كان الشعار المتداول فيما سبق هو "ابحث مع الشرطة"، بما يعني أن المواطن يتعاون مع رجال الشرطة من أجل البحث عن شيء ضائع أو الإرشاد عن متهم هارب، لكن هذا الشعار تغير الآن بعد الغياب الأمني الواضح إلى "ابحث عن الشرطة". فالشرطة منذ أن انسحبت من الشارع المصري في أيام ثورة الخامس والعشرين من يناير الأولى لم تعد إليه بالشكل المأمول منها حتى الآن في ظل حالة من الفوضى والفلتان الأمني، ولا نعلم إلى متى سيظل هذا الغياب الأمني لجهاز الشرطة، وهل هو متعمد حتى يشعر المواطنون بأهمية الشرطة في حياتهم وأمنهم، وحتى يعود الضباط بكامل هيبتهم لممارسة عملهم بنفس الأسلوب الذي كان سائدا من قبل، أم أن هناك عوامل أخرى لا نعلمها. وبرغم الوعود الكثيرة والتعهدات بعودة الأمن والاستقرار إلى المجتمع التي خرج علينا بها وزير الداخلية منصور العيسوي منذ توليه منصبه منذ ما يقرب من الأشهر الستة، فإنه لم يتحقق منها شيء حتى الآن على أرض الواقع، وأصبحت غالبية الشعب المصري مفتقدة لأهم ما كان يميز البلاد وهو عنصر الأمن، وكذلك ما قطعته على نفسها حكومة الدكتور عصام شرف بتشكيليها الأول والثاني من جعل عودة الاستقرار والأمن والتصدي للبلطجة بكافة أشكالها أولوية أولى لها إلا أنها لم تستطع إلى الآن الوفاء بذلك. لقد أصبحت البلطجة والفلتان الأمني هما الأعلى صوتا في الشارع المصري، وأصبحا سيدي الموقف والمسيطرين على كافة الأمور, فالبلاد من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها تموج بطوفان من البلطجة والبلطجية وحوادث السرقة والقتل والعنف غير المبرر واشتعال المعارك الدامية التي تخلف وراءها العديد من القتلى والمصابين لأتفه الأسباب، وتستخدم فيها جميع أنواع الأسلحة ومنها الكثير الذي سرق من أقسام الشرطة، ويكفي أن تطالع الصحف كل صباح فتجدها تعج بالعشرات من الأخبار التي تنقل إلى الناس حالة من الهلع والخوف تجعلهم يتندرون على أيام النظام القمعي البائد بأنه برغم مفاسده الكثيرة إلا أنهم كانوا بشعرون بالأمان على أنفسهم وأولادهم وأموالهم وممتلكاتهم، وهي حالة شديدة الخطورة لأنها تضرب حلم الثورة المصرية بمصر جديدة تسودها قيم العدالة الاجتماعية والمساواة في كل شيء في مقتل، وتصدر اليأس والإحباط إلى نفوس المصريين. إن المرحلة الآنية تلقي على عاتق جهاز الشرطة ووزارة الداخلية بمسئوليات جسام وأعباء شديدة الخطورة، ولكنها يجب أن تتحملها بدافع الواجب الوطني والمسئولية التاريخية تجاه وطنها، فوزارة الداخلية لديها قوائم بأسماء البلطجية والمسجلين الخطيرين والهاربين من السجون والأشقياء الذين يسببون حرجا شديدا لها بممارساتهم التي تهدد الأمن العام للمواطنين، فلاذا لا تقوم بحملات تمشيطية ضخمة بالتعاون مع القوات المسلحة من أجل القبض عليهم والقضاء على شرورهم بما يحقق لها هدفين، الأول إعادة الانضباط والأمن المفقود إلى الشارع المصري وعودة الثقة للمواطنين في جهازهم الشرطي، والثاني استعادة الهيبة التي انتقصت في الفترة الماضية التي نال منها البلطجية وليس المواطنون العاديون، وقد قامت الشرطة بذلك فعلا لكنه لم يستمر إلا لأيام معدودات. ولتكن لنا العبرة والمثل مما حدث في منطقة المنشية بمدينة دسوق خلال الأسبوع الماضي، عندما عقد أهالي المنطقة العزم على القصاص بأنفسهم من أحد البلطجية الهاربين من السجون الذي اعتاد ترويع المواطنين الآمنين ببث الرعب في نفوسهم بإطلاق الأعيرة النارية في الشوارع ليلا وفرض سيطرته على المارة وفرض الإتاوات على المواطنين وإرهابهم وسرقتهم بالإكراه كل هذا في تحد صارخ لأجهزة الأمن التي لم تحرك ساكنا تجاه ما يفعله، والعجيب في الأمر أنه لم يكن يفعل ذلك تحت جنح الظلام مستترا فيه وإنما كان يقيم في منزله بنفس المنطقة، ولما استفحل أمره وزادت بلطجته تجمع الأهالي واقتصوا منه بقتله، ولم يكتفوا بذلك بل أمعنوا في التمثيل بجثته حتى صارت أشلاء ليكون عبرة لكل بلطجي يحاول أن يفعل مثله، وإننا وإن كنا ضد أن يقتص الناس بأنفسهم والتمثيل بالجثة لأن هذا من شأنه فتح الباب لسيادة شريعة الغاب، إلا أنني لا أجد حلا آخر أقدمه لهؤلاء المواطنين الذين عانوا كثيرا من بطش هذا المجرم، فلو وجدوا شرطة تتصدى لهذا البلطجي لما أقدموا على مثل هذا العمل الذي تأباه الفطرة الإنسانية، والخوف كل الخوف أن تنتقل تلك العدوى لأماكن أخرى وساعتها سوف يحدث ما لا يحمد عقباه. إن عودة الأمن والاستقرار لهذا البلد مرهونة بعودة الشرطة إلى أداء واجبها تجاه من يستحق دون خوف أو تراجع، وعند عودة الأمان للشارع المصري سوف تعود الحياة الاجتماعية والاقتصادية إلى سيرتها الأولى، بل ستتحقق التنمية المنشودة المعدلات التي تدفع البلاد إلى الأمام ، لأنه لا تنمية ولا تقدم بدون أمن واستقرار. [email protected] المزيد من مقالات حسام كمال الدين