فى سوق مزدحمة وقفت أم وهى تصرخ وتستغيث بحثا عن ابنها الذى اختفى، وفى جامع ملاصق لمديرية أمن تم خطف فتاة من «الحمام»، وفى سينما بوسط القاهرة قتل شاب وأصيب صديق له.. هذا هو العرض المستمر فى مصر للبلطجة والانفلات الأمنى، حتى فزع الناس فقرروا الانزواء فى بيوتهم، فذاك يمنع أولاده من الخروج بعد غروب الشمس، وهذا يحرمهم من إجازة الصيف على البحر خوفا من البلطجية وقطاع الطرق. هذا هو الحال الآن. ليصبح فقد الأمن الذى تمتعت به مصر على مدى القرون حلما بات يراود المصريين أن يعود، وأصبح انعدام الأمن بفعل بلطجى أو رجل أعمال أو مسئول أو نائب أو وزير أو رئيس سابق أو «سوابق» هو المسيطر على حياة الناس الذين سحقوا سطوة الشرطة بعد أن امتهنت كرامتهم ، «بأوامر» رئيس ووزير حتى توحشت فى نفوس بعض عناصرها الرغبات «السادية» وبذلك لم يعد للشارع رادع ولا لنفوس الشر وازع فبتنا نشتهى الأمن قبل رغيف الخبز. فهل ترضى الناس حركة الشرطة الأخيرة؟ أم أن هناك مطالب أخرى لاستعادة الأمن المفقود ومواجهة البلطجة التى يرى المخرج السينمائى هشام عيسوى أنها أصبحت متغلغلة فى المجتمع، لأن الشارع المصرى أصبح فوضويا والسبب قبل الغياب الأمنى هو الحقد الذى ولده الفقر فى النفوس. ولذلك فالعلاج هو عودة رجال الأمن بقيم مختلفة عن التى كانت تحكم عملهم وتسلطهم وأن يقوم الإعلام بدوره فى توعية الناس بحقوقهم والأمن بواجباته ، لأن رجل الأمن فى مصر غير محترف ولا يحترم المواطن نتيجة ما تعلموه فى كلية الشرطة، «عقيدة المؤسسة» هى الحاكمة لأعمال وتصرفات رجال الأمن وما تشربوه من «سيادتهم » على الشعب، فأصبحت وظيفة الشرطة وجاهة اجتماعية وسلطة عليا يدفع فيها الطالب أو أهله عشرات الألوف للقبول بكليتها، وهو بالفعل ما يستوجب البدء فى علاج هذا الخلل بداية من معايير اختيار الطلاب للدراسة بكلية الشرطة. وهو ما أجمع عليه عدد من الثوار فى ميدان التحرير ومنهم محمود النجار عضو ائتلاف شباب الثورة الذى يؤكد أن الأمن يبدأ من تهذيب طلاب الشرطة وترسيخ قيمة الخدمة المجتمعية وحق المواطن عليه وأن عليه احترام المجتمع وليس التعالى عليه. وإن كان هذا المطلب بعيد المدي. فإن القريب منه هو وجود تشكيل لجان شعبية فى كل المناطق تتعاون مع رجال الشرطة فى القبض على البلطجية و يضيف النجار : أن وجود هذه اللجان أثناء عمليات مطاردة البلطجية سيحمى الشرطة من تجمهر المواطنين وتصديهم وعدم تصديقهم لما يطلق من شائعات غرضها الفوضى ، ولا شك أن هذا الاقتراح يتفق فيه عدد كبير من المواطنين. ويرى العميد «متقاعد» محمد مرسى تطويره بتشكيل لجان من الشباب فى كل حى، خصوصا مع فترة الصيف وإجازات المدارس للاستفادة منهم فى حفظ الأمن بالتعاون مع أقسام الشرطة فى الاحياء والمدن والقرى، وهم كما يقول أكثر دراية بأحيائهم وسكانها ويستطيعون تحديد الغرباء أو الوجوه الجديدة ومتابعة حركتها لمواجهة أى سوء قد يحدث . بينما يرى عادل قطب المدير بإحدى الشركات الخاصة أن احترام الشعب للجيش يوفر قاعدة لوجود عناصره من الشرطة العسكرية جنودا وضباطا فى عمليات الشرطة لحفظ الأمن خصوصا القيام بحملة شرسة وقوية للقبض على البلطجة والهاربين من السجون أثناء الثورة الذين يمثلون ظواهر أكبر تهديد مصر. فضلا عن ضرورة اختيار وزير جديد للداخلية وأن يكون شابا وعلى أسس الشرف والتاريخ النظيف والموقف من العدالة وقيمة الانسان وحقوقه إما الكاتب والمؤرخ العسكرى عصام دراز، فإنه يرى أن الأمن لا يتحقق إلا بنظرية المعادلة أو التوازن والتهدئة وعدم دفع الثوار أو أهالى الشهداء الى اليأس من إمكانية إكمال مسيرة الثورة بترك فلول الوطنى وبقايا جهاز الأمن المنحل للتحكم فى الشارع المصرى ومساعدة جهاز الشرطة فى ضبط أداء عناصرها خصوصا من الرتب الكبيرة بعد حركة التطهير التى شملت عددا من المتورطين والفاسدين قبل أيام ويقترح إعتقال العناصر السيئة من فلول الوطنى ورجال الأمن المتورطين فى بلطجة وفساد ومحاولة إعادة عقارب التاريخ للوراء فى حركة تأمين للوطن على الأقل حتى تمر الانتخابات البرلمانية والرئاسية وقد شهدت «تحقيقات الأهرام»عمليات القبض على عدد منهم حاول إشاعة الفوضى فى ميدان التحرير ولا شك أن هذه الخبرة التى اكتسبها الثوار ستؤدى لحماية سمعتهم وسمعة الثورة من أعمال هؤلاء. وهو ما يتفق فيه الرائد وسام عراقى الذى كان من أوائل الضباط رفضا لبلطجة وفساد عناصر كثيرة من الضباط الكبار ورفضا للفساد فى وزارة الداخلية . ويقول وسام : لابد من التعاون بين الثوار والشرطة لحماية الوطن خصوصا وقد أسفرت الحركة الأخيرة للداخلية عن نجاح محاولة الوزير فى تطبيق القانون بعلاج سلبيات الوزارة جزئيا على الأقل ويقول وسام عراقى وهو ما نتفق جميعا فيه ان الشرطة إذا كانت جهازا يحتاج الى تطهير وإصلاح فإن قطاعات مصر كلها تحتاج الى نفس التطهير والإصلاح وأهمها القضاء والصحافة والإعلام.