والدستورية المسلم بها هى أن الحجية تثبت لمنطوق الحكم وأيضاً تثبت للحيثيات أى الأسباب، إذا كانت أساساً للحكم أو نتيجة حتمية له، لأن الأحكام يرد فى حيثياتها تقارير كثيرة متعلقة بالواقع والقانون وقد تكون صحيحة وغير صحيحة، ولكنها إذا كانت ليست نتيجة حتمية للحكم ولا أساس لها، فإنها لا تثبت لها الحجية أى لا تكون ملزمة. وأن نتيجة الحكم هى إعادة الانتخابات على الثلث الفردى بل على جزء من الثلث الفردى وهى بعض المقاعد التى نجح عليها حزبيون، أما باقى مقاعد الثلث الفردى الذى نجح عليه مستقلون فهذا سليم. وتابع: أما فيما يتعلق بأحكام المحكمة الدستورية العليا وإمكانية الطعن عليها أمام الإدارية العليا فهى تتعلق باختصاصها وهو محدد فقط بالفصل فى دستورية القوانين واللوائح، وبالتالى هى لا تقول فى المنطوق إنه ترتب عليه حل المجلس وفى هذا الحكم استطردت فى الحيثيات وقالت إن ترتبت عليه بطلان المجلس كله وهذا من التقريرات الزائدة.