منذ سنوات وأنا متردد في الكتابة إليك, ثم قررت أن أشركك في مشكلتي فأنا رجل عمري(48 عاما) من أسرة عريقة من الطبقة المتوسطة بإحدي محافظات الوجه البحري, ولي خمسة أخوة, اثنان ذكور وثلاث إناث وكلنا متزوجون. وقد استقر بي الحال في القاهرة, وأنا ملتزم دينيا وأتقي الله في كل تصرفاتي, وساعدني علي ذلك أنني خريج إحدي كليات الأزهر, وأعمل في شركة حكومية بالقاهرة. وتبدأ قصتي قبل أربعة عشر عاما عندما أردت الزواج, فلقد رشح لي أحد أصدقائي زوجة من القاهرة, وقال لي إنها حاصلة علي دبلوم متوسط ومن أسرة بسيطة, فوافقت عليها من حيث المبدأ والتقيت بها فوجدتها علي قدر كبير من الجمال, وتزوجنا سريعا.. ومر العام الأول من عمر زواجنا علي خير, ولم يحدث فيه مايعكر صفو حياتنا.. ثم بدأت تظهر علي حقيقتها إذ راحت تفتعل المشكلات مع الأهل والمعارف وتؤذي الجيران, فأهلي تعاملهم أسوأ معاملة, وعندما تزورني أختي تخفي عنها الطعام والشراب وكل خيري, وعلي العكس تتعامل مع أهلها إذ تقدم لهم كل شئ حتي لو طلبوا لبن العصفور فإنها تحضره علي الفور نعم ياسيدي فهي من نوعية النساء اللاتي يردن أن يجافي الابن أمه التي حملته وهنا علي وهن وكرست له حياتها وحرمت نفسها من كل شئ لكي تعطيه له. وهكذا بدلا من أن يكون الزواج سكنا ومودة إذا به يصبح الجحيم بعينه, ومع ذلك تحاملت علي نفسي وحاولت تقويم إعوجاجها علي مدي سنوات حتي أنجبت ثلاثة أطفال.. لكنها ماضية في خطها الذي رسمته لنفسها بأنه لاسمع ولا طاعة إلا لأهوائها الشخصية, ولم تستجب لنصيحتي لها بالذهاب إلي طبيب نفسي, وترفض أي حديث عن هذا الكلام الفاضي, بل وتتهمني أنا بالجنون لأن ما تفعله هو الصحيح! ولقد وصل بها الحال لدرجة أنها لاتنظف المنزل وتأكل باستمرار حتي وصل وزنها إلي مائة وعشرين كيلو جراما, وكثيرا ما تنادي أبناءها أمامي بألفاظ سوقية يأبي قلمي أن يذكرها! أما إذا وجدتني أقرأ كتابا فإنها تسمعني كلاما فجا, فهي عدوة القراءة والاطلاع بالرغم من أن بيتنا يضم مكتبة دينية وعلمية وثقافية وقانونية بها أكثر من خمسمائة كتاب, وإذا رأتني أقرأ كتابا أو جريدة تكاد تنزعها من يدي لكي تمزقها وتستريح! وقد زادت علاقتها بأهلي سوءا في السنوات الأخيرة, حتي إنها ترفض الرد علي مكالماتهم الهاتفية, وتطالبني بأن أدعي لهم أنها في الحمام أو بالخارج أو نائمة, أو غير ذلك من الأسباب والذرائع.. وحدث أن مرضت والدتي مرضا شديدا اقتضي مني أن آخذ إجازة من العمل لكي أسافر إليها في محافظتنا القريبة من القاهرة, فلم تكلف نفسها ولو بمجرد نقل السلام إليها!! أو أن تسألني بعد عودتي أمك عاملة إيه؟ إنها كلمات بسيطة لكنها تعني الكثير, وبإمكان أي سيدة أن تقولها لأهل زوجها فتسعدهم وتقربهم منها وتكسبهم في صفها.. أما زوجتي فلها فلسفة خاصة تختلف عن باقي البشر! وأراها تفعل ما فعلته زوجة سيدنا إسماعيل عندما قابلت أباه سيدنا إبراهيم مقابلة غير لائقة, إذ قال لها.. أبلغي إسماعيل بأن يغير عتبة بيته, فلما نقلت ماسمعته من حماها إلي زوجها طلقها لهذا السبب. إنني أتقي الله فيها, لكنها ليست كذلك, فلقد قلبت الأوضاع, وبدلا من أن تشكو مني لأنني سي السيد مثلما هو الحال في زيجات كثيرة, إذا بي أنا الشاكي منها لتصرفاتها معي! فحياتي معها ثمار بلا رائحة, ومعاداة للذوق والجمال, فهي تعيش خارج المعايير و فوق المنطق وتصبغ شفتيها بالأحمر بينما يخرج من بينهما كل ما هو أسود. وإذا كانت الحياة الزوجية ميثاقا غليظا وشركة تقوم علي المودة والرحمة لايبخل فرد فيها علي الآخر بما يحفظ دوام الحياة فإن حق كفالة الرجل للمرأة يقابله حق رعاية المرأة للزوج بتدبير شئون منزله من نظافة وطهو وغسيل ملابس, ورعاية الأولاد. وأنا مثل كل الرجال أحب أن تكون زوجتي علي جميع الأنماط.. أحبها صديقة في الوقت الذي أريد أن أفضفض فيه عما بداخلي من مشكلات أو منغصات, وأريدها أختا حينما أود أن أحكي لها بعض همومي, وأحبها أما عندما إحتاج إلي أن أضع رأسي علي صدرها وأبكي وأمتص حنانها الذي يعينني علي تحمل متاعب الحياة, وأريدها حبيبة عندما أرغب في السكن إليها وأرتاح بين يديها, ولكن بعد فقدي كل هذه الصفات في شريكة حياتي, فإنني أرغب في البحث عن زوجة جديدة بهذه المواصفات فهل تشاركني الرأي, وهل لديك حل لمن يعانين اعوجاج الشخصية وتحولن حياة أزواجهن إلي جحيم لايطاق؟ ** لقد جعلت نفسك حكما وجلادا في وقت واحد.. حكما بأن أصدرت فرمانا بعدم توافر المعايير الزوجية التي وضعتها حسب مزاجك الشخصي في شركة حياتك.. وجلادا بأن رحت تكيل لها الاتهامات دون دليل, وبغير أن تشرح مواقفك معها علي مدي سنوات عمر زواجكما الأربعة عشر! والحقيقة أن رسالتك تكشف عن ملاحظات أساسية تتعلق بشخصيتك وتركيبتك النفسية من قراءة سطورها الأولي, فلقد وصفت نفسك بأنك خريج جامعة الأزهر وملتزم دينيا في كل تصرفاتك, وبأنك استجبت لترشيح أحد أصدقائك أخت زوجته لكي ترتبط بها, فإذا بك توافق علي الفور لمجرد أنها علي قدر كبير من الجمال.. وهكذا أفصحت عن شخصيتك منذ البداية فأنت تبحث عن الجمال, ولم تلتفت إلي الثوابت المعروفة عند اختيار الزوجة, ونسيت حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم تنكح المرأة لأربع.. لمالها وجمالها وحسبها ودينها.. فاظفر بذات الدين تربت يداك. وبالطبع فإن ذات الدين هي التي تتصف بالأخلاق القويمة والسلوك الحميد.. إذا نظر إليها زوجها سرته, وإذا أمرها أطاعته,, وإذا أقسم عليها أبرته.. وإذا غاب عنها حفظته في ماله وعرضها.. لكنك للأسف الشديد تغاضيت عن كل ذلك, وانجذبت فقط إلي الجمال الأخاذ, وهو جمال لا يدوم طويلا إذ تتكشف الحقائق المرة فيمن تتصف به وحده.. بعد أن يكون قد أخذ غرضه الغريزي منها وتواري الجمال الشكلي شيئا فشيئا! وأتوقف عند عبارتك التي قلت فيها: إنها تغيرت بعد عام من الزواج وإنجابها الطفل الأول!! وأستغرب كثيرا مما تدعيه عن اعوجاج شخصيتها ومرضها النفسي, فالطبيعي أن الإنسان لا يتخلي عن طباعه بسهولة, فكيف توارت عنك عصبية زوجتك ولسانها السليط وعدم نظافتها وأنانيتها لمدة عام كامل.. ثم كيف كانت تعامل أهلك طوال ذلك العام؟ هناك بالتأكيد حقائق غائبة لم تكشف عنها, ولم تقل لنا ما الذي فعلته معها لكي تتغير بهذا الشكل, فكل فعل له رد فعل, وما تقوله عنها قد تكون له أسبابه ومبرراته. وألمح بين سطور رسالتك شيئا من ذلك عندما تقول إنها حاصلة علي مؤهل متوسط, وتتضايق عندما تراك وأنت تقرأ كتابا أو صحيفة إلي غير ذلك من المبررات الواهية التي تحاول بها إيهام نفسك قبل إيهام الآخرين بأنك اتخدعت فيها, وبالتالي من حقك أن تتزوج عليها. منتهي الأنانية أن يصل تفكير أي إنسان إلي هذا الحد من الاستئثار لنفسه بالقرار دون أن يتيح الفرصة للطرف الآخر لسماع أقواله.. هل تريد زوجة أما وأختا وحبيبة وصديقة.. بغير أن تكون أنت لها كذلك؟! يا سيدي إذا أردت أن تمضي بك الحياة هادئة ومستقرة, عد إلي رشدك وضع الأمور في مكانها الصحيح, ولا تتهم زوجتك بما ليس فيها, وحاول أن تقترب منها وأن تكون لها سندا ومعينا علي تجاوز الأزمة النفسية التي وضعتها فيها.. قل لها إنها أهم إنسانة في حياتك, وانك لن تستطيع الاستغناء عنها, وأنها أملك في الحياة.. افعل ذلك وستري النتيجة الإيجابية عليك وعلي أسرتك وأولادك وأهلك بعيدا عن الطبيب النفسي الذي لن يكون له دور ملموس في مثل هذه المشكلة. أما التفكير الأناني في زوجة ثانية مع الاحتفاظ بالزوجة الأولي.. فلا أحبذه ولو فعلت ذلك فسوف تفتح علي نفسك جبهة جديدة من الاضطراب وعدم الاستقرار ثم الندم بعد فوات الأوان.