من الخطأ الفادح ألا نري شيئا سوي ما يجري في ميدان التحرير.. صحيح أن أي شئ يحدث فيه يؤثر في مصر كلها, لكن الصحيح أيضا أن ما يدور خارجه قد يكون أخطر كثيرا مما يقع فيه, بل ان مفتاح السيطرة علي الميدان يكمن في خارج القاهرة. (1) نشرت صحيفة المصري اليوم تقريرا بالغ الأهمية عن تنظيم للجماعة السلفية في سيناء.. يقول التقرير المنشور يوم الأربعاء الماضي: ان الجماعة شكلت لجانا شرعية متعددة المستويات لفض المنازعات تحكم بالشرع, وذلك بهدف أن تحل محل المجالس العرفية التي اعتادت القبائل السيناوية اللجوء إليها لتسوية أي خلافات قد تنشب علي أساس أن المجالس العرفية حرام..! وكشف عن أنهم يعملون بالنصيحة والمعروف والعقل, ولكن إذا اضطرتهم الظروف فهم علي استعداد لإستخدام القوة لفرض وجهة نظرهم, وقال ان لدي الجماعة مابين خمسة آلاف إلي ستة الاف من الاتباع المسلحين( ميليشيات) يمكن الاستعانة بهم عند اللزوم, لكنه استدرك يقول إنه متي عادت الشرطة إلي حالتها, فإن الجماعة ستنسحب وتترك الميدان للشرطة( من يصدق ذلك؟) وأنهم مضطرون لعملهم هذا حاليا لانه لاتوجد حكومة في سيناء! (2) المسألة إذن وكما هو واضح تبشرنا بأن هناك تحديا واضحا قادما للدولة, فهذه الجماعة بالشكل الذي تطرح نفسها به, وبقدرتها علي المجاهرة باستخدام العنف ضد المعارضين أو الرافضين لها أو حتي لفرض رأيها في أي نزاع, أنها باختصار تقوم بدور الدولة. والمفروض أن الدولة هي التنظيم الوحيد في المجتمع الذي له حق احتكار استخدام السلاح وتشكيل التنظيمات المسلحة الممثلة في الجيش والشرطة والحرس الوطني, وأي جهة اخري تفعل ذلك فإنها تمارس نوعا من العدوان علي الدولة, وشكلا من أشكال الجريمة المنظمة, وعصابة مسلحة, مهما تمسحت باستخدام الدين, وأطلقت اللحية وارتدت الجلابيب البيضاء, وأقامت الصلاة.. إلخ.. والدولة القوية هي التي لاتتهاون أبدا مع من يحاول أن يتعدي علي سلطاتها مهما كان. وربما كان لدي هذه الجماعة ما يبرر ما تفعله حاليا بزعم عدم وجود شرطة أو قلة أعدادها عن المطلوب, وبالتالي فهي تسد حاجة ماسة للأمن يفتقدها المواطن السيناوي بقوة في مدن رفح. والعريش والشيخ زويد لدرجة أن المسلحين التابعين للسلفيين يسيرون في الطرقات جهارا نهارا.. لكن إذا كان هذا صحيحا, فماذا تفعل مديرية أمن شمال سيناء؟ وماذا تفعل المحافظة؟ وما هو دورها بالضبط إذا كانت هذه الجماعة قد اغتصبت لنفسها دور الشرطة وفرض النظام والقانون؟ لم يبق إلا أن تعلن هذه الجماعة البيان رقم واحد لتقول فيه إنه تم إعلان قيام إمارة سيناء الإسلامية. (3) هذا الكلام ليس تحريضا, فطبقا للأحاديث النبوية هناك مسائل جدها جد وهزلها جد فهي لا تحتمل أي عبث أو تساهل, ومن هذه المسائل, مسئولية فرض الأمن, وبسط سيادة القانون علي الجميع لكي يحتكم إليه الناس.. فإذا ظهرت مثل هذه الجماعة لكي تقول علنا إنها ستتولي المهمة بدلا من الدولة المصرية فماذا بقي؟ هذا الكلام أيضا يذكرنا بما سبق لجماعة الإخوان المسلمين أن أعلنته منذ أسابيع بتخريج دفعات من القضاة الشرعيين وظيفتهم الحكم بين الأهالي في أرياف مصر.. وهكذا فإن هؤلاء القضاة أيضا يغتصبون دور السلطة القضائية.. فماذا يبقي من الدولة؟ أخشي أن نظل في القاهرة مشغولين بما يجري في التحرير لكي نستيقظ ذات صباح لنجد الراديو والتليفزيون يعلنان قيام إمارة مصر الإسلامية. ويبقي أن مصر دائما للمصريين.. فالمصريون علي مدي تاريخهم العريق غيروا أديانهم عدة مرات, في حين أنهم لم يتنازلوا عن مصريتهم ولا مرة, فالعلاقة بالوطن أقوي وأثبت وأقدم من أي علاقة أخري. المزيد من مقالات حازم عبدالرحمن