رحم الله الفارس النبيل د. جمال العطيفي الذي نذر نفسه مدافعا عن حرية الرأي ورافضا لكل الإجراءات والقوانين الإستثنائية الماسة بالحريات حتي أصبح أحد الأساطير في هذا المجال. خاض العطيفي معارك شرسة للدفاع عن حرية الرأي منذ صباه حينما كان وكيلا لنيابة الصحافة ثم تفرغه للمحاماة ودخوله بعد ذلك معترك الحياة العامة ليصبح عضوا بمجلس الشعب ورئيسا للجنة التشريعية ثم وكيلا للمجلس وبعدها أختاره الرئيس الراحل أنور السادات وزيرا للثقافة والاعلام ليظل كما هو جريئا في مقاعد الحكم اكثر من جرأته وهو في مقاعد المتفرجين وليفسح علي مسئوليته ولأول مرة المجال أمام المعارضة في وسائل الاعلام الرسمية وخاصة التليفزيون, وظل علي هذا الحال حتي أطيح به من الوزارة عقب أحداث17 ، 18 يناير الشهيرة. العطيفي هو الذي صك تعبير القوانين سيئة السمعة آنذاك واطلقه علي قوانين العيب والمدعي الاشتراكي ومحاكم أمن الدولة والغدر, وقدم لمجلس الشعب آنذاك العديد من مشروعات القوانين التي كفلت دعم الحريات وتصحيح المسار السياسي والاقتصادي فقدم للمجلس قوانين ضمانات الفصل بغير الطريق التأديبي, وإلغاء موانع التقاضي, وإلغاء العزل السياسي وتعديلات قانون مباشرة الحقوق السياسية وغيرها من القوانين التي ساهمت في تعديل المسار الديمقراطي وإلغاء القوانين سيئة السمعة في عصر الرئيس انور السادات وهو الذي كان وزيرا في حكومته. الآن يطل علينا قانون سييء السمعة برأسه من جديد وهو قانون الغدر في محاولة من البعض لاحياء قانون إستثنائي سييء السمعة صدر بمرسوم بقانون رقم344 لسنة1952 وتم تعديله بقانون رقم1973 لسنة1953 من أجل تجريف الساحة انذاك وضرب الاحزاب السياسية في مقتل, وإنهاء حقبة الديمقراطية التي أمتدت منذ قيام ثورة1919 حتي قيام ثورة23يوليو1952, وبدأ النظام السياسي يتجه رويدا رويدا الي الحكم الشمولي علي مدي6 عقود كاملة, وان اختلفت الظروف والمواقف بدرجات متفاوتة. مشكلة قانون الغدر ليست في المحاسبة أو مطاردة الفاسدين لكن مشكلته تكمن في العبارات المطاطية والتهم العمومية غير المنضبطة, وهو ما دفع الكثير من الجمعيات والمنظمات الحقوقية الي رفض القانون لأنه يتناقض مع الحريات ويفرض أساليب عفا عليها الزمن في الحياة السياسية ويعيدنا الي الخلف خطوات وخطوات في وقت نحتاج فيه الي التقدم للأمام. ولأن د. أحمد كمال ابو المجد الفقيه الدستوري لايستطيع أحد أن يزايد عليه أو علي وطنيته واخلاصه فإنني أستشهد هنا برأيه الذي أعلنه من قبل وهو أن هذا القانون ردة الي الخلف ويرفضه العقل والمنطق مشيرا الي أن الحديث عن قانون الغدر وإعادته للوجود مرة أخري بعد كل هذه السنوات الطويلة يحمل مخاطر محدقة علي بنيان المجتمع وقوة تماسكه في وقت نحتاح فيه الي تكاتف القوي الوطنية والسياسية لاصلاح ما أفسده النظام السابق. أتمني ان تحذو باقي الاحزاب حذو حزب التجمع الذي رفض قانون الغدر ايضا ورفض اعادته الي الوجود مرة أخري طبقا لما صدر من تصريحات علي لسان حسين عبدالرازق القيادي بحزب التجمع الذي أكد ان الحزب يرفض قانون الغدر جملة وتفصيلا واصفا القانون ب الرجعي الذي ينجم عنه نتائج سلبية. لست ضد محاسبة الفاسدين أيا كانوا وأيا كان حجم فسادهم حتي لو كان الأمر يتعلق بجنيه مصري واحد لكنني مع المحاكمة العادلة والقوانين الطبيعية بعيدا عن الارهاب الفكري والمكارثيه الجديدة التي يتبناها البعض علي حساب الحريات العامة. يمكن تعديل القوانين الموجودة حاليا لزيادة الرقابة ومطاردة الفساد, وايضا تفعيل القوانين الحالية المتعلقة بالتزوير أو الكسب غير المشروع وهناك العديد من المواد القانونية التي تجرم هذه الأفعال.. لكن ان يتم العودة الي القوانين الإستثنائية سيئة السمعة فهذا هو غير المقبول ولا المعقول في هذا الزمان. ليت د.علي السلمي نائب رئيس الوزراء والمسئول عن ملف التحول الديمقراطي وهو الرجل ذو التاريخ الناصع البياض يستعيد روح المرحوم جمال العطيفي ليرفض أي قوانين إستثنائية سيئة السمعة تضر بمستقبل التحول الديمقراطي في تلك المرحلة الفارقة في تاريخ مصر. المزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة