يحتدم الخلاف في مصر الآن مشتعلا, حول المفاضلة بين وضع الدستور الجديد لمصر, الذي يضمن نيل غايات ثورة شعب مصر في الحرية والعدل والكرامة الإنسانية, قبل إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية, وبين تفضيل تحالف التيارات الإسلامية, وبعض المتحولين المتسلقين من مدعي الليبرالية, الذي يصمم علي انتخاب مجلسي الشعب والشوري أولا وقيامهما بالإشراف علي وضع الدستور الجديد. ومن الضروري توضيح أن الفريق الأول سعي دائما لتقديم حجج منطقية وأصولية لتدعيم وجهة نظره, بينما لجأ الفريق الثاني للترهيب والترويع بدعوي أن الفريق الأول يعتدي علي رأي الأغلبية في الاستفتاء علي التعديلات الدستورية, مع التلميح بأن الخيار الإسلامي وحتي الضامن لدخول الجنة هو انتخاب المجلسين أولا. تماما, كما حدث أيام الاستفتاء علي تعديلات لجنة المستشار البشري التي طلب المجلس العسكري إدخالها علي دستور1971 الذي أفسده نظام الحكم التسلطي للطاغية المخلوع, ويستدل علي ذلك من الاحتفاظ بأرقام المواد نفسها في دستور1971 في الاستفتاء. إن الاتفاق الكامل بين التيارات الإسلامية, ومرشحيها للرئاسة,وبعض المتسلقين المتملقين لهؤلاء. والاتهام الجاهز للمخالفين في الرأي بالانقلاب علي نتائج الاستفتاء علي التعديلات الدستورية, وبالانقلاب, من ثم, علي إرادة الأغلبية, من دون أي استعداد للنقاش, يكاد يندرج تحت باب يكاد المريب يقول خذوني بأنهم يتصورون أن لهم مصالح محققة من هذا المسار. وفي أسباب تفضيل وضع الدستور أولا, نكتفي هنا بالإشارة إلي أن الدستور هو, في الأساس, تعاقد بين المواطنين ينظم شئون الاجتماع البشري في البلد, ومن بينها العلاقة بين المواطنين والحكم باعتباره تكليفا من الشعب لبعضه, أفرادا وعلي صورة مؤسسات, بالسهر علي المصلحة العامة والخضوع للمراقبة والمساءلة إبان تولي المنصب العام وبعده. ومن ثم, فإن الدستور يتعين أن ينظم, علي وجه الخصوص, شئونا تتعلق بانتخاب أعضاء المجلس النيابي ورئيس الدولة وباقي المناصب العامة, ومراقبتهم ومساءلتهم. وقد قفزت لجنة المستشار البشري علي هذا الترتيب المنطقي, في تعديلات الدستور وقوانين الأحزاب ومباشرة الحقوق السياسية, بما يحقق مزايا غير عادلة لتيار الإسلام السياسي المتشدد, المتمثل أساسا في جماعة الإخوان المسلمين والتيارات السلفية, ولأصحاب المال الكبير, ليس فقط في المجلس التشريعي القادم ولكن في مستقبل البنية القانونية والمؤسسية للحكم في مصر بوجه عام التي سيقوم مجلس الشعب القادم علي صياغتها. ويتعين أن يكون واضحا وجه العوار المنطقي والقانوني الكامن في أن تشرف مؤسسة ما علي صوغ القانون الأسمي, الذي ينظم, بين ما ينظم, هذه المؤسسة ومساءلة أعضائها. ولا يقل خطورة أن تتغلغل في الدستور الجديد توجهات الإسلام المتشدد بالانتقاص من الحقوق المدنية والسياسية للنساء وغير المسلمين افتئاتا علي بعض المبادئ فوق الدستورية المستقرة من عدم جواز التمييز بين البشر في حقوق الإنسان, خاصة من النساء وغير المسلمين, لا سيما في الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين, وعلي رأسها حقوق المواطنة في الترشح والانتخاب وتولي المنصب العام والمنصب الانتخابي. وليس أقل خطورة أن تشوب الدستور الجديد توجهات نظام الحكم المتسلط والفاسد الذي أسقطته الثورة في التمسك بالتنظيم الاقتصادي المحابي للرأسماية الاحتكارية المنفلتة, والتي أنتجت شرور البطالة والفقر والقهر والاستقطاب الاجتماعي الحاد تحت النظام الساقط. وليس اقل خطورة كذلك أن يشوب الدستور الجديد الإبقاء علي السلطات المطلقة لرئيس الدولة, التي أبقي عليها المجلس في إعلانه الدستوري. والحق أن ليس من حق المجلس العسكري أو التيارات الإسلامية,ومناصريهما, الادعاء بقدسية التعديلات الدستورية التي إستفتي الشعب عليها. فقد استحل المجلس إصدار الغالبية الساحقة من إعلانه الدستوري, اللاحق للاستفتاء بما في ذلك تلك التي منحت المجلس سلطات تشريعية وتنفيذية مطلقة, من دون أي استشارة شعبية. كما استباح المجلس تغيير نص المادة 189 ب من التعديلات الدستورية التي اقترحتها لجنة المستشار البشري علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة, وحظيت, في مجملها ومن دون تحديد أو تفصيل, بموافقة شعبية ضخمة, وإن كان مشكوكا في مصداقيتها لأسباب عديدة ليس أقلها الاستفتاء علي عديد من الموضوعات المتفرقة بسؤال واحدحيث في المادة 60 من الإعلان الدستوري التي تقابل المادة المشار إليها أعلاه, تغير النص الذي حظي بالموافقة في الاستفتاء ومجلسي الشعب والشوري المنتخبين مستقبلا, ومن دون وجود رئيس منتخب, الإشراف علي وضع الدستور الجديد, ما يعني تغييرا في موضوع النص مفاده تأجيل انتخاب رئيس الدولة إلي ما بعد وضع الدستور, وليس إجراء شكليا! ولكن بمنطق تبين الصالح في الطالح, يمكن للمجلس بالأسلوب نفسه إصدار تعديل للمادة 60 من الإعلان الدستوري علي النحو التالي: يقترح المجلس العسكري والحكومة هيئة تأسيسية لوضع الدستور الجديد مكونة من مائة عضو يمثلون جميع أطياف المجتمع المصري, وينشر المقترح في جميع وسائل الإعلام لتلقي الآراء عليه لمدة أسبوع. ويصدر المجلس والحكومة تشكيل الهيئة المنقح بناء علي آراء المواطنين, ويكلفها بوضع مشروع الدستور الجديد خلال ثلاثة أشهر. مثل هذه المادة يمكن أن تصدر في ساعات قليلة, ويجري وضع الدستور خلال ثلاثة شهر ويستفتي عليه, وتجري الانتخابات التشريعية والرئاسية قبل نهاية العام الحالي. وتتحقق, حال نفاذ هذا البرنامج, من ثم, رغبة المجلس الأعلي للقوات المسلحة في تسليم الحكم لمؤسسات منتخبة, علي أساس دستوري سليم, قبل نهاية العام الحالي, كما ينعم شعب مصر بحماية طريق ثورة الفل علي مسار الاكتمال. المزيد من مقالات د . نادر فرجانى