يعد الدستور بمثابة الوثيقة الأساسية للدولة، ويعتبره البعض « أبو القوانين داخل الدولة»، وهو ينطوي علي الكثير من المضامين السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية ، كما أنه يؤسس للعلاقات والتفاعلات التي تحدث داخل الدولة. وفيما بين مختلف العناصر المادية والمعنوية والانسانية، وفي هذا الشأن فهو يحدد القواعد والضوابط التي تحكم تلك العلاقات والتفاعلات ، كما أنه يحدد طبيعة العلاقات والتفاعلات التي تحدث مع العالم الخارجي لها، سواء كان ذلك في محيطها الإقليمي أو في محيطها الدولي، وكذلك يحدد القواعد والضوابط المختلفة التي تحكمها. وشهدت الدول النامية في مرحلة مابعد الاستقلال التدشين للعديد من الدساتير، لذلك لجأت بعض الدول عند الضرورة والاقتضاء إلي إجراء بعض التعديلات علي الدساتير المعمول بها في داخل تلك الدول، كوسيلة لسد الثغرات الدستورية التي تظهر عند التطبيق لنصوص وبنود تلك الدساتير، أو أو كوسيلة لخلق مزايا مستحدثة من خلال إدخال نصوص جديدة أو الغاء نصوص موجودة تحول دون بقاء واستمرار النظام الحاكم أو تقيد من سلطاته أو اختصاصاته، أو تكون تلك التعديلات وسيلة لتخفيف الضغوط الداخلية، وخصوصا من جانب قوي المعارضة السياسية، أو لتخفيف الضغوط الخارجية وخصوصا من جانب الدول المانحة والمنظمات المالية والنقدية العالمية. وقد سارعت الكثير من الدول الافريقية إلي تغيير دساتيرها لتتواءم مع مطالب الدول المانحه للمعونات وتلبية لضغوطها في هذا الشأن، كما قد تحدث التغييرات للدساتير إما بمبادرة من النظام الحاكم لإحداث تكييف قانوني جديد يتناسب مع أهدافه ومصالحه، أو تلبية لضغوط ولإجماع القوي الوطنية وخصوصا في ظل الثورات الشعبية كتلك التي حدثت في كل من مصر وتونس ومايحدث الآن في ليبيا. ويستسحن فيما يتعلق بوضع دستور جديد للبلاد مراعاة مايلي: 1 عدم التسرع في وضع دستور لايتواءم ولايتفق مع المناخ والظروف والبيئة العامة للدولة. وكذلك سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا وثقافيا. 2 عدم محاولة استنساخ دستور دولة ما ومحاولة اتخاذه دستورا لدولة أخري، لأن كل دولة في العالم لها خصوصياتها ولها عاداتها وتقاليدها وأساليبها وآلياتها في الحياة، ولذلك فكلما كان الدستور نابعا من داخل الدولة ومعبرا عن حاجاتها وطموحاتها وتطلعاتها، كان أجدي وأولي بالاتباع وأيسر في التطبيق والتنفيذ. 3 الاستفادة من التراث الانساني الدستوري هو من الأمور الجوهرية عند التأسيس للدساتير الجديدة، ولكن لاينبغي أن تكون العملية استساخا لأي من تلك الدساتير كما سبق الإشارة. 4 يجب مراعاة عند إقامة جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد أن يشارك فيها جميع القوي والتيارات الوطنية المنتمية للدولة وبلا استثناء، وهذا يعني أن يشارك العلماء في مختلف التخصصات ( وليس القانونيون فقط) وأهل الفكر وأصحاب الرأي والمعبرون عن الرأي العام وقطاعات من المثقفين وجماعات المصالح ومنظمات المجتمع المدني وغيرهم. وبهدف وضع مسودة دستور يتم طرحها للنقاش الشعبي ابتداء علي مستوي المحافظات والمدن والقري وتقديم المقترحات فيما يتعلق بتلك المسودة وتصعيدها لمراجعتها وتقييمها وتوظيفها داخل الجمعية التأسيسة للدستور. قبل صياغتها في صورتها القابلة للاعتماد والمصادقة عليها. وذلك لضمان أن يعبر الدستور الجديد عن الارادة والتطلعات الحقيقية للغالبية العظمي من القواعد الشعبية المختلفة رئيس قسم السياسة بمعهد الدراسات الإفريقية.