لابد من "شرم الشيخ" ولو طال السفر . لابد من "شرم الشيخ" للبحث عن حقيقة "حسين سالم". لذا زرنا المدينة ومعها "الطور" العاصمة الإدارية لجنوبسيناء بين 4 و6 يونيو الحالى. لتتبع خيوط قصة رجل أعمال من زمن "رأسمالية المحاسيب". وفى الطريق الى سيناء تزودنا بشهادات عن بداية علاقة الرجل بشرم الشيخ. وأكثرها دلالة شهادة المهندس "خالد البربرى". قال:"بحلول عام 1987 وبعد خمس سنوات من انسحاب الاحتلال الإسرائيلى بدأت حركة عمران فى خليج نعمة .وعاصرت هناك بناء أضخم وأفخم فندق وقتها بجنوبسيناء (الموفنبيك الذى تحولت تسميته لاحقا الى «جولى فيل» ثم أخيرا الى ماريتيم جولى فيل). ولما كنت مرتبطا بإنشاءات أقل شأنا فى هذه المنطقة، سألت عمال البناء فى موقع الفندق عن صاحبه، فأجابوا بتلقائية: تاجر سلاح اسمه حسين سالم يأتى بطائرة مع الرئيس مبارك". وبصرف النظر عما إذا كان "سالم" يشحن السلاح كما أثبتت الحلقات الماضية فى هذا التحقيق أم يتاجر فيه ويشحنه معا كما تذهب معلومات غير مؤكدة، فإن حديث عمال البناء على هذا النحو فى نهاية عقد الثمانينات يفيد بأن بسطاء الناس كانوا يتشممون رائحة مريبة، فيما كانت مؤسسات دولة من القاهرة الى سيناء تغمض الأعين، بما فيها تلك المكلفة بالرقابة. فى شوراع مدينة شرم الشيخ ودواوين الإدارة و غرفة السياحة يشعر الزائر بعد كل هذه الأيام من ثورة 25 يناير وهروب "حسين سالم" بأن الرجل الملقب هناك ب"الأب الروحى" و ب"الملك" مازال يمسك بزمام الأمور. وكأنه لم يغادرها على متن طائرته الخاصة فى الساعة الخامسة مساء التاسع والعشرين من يناير، كما تحققنا من مصادر موثوقة داخل مطار المدينة. هناك شوراع خالية لن يسمح لك حراسها بأن تدخلها أو تترك سيارتك بها. وقد وضعت فى مداخلها حواجز "مرور محافظة جنوبسيناء". وببساطة سيقولون لك: "ده شارع حسين بيه سالم". والشارع الذى يحمل اسمه والملاصق لفندق "جولى فيل خليج نعمة" يستقبلك ببقايا لافتة زجاجية محطمة كان عليها اسم الرجل. وقد علمنا بأن إعادة تسمية الشارع باسم القائد العسكرى الوطنى وأحد أبطال حرب أكتوبر ومحررى سيناء الفريق "سعد الشاذلى" مازال محض توصية من المجلس المحلى بجلسة 4 إبريل الماضى ولم تجد طريقها الى التنفيذ، وأجرينا أمس الأول إتصالا هاتفيا ببسام راغب عضو المجلس المحلى فأكد أن الوضع على حاله. فى دواوين الإدارة من "شرم الشيخ" الى "الطور" تسمع كبار الموظفين يتحدثون عنه بإجلال وحرص مبالغين . وكأنه غادر مكاتبهم للتو. وفى أحد هذه المكاتب إنحنى موظف كبير وهو يعرض على رئيسه ملفا متخما بالأوراق، وهو يقول بصوت خافت: "الموضوع ده من أيام الست الهانم ما كانت هنا". وبالطبع فإن المقصود هو السيدة" سوزان مبارك". وواقع الحال، أن أيا من قيادات محافظة جنوبسيناء واداراتها لم يتغير بعد ثورة 25 يناير. وسط بحر من المراوغات والمخاوف، وحده المحاسب القانونى "حمدى عبد الفتاح" لديه الشجاعة لنشر أسمه. وإن كنا التقيناه لاحقا فى نادى "التجاريين" بالقاهرة بعيدا عن عمله وسكنه فى شرم الشيخ. وهو بالأصل جاء إليها مع الرعيل الأول القادم من وادى النيل فى منتصف الثمانينيات. وكان قد شغل مسئولية أمين عام صندوق "نادى الرياضات البحرية" بالمدينة، وهو مطلع على أحشاء الإستثمار والإدارة فى جنوبسيناء. وروى كيف تحول النادى الى ملتقى الصفوة ورجال الأعمال . يعقدون فيه الصفقات بما فى ذلك "لعبة تخصيص وتمليك الأراضي" إعتبارا من عام 1987 وحتى عام 1997. وبعدها انتقل ملتقى الصفوة والصفقات الى أول فندق ل "حسين سالم" بالمدينة" الموفنبيك" أو "الجولى فيل " لاحقا. و1997 هو العام التالى مباشرة لمؤتمر "السلام" الدولى الذى استضافه "جولى فيل حسين سالم". وبإمكاننا أن نلاحظ فى هذا التوقيت أيضا كيف توسعت إمبراطورية "سالم" لتستحوذ على الأراضى التى باتت مسماة ب"الجولف" الى الشمال من فندقه الأول. وهى المنطقة التى ضمت الى جانب قاعة المؤتمرات الدولية وملعب "الجولف" قصورا فاخرة ومميزة حصلت أسرة "مبارك" على نصيب منها بأبخس الأثمان. كما يتعين علينا أن نلاحظ على ضوء قائمة التصرفات العقارية لآل "سالم" أن "حسين" الأب انتظر الى عام 1998 لكى يبدأ فى شراء الأراضى باسمه بعدما ظل لنحو عشر سنوات متخفيا خلف إسم الإبن "خالد". وعلى الجانب الآخر من الطريق مباشرة، أقام "سالم" مسجده الغارق فى الأبهة وسط الخلاء والفراغ. إفتتحه عام 2008 ليكون على بعد دقائق من إقامة الرئيس "حسنى مبارك" وأسرته، وإن كان بعيدا ونائيا عن سكان المدينة. واللافت أن مساحة أرض كبيرة تقدر بنحو فدانين كاملين تتقدم المسجد حتى الطريق. يحيطها سور يفيد بأنها أيضا ملك "الأب الروحي". وغير ذلك ، لم يترك رجل أعمال زمن "رأسمالية المحاسيب" خلفه أى مشروع خيرى أو خدمى عام أقامه لوجه الناس والله.بل يشكو الشباب القادم من وادى النيل للعمل من إيجارات الشقق الجنونية (متوسط ألفين من الجنيهات لشقة صغيرة المساحة من غرفتين وصاله) ومن الإنفاق على شراء المياه. وقد استثمر "سالم" فى إنشاء اثنتين من محطات تحلية مياه البحر بالمدينة. ويبيع المتر المكعب بستة عشر جنيها. ولذا يتساءل الشباب عن حجم الأموال العامة التى أنفقتها الدولة على إقامة بنية أساسية تخدم "حيتان الأراضى "من المستثمرين فى السياحة يتقدمهم "حسين سالم "، وفى مدينة تعجز عن توفير السكن والمياه بأسعار معقولة لاجتذاب أهل البلد. وهكذا ظلت سيناء مفرغة من السكان. وهذه قضية أمن قومى بإمتياز. وبدورهم يشعر البدو كما يقول لنا "حميد خضير" عضو المجلس المحلى بالطور سابقا إن "حسين سالم" ورفاقه المستثمرين لم يقدموا لهم شيئا يذكر. بل زادوا من معاناتهم واشعروهم بالتمييز والتهميش. وأوضح:"حصلوا على كل شىء.. وسخرت لهم الدولة كل إمكاناتها.. لم يستفد البدو أبدا من مشروعاتهم.. وكأن الشرم وسيناء لهم وحدهم لا لأهلها". وفى القاهرة يقول لنا اللواء "عبدالمنعم سعيد" محافظ جنوبسيناء بين عامى 91 و1993 أنه ناقش وقتها خطة لتنمية سيناء كلها لعشرين سنة مقبلة تنتهى فى 2014، وتتكلف 110 مليارات جنيه وبهدف تعميرها بثلاثة ملايين مواطن، لكنه لا يعرف ما هو مصير الخطة؟. وأضاف قائلا:" لاحظت مبكرا أن رجل أعمال كحسين سالم لم يقدم على أى مشروع عام فى المحافظة". علما بأن عدد سكان محافظة جنوبسيناء بعد نحو 30 عاما من العودة الى أحضان الوطن لا يتجاوز بأى حال 200 ألف، منهم ما لايزيد على 87 ألفا فى شرم الشيخ ذاتها. لعبة الأراضى موظف كبير بمجلس المدينة أسر لى أن "حسين سالم" رجل سخى وقبل هذا له سطوة ونفوذ استمدهما من حضوره الى جانب "حسنى" وجمال مبارك. وضرب كفا بكف وهو يتعجب: "هنا فيه ناس عايشة من ثلاثين سنة مش عارفه تحصل على 200 متر تبنى عليها بيت.. وفى لمح البصر يمنحون مليون متر لرجل أعمال.. شرم الشيخ بلد خارج القانون وبعيدة عن أى متابعة".ويقدم الرجل واقعة ذات دلالة مفادها أنه فى عام 2002 انتهت المحافظة من تمهيد "مشاية خليج نعمة "الملاصقة لفندق "جولى فيل". وتكلفت أعمال الإنشاء نحو ثلاثة ملايين جنيه. وأخذت المحافظة فى بناء محلات تجارية لتأجيرها .وفجأة أمر المحافظ بمنح المشايه بالمحلات ل"حسين سالم" وبأوامر من "مبارك" وبدون أى مقابل وبدعوى أنها فى ملك الرجل. وقد تحققنا بأنفسنا من أن إيجار المحل الواحد من إجمالى ستين محلا يتراوح بين 15 و30 ألف جنيه شهريا .وقد ظلت الإيجارات تدخل جيوب "آل سالم" على مدى ما يزيد على تسع سنوات ومازالت. عودة الى "رأسمالية المحاسيب" "شرم الشيخ" هى المكان شبه الوحيد فى مصر الذى استقرت فيه استثمارات ل"حسين سالم". وهذا هو حالها بعد أكثر من عشرين سنة من ظهوره فيها معززا بالرئيس ورجال السلطة. فالرجل دخل بقوة لإقتطاع المزيد من "كعكة" التطبيع مع إسرائيل. وكما أكل من قبل من "كعكة" المساعدات العسكرية الأمريكية فى ركاب "كامب ديفيد". لكن استثماراته العملاقة فى قطاع البترول بشركة "مريدور" أول مصفاة تكرير قطاع خاص فى مصر عام 2000 ثم شركة " شرق المتوسط" لتصدير الغاز عام 2005 سرعان ما استردها محملة بالمزيد من الربح.وكأنه مكلف أومدرب على عقد "الصفقات الحساسة"، ثم تركها لسبيلها ولأصحابها لاحقا. «حيتان السادات وحيتان مبارك» فى بداية عهد "مبارك" إندهش المصريون عندما علموا أن ثروة "رشاد عثمان" أحد حيتان عهد سلفه السادات قفزت من نصف مليون الى 68 مليون جنيه مصرى فى ست سنوات بين 76 و1982، وذلك حين حوكم وأدين بتهم الفساد. وبنهاية حكم " مبارك " لا يعلم أحد داخل مصر أو خارجها كم مليارا من الدولارات الأمريكية حجم ثروة الرئيس وأسرته؟. وكم مليارا أخرى جناها صديقه وشريكه "حسين سالم" أحد رموز "رأسمالية المحاسيب"؟. أما الباحثة الدكتورة "سامية سعيد" التى قدمت فى منتصف الثمانينيات دراستها النادرة "من يملك مصر؟.. الأصول الإجتماعية لنخبة الإنفتاح 1974 1980 " مستندة الى قاعدة معلومات متاحة عن شركات رجال الأعمال حينها فهى تدهش الآن لما وصل اليه زواج السلطة والمال . وليس فقط بسبب الأرقام الفلكية المتخيلة لثروات رجال أعمال عهد "مبارك" والتى يتوارى تواضعا الى جانبها رجال أعمال عصر "السادات" ك"رشاد عثمان ".. بالطبع لم يرد ل"حسين سالم" فى دراسة "سامية سعيد" أى ذكر. إذ غاب إسمه عن المساهمة فى أى من شركات رجال الأعمال فى مصر وقتها. ومحاولة إستكمال الدراسة على ضوء ما جرى لاحقا و ظهور مصطلح "رأسمالية المحاسيب" يبدو بمثابة المستحيل. لأنه ببساطة وكما قالت لنا الدكتورة سامية لا معلومات متاحة بعدما وظف رجال الأعمال الجدد سلطة الدولة البوليسية فى جعل أنشطتهم بالغة السرية ومحمية من أى رقابة وبعيدة عن الأضواء. وهكذا هو الحال بعدما تداخلت الدولة ورأس المال الخاص على نحو غير مسبوق فى تاريخ مصر الحديث منذ حكم الوالى "محمد على" (1805 1848). وكما نوهنا فى بداية هذه الحلقات إحتراما لأمانة الكلمة، فنحن لا نملك كل الحقيقة. كما لانستطيع قول كل ما نملك منها. ولهذا فإن قصة "حسين سالم" نموذجا لرجال أعمال "رأسمالية المحاسيب" فى عهد "مبارك" ستظل مفتوحة. لم تكتمل فصولها بعد.
خمس فيللات لمبارك وجمال وعلاء بأقل من 2 مليون جنيه أكدت المعلومات التى حصلت عليها "الأهرام" من واقع سجلات الشهر العقارى بمدينة "الطور" أن "حسين سالم" باع فى عام 2000 خمس فيللات فى أغلى منطقة بشرم الشيخ الى الرئيس المخلوع "حسنى مبارك" ونجليه "علاء" و"جمال. وهى بمثابة "قصور فخمة". وبيانها كالتالى: 1 فيلا رقم 211 لمحمد حسنى مبارك بسعر 500 ألف جنيه فى خليج نعمة بالجولف مسطح 143 ألفا و942 مترا مربعا. 2 فيلا لعلاء محمد حسنى مبارك بسعر400 ألف جنيه رقم 212 بالمنطقة ذاتها مسطح 1810 أمتارا مربعة. 3 فيلا لجمال محمد حسنى مبارك بسعر 400 ألف جنيه رقم 213 مسطح 1960 مترا مربعا . 4 فيلا لعلاء وجمال معا بسعر 300 ألف جنيه رقم 214 مسطح 1940 مترا مربعا. 5 فيلا لعلاء وجمال مرة أخرى بمبلغ 300 ألف جنيه رقم 215 بمسطح 1085 مترا مربعا من مساحة فيلا الأب رقم 1. شاطئ مكيف الهواء قال مهندس إنشائى سمح له عمله تفقد القصور التى أهداها "حسين سالم" تحت مسمى بيع "فيللات" للرئيس المخلوع "حسنى مبارك" ونجليه "جمال" و"علاء" فى منتجع "الجولف" بشرم الشيخ حال تجهيزها وقبل تسليمها إن أرضية القصور من أفخم أنواع الرخام"المرمر" الأبيض اللامع و المستورد خصيصا من إيطاليا، وإن كل قصر يتكون من طابقين ومزود بمصعد مطلى من الداخل بمياه الذهب. وفى كل منها حمام سباحة مستقل فضلا عن "جاكوزي". أما شاطئ البحر الذى يطل عليه "قصر الرئيس" فقد تميز بمكيفات عملاقة تعمل بالمرواح و المياه الباردة عن اليمين واليسار. وأضاف قائلا:" زودت القصور قبل تسليمها بأعمال وتحف فنية وسجاجيد باهظة الثمن". وحاول كاتب التحقيق عصر يوم 5 يونيو الجارى الوصول بسيارته الملاكى الخاصة الى هذه القصور. وقطع بالسيارة مسافة نحو 10 كيلو مترات متفرعة من الطريق الرئيسى الموصل الى المطار. تحركت السيارة عموديا الى الداخل وانحرفت يسارا فى طريق خال تماما، وحتى اعترضها حاجز أمنى يحرسه ضباط فى ملابس مدنية.وأخبره أحدهم بعدما إصطحبه فى السيارة عائدا الى منطقة الهضبة قلب المدينة القديم بأن الحراس تابعين لقطاع المباحث فى وزارة الداخلية، وأن لديهم تعليمات مشددة بمنع أحد أيا كان من الاقتراب من المنطقة ودخولها أو تصويرها من الخارج. أما فى المنتديات الليلة بمدينة شرم الشيخ فيتداول الناس روايات أشبه بالأساطير عما جرى فى هذه القصور بعد إندلاع ثورة 25 يناير .علما بأن المدينة لم تعرف أى اعمال تظاهر أو عنف وإحراق مقارات.