الأمم العظيمة لها سمات عديدة أهمها التمتع بنظام قضائي عادل مستقل لا سلطان فيه علي القاضي إلا ضميره ويطمئن معه جميع أفراد الشعب أن حقوقهم مصانة ولو كان خصمهم رئيس الدولة شخصيا. حين أصر الفرنسيون علي إجراء محاكمة لسليمان الحلبي قاتل كليبر تعجب المصريون من تلك الفذلكة الفرنسية فالحادث تم في وضح النهار وأمام الجميع ولا لزوم لتمسك الفرنساويين بالشكليات بل عليهم إعدامه علي الفور. وحين فشلت الثورة العرابية رفض زعيمها أحمد عرابي تسليم نفسه للمصريين وفضل الأعداء الإنجليز ثقة منه في النظام القضائي العادل للدولة التي تحتل مصر. عقود كثيرة مرت علي تلك الواقعتين لكن يبدو أن نظرة المصريين للقضاء لم تتغير والدليل حالة الغضب التي اجتاحت الشارع المصري بعد صدور أحكام بتبرئة بعض المتهمين من رموز النظام السابق والإفراج عن ضباط متهمين بقتل المتظاهرين. من المحتمل أن يكون هؤلاء المتهمون مذنبين ولكن الوقائع المتاحة للقاضي لم تثبت ذلك وصياح المتظاهرين في الساحات لا يعد دليل إثبات للتهم, لايمكن أن نطالب القاضي بمخالفة ضميره والحكم بغير ما يراه صحيحا, وإلا نكون قد قمنا بدق أول مسمار في نعش الدولة الديمقراطية الحديثة التي نتحدث عنها ليل نهار. ولكننا في الوقت نفسه نواجه حالة فوران ثوري تمر بها كافة المجتمعات التي تثور رغبة في تغيير النظام جذريا ولابد من التعامل معها بما يتناسب وطبيعة المرحلة. والحل يكون بتشكيل محاكم ثورية خاصة لنظر تلك القضايا ولامانع حينئذ من الاستناد للشرعية الثورية وتسييس الأحكام تهدئة للرأي العام. وساعتها سنحسب أي برئ من المحكوم عليهم ضمن ضحايا الثورة, حيث ان لكل ثورة ضحايا ولو كانوا غير مذنبين. والبديل الآخر هو قيام كل من لديه أدلة دامغة علي إدانة المتهمين بتقديمها للمحكمة حتي يتمكن القاضي من الحكم علي المتهمين مستندا لتلك الأدلة أما مطالبة القضاء المصري بمخالفة ضميره وإصدار أحكام لا تتفق مع الدلائل المتاحة أمامه فيحمل في طياته فسادا عظيما لايمكن أن نتحمل عواقبه مستقبلا, خاصة اننا شعب لا يزال يحبو علي طريق الديمقراطية. [email protected] المزيد من أعمدة سامح عبد الله