منذ أن اعترف سفاح أوسلو بدوافعه اليمينية المتطرفة وكشفت وسائل الإعلام بالوثائق والأفلام التي أعدها القاتل بنفسه, أفكاره المسمومة الكارهة للمسلمين, والنرويجيون في حالة من الذهول يتساءلون عن الأسباب والظروف التي ساهمت في نشأة شخصية بهذا القدر من الإجرام في وسطهم. . فلا أحد كان يتوقع إعتداءات كهذه في دولة مثل النرويج تعد واحدة من أغني بلدان أوروبا ويكاد مستوي المعيشة بين افرادها يكون متساويا وتعيش في ظل حكومة إشتراكية ديموقراطية وضعت اسسا ناجحة وفعالة لدولة الرفاه الإجتماعي, إضافة إلي مجتمعها المنفتح الذي يوصف بالليبرالية والتعددية. وفي محاولة لتقديم إجابات علي تساؤلات النرويجيين, ادلي ولا يزال عدد لا يحصي من علماء الإجتماع وخبراء التيارات المتطرفة والإرهاب في النرويج وأوروبا بدلوهم في هذا الموضوع ويمكن الإشارة إلي ثلاثة إتجاهات في هذه التحليلات: هناك من يري أنه من الخطأ محاولة تفسير جريمة اندرس بريفيك عبر محاولة تحليل المجتمع النرويجي. هؤلاء ومنهم مدير معهد اوسلو لبحوث السلام كريسستيان برج هاربفيكن, يعتبرون الإعتداءات عملا فرديا بفعل شخص مضطرب نفسيا نشأ في اسرة مفككة وفشل في التواصل مع مجتمعه, وأن بريفيك حالة إنسانية فاشلة يمكن أن تحدث في اي مجتمع متقدم وناجح, والدليل قيامه بتنفيذ الإعتداءات بمفرده حتي لو وجد من تعاطف معه قبل أوبعد الهجومين. كما أن سلوكه غير الطبيعي وسعادته بإرتكاب المذبحة تؤكد أنه شخص مهووس, فهو يريد حماية اجيال النرويج مما وصفه' بالغزو الإسلامي لأوروبا' ثم يقتل شبابا نرويجيين بدم بارد. - وهناك من يحذرون من الوقوع في هذا الخطأ وإعتبار بريفيك مجرما فرديا, بل أن ما اقترفه جاء بتأثير من البيئة المحيطة واسلوب التفكير السائد فيها إضافة إلي تركيبة بريفيك وإستعداده للتطرف. هؤلاء ومنهم المؤرخ جيرهارد بوتس ينبهون إلي وجود توجه يميني اوروبي عام ومتزايد رافض للإسلام ويطالب بالحد من هجرة المواطنين المسلمين سواء بصورة شرعية أو غير شرعية. وكما حققت الأحزاب اليمينية المتطرفة في أنحاء اوروبا نجاحات ملحوظة في السنوات الأخيرة فإن حزب التقدم النرويجي اليميني المتطرف هو ارضية خصبة لنشر مثل هذه الأفكار.. وفي دراسته التحليلة لهذا الحزب كشف الناشر ماجنوس مارشال سر نجاح الحزب في الحصول علي اكثر من22% في الإنتخابات الأخيرة منذ عامين, حيث إنتهج سياسة تركز علي فردية المواطن النرويجي وتدعو لتميزه عن الآخرين تحت مسمي الليبرالية, كما إنتقد الحزب سياسة الحكومة الإشتراكية في دعم المجتمع المتعدد الثقافات وإستخدم مرشحوه لغة مباشرة بسيطة تنتقد قانون يانتس, وهو كود للسلوك الإجتماعي في النرويج يتضمن مبادئ مثل:' لا يجب أن تظن أنك شخص تتميز عن الآخرين'. غير أن حزب التقدم النرويجي لا ينظر لشخصيات يمينية تستخدم خطابا معاديا للمسلمين مثل يورج هايدرالنمساوي وفيلدرز الهولندي بإعتبارها نماذج تحتذي, بل يعتبر اليمين الليبرالي في الدنمارك نموذجا له, ويريد الحزب أن تحتذي النرويج بجارتها الدنمارك في سياسات الهجرة واللجوء الصارمة وخفض الضرائب. - ولكن خروج سفاح النرويج الشاب من صفوف حزب التقدم وتأكيده فيما بعد أنه لم يجد فيه ما يعبر بشكل كاف عن أهدافه الراديكالية خاصة عدم مهاجمة الحزب للإسلام والمسلمين بشكل كاف, هذا التطور دفع بعض المحللين للتأكيد علي ظهور نوعية جديدة من المتطرفين اليمينيين الذين يعتبرون العنف أداة لنشر أفكارهم. ويقول هؤلاء المحللون أن سخط بريفيك علي اليمينيين المتطرفين' المعتدلين' هو ما دفعه لإرتكاب جريمته وحده, كما يشير خبير الإرهاب الأمريكي مارك ساجيمان إلي خطورة أن ينعزل المتطرف وأن يحتفظ فقط بإتصالات عبر الإنترنت بمن يشاركونه أفكاره الإجرامية, حيث يصعب الوصول إليه ولا يوجد حوله من يصحح مساره. وفي هذا الإتجاه يؤكد يوهانس ياكوبسن خبير التيارات المتطرفة السويدي ان هناك في اوساط اليمين المتطرف في النرويج مجموعات قليلة الأعداد ولكنها أكثر إستعدادا لإستخدام العنف من النازيين الجدد. هؤلاء يعتبرون الإشتراكيين الديمقراطيين خونة تسببوا بسياسات الهجرة وحلحلة قوانين الأجانب في فتح ابواب البلاد امام المسلمين, لذا لابد من التصدي لهم بإستخدام العنف. ويقول أن بريفيك يمثل هذا التيار الجديد من التطرف اليميني الذي يشتد عوده في السنوات الأخيرة في أنحاء اوروبا والذي ينظر للمسلمين بإعتبارهم العدو الرئيسي وليس اليهود او السلافييين كما يعتقد النازيون القدامي. والدليل هو أن بريفيك دعا لإقامة تحالف عالمي يضم ايضا اليهود والهندوس ضد المسلمين في خروج صريح عن النازية بمفهومها التقليدي.