ولدت دولة جنوب السودان فى التاسع من يوليو 2011 بعد فترة مخاض استمرت نحو 9 سنوات منذ توقيع اتفاق مشاكوس عام 2002 إلى استفتاء 9 يناير 2011 ثم اعلان الاستقلال رسميا فى احتفال رسمى وشعبي، وانهاء واحدة من أطول الحروب الأهلية من 1982 - 2001 أى نحو عشرين عاما. والدولة الجديدة تحمل ميراثا مثقلا بأعباء تنوء بها داخليا من بنية أساسية متخلفة وحياة اقتصادية واجتماعية وصحية بدائية، وتحديات عديدة مع الدولة الأم، والجيران، وعلى المستويين الإقليمى والدولي. وهناك قضايا مهمة ظلت عالقة بين الشمال والجنوب وستبقى سيفا مسلطا على العلاقات بينهما إلى أن تتم تسويتها وأهمها: 1 - ترسيم الحدود بين الدولتين فى مناطق أبيي، وجنوب كردفان، وولاية النيل الأزرق، وما يتصل بذلك من خلافات حول ملكية القبائل للأراضي، وتداخلها على جانبى الدولتين والمطالبة بحرية التنقل مع قطعان الماشية فى مناطق المراعى على امتداد الحدود داخل الدولتين. 2 - آبار البترول وتقسيم عائداته، حيث يقع أكثر من 70% من هذه الآبار فى مناطق يعتبرها الجنوبيون ملكا لهم، بينما تمتد أنابيب تصديره عبر الشمال إلى ميناء بورسودان على البحر الأحمر. 3 - كيفية اقتسام أعباء الديون الخارجية على السودان والتى تقدر بنحو 28 مليار دولار أمريكي. هل وفقا لمعيار عدد السكان ومساحة كل اقليم منهما باعتبار أن الجنوب يمثل نحو 20% من السكان قبل الانفصال أى نحو 8.2 مليون نسمة ونحو 27% من المساحة الكلية للسودان؟ أم وفقا لما يقترحه الجنوبيون من معيار ما تم انجازه من مشروعات وتنمية فى كل من الشمال والجنوب حيث يرون أن التركيز فى التنمية كان منصبا بصفة أساسية على ولايات الشمال الخمس عشرة دون الولايات العشرة فى الجنوب. 4 - أوضاع الجنوبيين المقيمين فى الشمال وامكان ازدواج جنسيتهم وكذلك الشماليون المقيمون فى الجنوب، وتداخل المصاهرة والأنساب بين أعداد كبيرة من كليهما. وحاجة الجنوب إلى الشماليين المقيمين فيه سواء التجار أو المهنيين. 5 - تداخل الكثير من المسائل الأمنية والادارية والتنظيمية سواء على الحدود المشتركة التى مازالت مفتوحة، أو فى الموانى البحرية والجوية وحاجة الجنوب إليها باعتبارها دولة بلا شواطيء على البحر. وفك ارتباط الدولتين بعملة واحدة حاليا هى الجنيه السودانى إلى أن تصدر دولة الجنوب عملتها الجديدة خلال الأشهر القليلة القادمة. ويعانى جنوب السودان من اختلالات هيكيلة سواء فى أوضاعه الاقتصادية أو السكانية والبنية الأساسية، يحتاج إلى مسيرة مكثفة وطويلة قد تمتد لعقود قادمة على طريق التنمية الشاملة لمواجهة أوضاع بالغة الصعوبة أهمها ارتفاع نسبة الفقر والفقراء بين السكان، وتقدر بعض الدراسات أن نحو 90% من السكان يكسب الواحد منهم أقل من نصف دولار أمريكى يوميا. ويمثل واحدا من أعلى معدلات الفقر فى العالم. بالإضافة إلى معدلات عالية للبطالة وارتفاع معدلات الأمية والجهل الثقافي. وانخفاض مستوى الرعاية الصحية مع انتشار أمراض المناطق المدارية وتدنى مستويات التغذية الأساسية. وستعتمد دولة الجنوب بما يزيد على نحو 90% على دخلها من البترول إلى جانب الثروة الحيوانية والمنتجات الزراعية التقليدية منها، إلى جانب ما تتوقعه من مساعدات واستثمارات خارجية من عدة مصادر سواء من المنظمات الدولية والاقليمية، أو الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الأوروبية والعربية والآسيوية، ودول الجوار الافريقية وإن كان معظم هذه الأطراف قد سبق أن نوه إلى أن اسهامه سيكون فى الغالب الأعم فى صورة مشاركة واستثمارات أكثر منها هبات ومعونات. ويتبنى المسئولون فى جنوب السودان نظرة واقعية إلى أوضاعهم مفعمة بالأمل والتفاؤل النابع من فرحتهم بالاستقلال وعزمهم على إثبات الذات وجدارتهم ببناء دولتهم المستقلة مهما كانت الصعوبات ويرون أن ثمة مبالغات فيما يواجهونه من صعوبات منها: 1 - أن الجنوب دولة بلا شواطيء، فيرون أنهم ليسوا وحيدين فى ذلك فهناك عدة دول افريقية أخرى وفى مناطق عدة من العالم مثلهم ولم تعقهم عن تطبيق التنمية والاستقلال، وأن لديهم منافذ سواء ميناء بورسودان فى الشمال، أو فى ميناء ممباسا فى كينيا. 2 - إن الخلافات بين القبائل قديمة لديهم قبل الاستقلال، وهى موجودة فى دول افريقية أخري، وأن ما ينشب أحيانا من خلافات ومنازعات ليس أمرا جديدا ويتم التغلب عليه من خلال مجالس التحكيم والمصالحة القبلية. 3 - إن تداخل المصالح بين شمال السودان وجنوبه يمكن التغلب عليها بروح التعاون والمشاركة، وتحيل مناطق الخلاف إلى مناطق استثمار ومصالح مشتركة، وأن الجنوب فى أشد الحاجة إلى الشمال خاصة فى مراحل بناء الدولة ومؤسساتها التى تحتاج إلى التعاون وليس المواجهة.