نحتاج في هذه الفترة المشحونة بالخلافات وعدم الاستقرار حول الملامح الرئيسية لإعداد مصر لمرحلة الاستقرار الي الاستماع والانتفاع بآراء أصحاب العلم والخبرات, لوضع خطوات محددة, وفعالة, لشحذ همم الأداء والعمل, للخروج بمصر من الأزمات التي تتعرض لها. وكان ل الأهرام هذا اللقاء مع الدكتور أحمد زايد, أستاذ علم الاجتماع السياسي بكلية الآداب جامعة القاهرة: مارأيك في الأحوال السائدة الآن بعد ثورة25 يناير؟ أرصد وأري أنه علي مدي الفترة السابقة, هناك تركيز علي الصراعات والتوترات التي خلفتها الثورة مثل المطالب الفئوية, وصور العنف المختلفة التي تتجلي في مظاهر البلطجية والتعديات علي الممتلكات والأشخاص, بالاضافة إلي اقحام الدين من خلال سلوكيات مصحوبة أحيانا بالعنف, بالاضافة إلي التوترات التي تحدث احيانا بالجامعات, وقد يفسر ذلك أن الناس كانوا محبوسين ومكممي الأفواه, ثم سمح لهم بالخروج دون اعداد أو تأهيل لفكرة أن التغيير, لابد ان يكون تغييرا عاما يتضمن الاصلاح الحقيقي وليس الشكلي, بما يضمن أن يطول هذا الاصلاح جميع الفئات المطالبة باصلاح أحوالها( مرتبات ودرجات), فالتغيير السليم لابد أن يكون قائما علي العدل والمساواة, وهما قيمتان تفسحان الطريق إلي اقامة العدالة بين المصريين. العدل المساواة الحرية تلك القيم الثلاث هي الدستور الذي من المفترض أن يحكم بين المواطنين وكل الأجهزة الحكومية بشكل طبيعي عادل, وبالتالي فإن تقنين المطالب الفئوية عن طريق اقرارتطبيق قيم العدل والمساواة, لصالح المواطن دون تمييز فئوي أو طائفي, يحمل بين طياته الاستجابة للمطالب الفئوية أو المهنية( المرتبات, الأجور, الخدمات) تحت مظلة قيمة العدل والمساواة بين جميع المواطنين. في تصوركم كيف يتم تقنين هذه القيم؟ في رأيي بما أن المواطن هو طرف أصيل ومحرك لثورة يناير, فلابد ان يكون كذلك طرفا للدخول في حوار ثري علمي قانوني, يحدث من خلاله اقرار هذه القيم والالتزام بها, من قبل القائمين علي الحكم, وكذلك المواطن في أفعاله وردود أفعاله ومقيمة أداءه, علي سبيل المثال الاجتهاد في العمل واتقانه, يبدأ ذلك من الطالب في مدرسته وجامعته واحترامه لقيمة العلم, ويشاركه بنفس الدرجة المدرس الذي قيل فيه قم للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا, ينسحب هذا النموذج علي العامل في مصنعه والموظف في مكان عمله.. وكل من يوكل اليه عمل, لأن اتقان العمل في حد ذاته مكسب وغنيمة ومتعة يضاف له الاستمتاع بحصوله علي قيمة وأجر اتقانه, والجمع بين الحسينيين. اتقان العمل والأجر العادل, هما غاية مطالب المواطن. ومن هنا تبدأ وظيفة الدولة ودورها في المجتمع, وتصبح هذه الوطيفة قائمة علي فكرة التعامل مع مطالب المواطنين الممكنة استنادا إلي أن الاستجابة للمطالب قائمة علي تقييم الأداء بشكل عادل, وتتجدد الصلة بين المواطن والدولة علي اساس الاحترام والثقة بين الطرفين. كيف تري فكرة الاختلاف أو الاحتجاج بشكل يشوبه العنف؟ الحق والسعي لاقرار الحق سواء كان حقا فئويا أو حقا عاما, في النهاية لا يحتاج لرفع الصوت أو ممارسة العنف, الحق في حد ذاته قيمة, والمطالبة باقراره لها أساليب أبعد ما تكون عن الخروج عن حدود اللياقة أو التشاحن, لأنه في النهاية يفقد قيمة المطالبة باقرار الحق, ويفقده كثيرا من هيبته. أهل العلم وأهل الاختصاص هم أكثر الناس قدرة في علمهم في التواصل, لفتح باب حوار يتم عن طريقه احتواء المطالب الفئوية واقناع اصحاب المطالب من ذوي الحقوق بالاندراج تحت قيمة أوسع, يتم فيها اقرار القيم السابق الاشارة لها من العدل والمساواة والحرية, واقناعهم بأنها هي الضمانة الأكيدة للحصول علي حقهم. إن التخلي عن العنف وعن المطالب الفئوية والطائفية هو سبل الوصول الي سلامة مصر وهو خط لا ينبغي أن يكون عليه جدل. إلي أي مدي يمكن تجاوز سلبيات العنف والمطالب الفئوية؟ من جديد أشير إلي فكرة الوقت, لابد من امهال القائمين علي شئون الدولة وقتا لاعادة تأسيس مبدأ العدل والمساواة كأسس لنظام الحكم والتي يمكن ان يرصدها المواطن في ضوء انجازات عملية وعلمية ومهنية, تعيد صيغة الانتماء الحقيقي لمصر وحجب الانتماء الضيق أو الإقليمي, يجب في هذه الحالة اقامة صرح دولة العدل, والتأسيس لمبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين الجميع, وينعكس هذا في فرص التعليم والصحة, بشكل أهم الرعاية الكاملة المتكاملة لفكرة الحقوق والواجبات بين المواطن والدولة, وأن تتسيد روح هذا العدل المصريين. مما يدعو الي فكرة التقارب بين المصري والمصري, والمصري والقائمين علي الدولة, بدلا من التغابن والنفور بين سكان القبور وسكان القصور. يمكن بمرور الوقت أن يحدث تعاقد اجتماعي وسياسي بمقتضاه يخضع المواطن لحكم الدولة والقوانين ويترك تطبيق العقاب للدولة, مما يسهم في كبح جماح الفوضي التي تشيع في هذه الفترة وتهدد السلام الاجتماعي للمصريين. إن التعاون ما بين المواطن والدولة هو خط النجاة لمصر في الفترة القادمة, حيث تتمكن الدولة من إقرار النظام والتصدي لكل محاولات هز أمن مصر, والسماح للدولة بأن تمارس دورها ضد العنف والبلطجة باعتبار أن دورها إقامة القانون والتصدي لكل من تخول له نفسه إشهار الاختلافات الفئوية والطائفية, ولابد من إعادة تحريف كلمة البلطجة لتشمل( سرقة وقتل وإثارة) مع التعجيل بسرعة المحاكمة وإصدار الأحكام. بماذا تطالب الإعلام في هذه الفترة شديدة الحرج؟ مسئولية شديدة الأهمية تقع علي عاتق الإعلام بوسائله المختلفة, مهمة وطنية شديدة الأهمية, وهي عدم الاكتفاء بطرح سلبيات ما كان, والتركيز علي سلبيات ما يحدث, لأن النتيجة ببساطة فقدان الثقة والأمل فيما هو قادم, ويؤدي ذلك الي فكرة الإحباط الذي يساعد علي فقدان الثقة في المستقبل, وهذا من أخطر التبعات, المطلوب من الإعلام بكل وسائله إخراج المواطن مما يسمي الثقافة الاستهلاكية التي تعبئه بكل ما هو سلبي, ولابد أن يحرص الإعلام علي تقوية معنوياته وإيجاد حافز التحدي لمواجهة المعاناة التي عاشها في الفترة السابقة, وبدء وضع قدر من الآمال بعد ثورة25 يناير, هذه الآمال من المفترض أن يلعب الإعلام فيها دورا تنويريا لأنها لن تموت بين يوم وليلة الي جانب الوقت تحتاج الي همم أداءات للخروج بمصر من أزماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولذلك أطالب الإعلام بتوجيه المواطنين بحالة من النضج والالتفاف حول هذه الثورة وحمايتها حتي تتوافر كل المطالب العادلة للمصريين. هناك من يلمح بأنه توجد نية لتقسيم مصر هل من الممكن أن يحدث هذا؟ إطلاقا ومطلقا لن يحدث أي تقسيم لمصر, وأقول هذا بشكل ليس عاطفيا ولكنه علمي ومبني علي دراسات تاريخية واجتماعية لمصر. أما الخبرات التاريخية فتصف مصر من آلاف السنين بأنها معروفة بحدودها, وأن قدم مصر يسمح لها بحالة تأمين لها ولحدودها غير مسبوقة لأي دولة أخري. إن صراعات الماضي التي خاضتها مصر كانت أكبر وأخطر من صراعات هذا الزمان ولا يغني ذلك عن ضرورة استعادة الروح الكلية للمجتمع بأكملة التي فقدناها, لابد أن ننظر لمصر بروح الجماعة وروح الانتماء.