تمر مصر بمرحلة انتقالية تقتضي الاستمساك بعدد من الأولويات الشرعية وفي مقدمتها: الإخلاص لله، وتجديد النية قال تعالى: "فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا.. ولا يشرك بعبادة ربه أحدا" (الكهف:110) فالعمل الصالح (السليم) عبادة تستلزم أن تكون لوجه الله. خرج رجل لإزالة شجرة تُعبد من دون الله فوعده الشيطان دينارين تحت وسادته صبيحة كل يوم مقابل تركها.. فوافق، واستمر يأخذ الدينارين أياما، ثم انقطعا.. فخرج مغضبا، فسأله الشيطان؟ إلى أين؟ قال: "لإزالة تلك الشجرة"، فأخذ بخناقه، وكاد يقتله وقال له: "في المرة الأولى خرجت غضبا لله فلم أكن لأتمكن منك، والآن خرجت غضبا للدينارين، فيمكنني القضاء عليك نتيجة ضعفك". وهكذا؛ ينبغي أن يكون خروجنا وعملنا دائما لله.. وليس للمال، ولا لغيره. أما تجديد النية فهو عبادة لا تتوقف. قال تعالى "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء" (البينة: 5). وقال صلة الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات".(البخاري). وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية يقول على فراش المرض: "ما زلت أجدد نيتي إلى الآن". لذلك قال الرسول: "إن بالمدينة لرجالا.. ما سِرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم.. شركوكم في الأجر".(مسلم). ومن الأولويات أيضا: "التفاؤل".. فهو أصل الكون، وسر الحياة. وحث القرآن عليه. فقال "وبشر عباد". وكان الأنبياء قدوة فيه.. مهما تكن الصعاب. هذا يعقوب عليه السلام يبلغه أبناؤه بأن الذئب أكل يوسف. فيقول: "بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل، والله المستعان على ما تصفون".. فلما أبلغوه بأن ابنه الثاني (بنيامين) سرق، واُحتجز بمصر. قال: "فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا.. إنه هو العليم الحكيم"، أي أن يقينه في الله زاد بأن يعود إليه الإثنان. إنها رسالة إلى أولئك المُفَزِعين بأن الاقتصاد سينهار، وأن البلد إلى أسوأ، وأن المستقبل المنتظر أسود. قال يعقوب: "يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيئسوا من روح الله إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون".(يوسف 87). ومن الأولويات أيضا: صرف الهمة إلى العمل الجاد. فقد كان الأنبياء قدوة في ممارسة الأعمال الشاقة، برغم ما كُلفوا به من أمانة تبليغ الدين. كان محمد صلى الله عليه وسلم راعيا، ونوح نجارا، وداود حدادا..إلخ. وفي ذلك يقول الرسول: "ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده".(البخاري). ومن الأولويات: ترك المراء والجدل، وكثرة الكلام؛ حتى لو كان المرء محقا.. قال تعالى: "والذين هم عن اللغو معرضون". (المؤمنون:4).. وقال صلى الله عليه وسلم: "أنا زعيم (ضامن) بيت في ربض الجنة (أسفلها) لمن ترك المراء (الجدل) وإن كان محقا". (قال الألباني: حسن). والأولوية الخامسة: وحدة الصف، والعمل الجماعي، وروح الفريق. قال صلى الله عليه وسلم: "يد الله مع الجماعة".(البخاري). وقال :"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا شكا منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".(البخاري). والأولوية الأخيرة: التكافل الاجتماعي، واحتواء الطبقات الكادحة؛ لأنها تحملت العبء مرتين: مرة بإهمال النظام البائد لها قبل الثورة. ومرة بإهمال حكومة الثورة لها؛ مع أنه لابد من احتوائهم ومساعدتهم. قال تعالى:"والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرن على أنفسهم ولو كان به خصاصة".(الحشر:10). فليتنا نعامل الفقراء هذه المعاملة القرآنية، ونحتضنهم بالأرواح والأموال؛ حتى نعبر جميعا هذه المرحلة بتلك الروح الإيمانية. المزيد من مقالات عبدالرحمن سعد