يتصادف أن تحل في هذه الأيام ذكري أربعة من الكتاب المؤسسين: تشيكوف توفيق الحكيم كافكا يوسف أدريس. تشيكوف أسس فن القصة القصيرة, وفاق في هذا معاصره الفرنسي جي دو موباسان, ويوسف أدريس هو مؤسس هذا الفن مصريا وعربيا, كما أن مسرحيته الفرافير كانت محاولة تأسيس ناجحة لمسرح مصري, وكلمة مؤسس هنا غير دقيقة, فقد سبقه محمود تيمور ومحمود طاهر لاشين, ويحيي حقي, ونجيب محفوظ, وأنا استخدم هذا المصطلح مع التجاوز, لأعني أول من وصل بهذا الفن الي الذروة ووضع له النموذج الذي حاول من جاء بعده من كتاب القصة القصيرة أن يحتذيه, أو يتمرد عليه. أما توفيق الحكيم فهو رائد الأدب المسرحي العربي, ومجدده علي مدي نصف قرن. فهو قد فعل مثلما فعل نجيب محفوظ في الرواية بشكل مواز له زمنيا, فبدأ بالمسرحية المستلهمة من التراث( أهل الكهف, سليمان الحكيم, شهرزاد), وكانت هذه هي السمة الغالبة علي أعماله المسرحية في الثلاثينيات والاربعينيات. وفي الخمسينيات طالته موجة الأدب الواقعي( الأيدي الناعمة) واستلهام التراث المصري القديم( إيزيس) أما في الستينيات فقد قام بثورة كبيرة علي نفسه وعلي معاصريه من كتاب المسرح ونقاده فأدلي بدلوه في موجة مسرح العبث أو اللامعقول, بشكل تام في يا طالع الشجرة وبدرجة أقل في مصير صرصار والطعام لكل فم. وفي عام1967 كتب عملا يعد ثورة أدبية صغيرة, إذ ابتدع المسرواية( المسرحية الرواية التي تتركب من فصل سردي فمشهد درامي وآخر سردي ثم مشهد درامي وهكذا), وقد عبر في بنك القلق عن أزمة المجتمع المصري في الستينيات في ظل دولة بوليسية. وكان هذا التأزم تنبئيا كما نجد في رواية محفوظ ميرامار التي صدرت في العام نفسه(1967). ولعل أجواء الثورة القائمة الآن تذكرنا بشدة برواية عودة الروح التي هي أول رواية مصرية أو عربية عظيمة, شكلت نموذجا يحتذي, وبالتالي فهي عمل تأسيسي. أما فرانز كافكا فقد اخترع نوعا أدبيا في داخل نوع أدبي قائم. ابتدع رواية المتاهة النفسية, والمؤآمرة المبهمة, التي ترددت أصداء لها, إذا اعتمدت علي ذاكرتي فقط, في عملين قريبين لكاتبين مصريين هما المول لمحمود الورداني التي تدور كل أحداثها في متاهة غامضة رغم أن مكانها معلوم(مول) ورواية برج العذراء لإبراهيم عبد المجيد, وبالتحديد الفصل الأخير الذي تدور احداثه في ممرات مظلمة تفضي لممرات مظلمة في معهد السرطان. وهو وإن كان يختلف عن أي كاتب جاء بعده أو قبله, إلا أن الجو الكابوسي الذي هو إضافته للأدب يظهر من حين لآخر في أعمال آخرين يمرون بتجارب إنسانية كابوسية, سواء علي مستوي الفرد أو المجتمع. ولي مع تشيكوف قصة قصيرة, مغزاها التعليمي آلا أتعجل الحكم كنت قد قرأت جانبا من قصصه القصيرة بعد ان تربيت علي قصص يوسف إدريس. وكنت أري أن أدريس هو كاتب القصة الأعظم بلا جدال مقارنة بتشيكوف أو أي كاتب في التاريخ, لكن بعد أن قرأت المزيد من قصص تشيكوف, وأعدت قراءته مرة واثنتين, تأثرت بشاعريته وإنسانيته, وكنت قد بلغت السن التي لا تميل للأحكام المطلقة أو التحيز الحزبي في الأدب, فأصبح تشيكوف عزيزا من أعزائي لا يقل عن أدريس والحكيم ومحفوظ وشكسبير وكافكا وديكنز, ولن أضيف الي هذه القائمة أعزاء آخرين حتي لا تطول. واحيانا يخيل لي أن العالم يكون أجمل كثيرا إن أتاح لي العيش مع هؤلاء لفترات طويلة في هدوء وسلام.