وزير السياحة يشارك في افتتاح المؤتمر السنوي لرابطة مكاتب ووكالات السفر الألمانية RTK بالغردقة    حياة وتجارب الجيل الجديد فى إيران وروسيا وأفغانستان فى مواجهة الأزمات السياسية والاجتماعية فى كتاب جديد    تواجد زيزو وإمام وتريزيجيه.. الأهلي يعلن قائمته لمباراة شبيبة القبائل    ماريسكا يعلن مدة غياب كول بالمر بعد إصابته المفاجئة في المنزل    اتحاد جدة يحقق أول انتصار مع كونسيساو في الدوري السعودي    السيدة انتصار السيسى تستقبل قرينة رئيس كوريا بالمتحف الكبير    بدء المؤتمر الصحفي للهيئة الوطنية للانتخابات لمتابعة انتخابات المصريين بالخارج 2025    الاحتلال: شرطيان فلسطينيان يطلقا النار على قوة إسرائيلية    إقبال كثيف وانتظام لافت للجالية المصرية في الأردن بانتخابات النواب 2025    «المال في مواجهة الطموح».. هل يحسم «طوفان اللافتات» مقاعد البرلمان؟    مراسل قطاع الأخبار بالرياض: إقبال كثيف للمصريين بالسعودية بانتخابات النواب    مصرع وإصابة 3 أشخاص في حملة أمنية مكبرة بقنا    ضبط طفلان تعديا على طلاب ومعلمي مدرسة بالسب من سطح منزل بالإسكندرية    أول تعليق من نادية مصطفى على أزمة ملف الإسكان بنقابة الموسيقيين    أشرف زكي يتراجع عن الاستقالة بعد زيارة مجلس النقابة في منزله | صور    إقبال جماهيري كبير على حفل روائع عمار الشريعي ورؤية جديدة لمؤلفاته بتوقيع هاني فرحات    جاسمين طه زكى عن الحب بعد الزواج: لا يختفى بل يصبح أعمق.. ويقاس بالمواقف لا الهدايا    شوقي علام حول التعاملات البنكية: الفتوى الصحيحة تبدأ بفهم الواقع قبل الحكم    إحالة طبيبة النوبتجية وطبيبة الأسنان بمركز «63 متر» للتحقيق    المصري الديمقراطي يطالب خطوات "الوطنية للانتخابات" لمنع تكرار مخالفات المرحلة الأولى    رفع 30 طنا من القمامة والمخلفات والأتربة بمدينة ناصر بحى شرق سوهاج    بالصور.. استعدادات حفل ختام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته ال46    ميدو عادل: خشيت فى بعض الفترات ألا يظهر جيل جديد من النقاد    كاريكاتير اليوم السابع يحتفى بعيد ميلاد جارة القمر الفنانة فيروز    ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال بنجلاديش إلى 5 قتلى ونحو 100 مصاب    تعرف علي مواقيت الصلاة اليوم الجمعة فى سوهاج    يسرى جبر: عصمة الأنبياء والملائكة فى مرتبة واحدة والكمال المطلوب فى حقهما واحد    مسار يخسر أمام مازيمبى ويكتفى بالمركز الرابع بدوري أبطال أفريقيا للسيدات    كيف يؤثر تناول السكر على مرضى السكري وما الكمية المسموح بها؟    طريقة عمل القرنبيط المقلي الكرسبي بتتبيلة مميزة    «الزراعة» تواصل حملاتها لحماية الثروة الداجنة    انفوجراف| الحصاد الأسبوعي لوزارة الزراعة    جامعة بنها ومؤسسة حياة كريمة ينظمان قافلة بيطرية بمنشاة القناطر    الحكومة الفرنسية: أطفالنا لن يذهبوا للقتال والموت فى أوكرانيا    دعاء يوم الجمعة لأهل غزة بفك الكرب ونزول الرحمة.. اللهم يا فارج الهم ويا كاشف الغم فرّج عن أهل غزة فرجًا عاجلًا    بعد إحالته للجنايات.. تفاصيل 10 أيام تحقيقات مع المتهم بقتل صديقه مهندس الإسكندرية    مواصلة الجهود الأمنية لتحقيق الأمن ومواجهة كافة أشكال الخروج على القانون    السفير المصري بنيوزيلندا: انتخابات النواب تسير بسهولة ويسر    كل ما تريد معرفته عن مواجهات الفرق الأربعة المصرية في البطولتين القاريتين    الجالية المصرية بإيطاليا تشارك فى المرحلة الثانية بانتخابات مجلس النواب    وزيرة التخطيط: ملتزمون بتمكين المرأة اقتصاديًا بما يتماشى مع رؤية مصر 2030    الكامب نو يفتح طريق العودة للمنافسة محليا وأوروبيا أمام برشلونة    زيلينسكي يرفض إقالة أقوى مستشاريه رغم تفاقم فضيحة فساد كبرى    اليابان تعيد تشغيل أكبر محطة نووية بالعالم بعد أكثر من عقد على فوكوشيما    تعاون جديد بين هيئة الكتاب ومكتبات مصر العامة لتوسيع إتاحة الإصدارات في القاهرة    دوري أبطال إفريقيا.. محمد الشناوي: جاهزون لمواجهة شبيبة القبائل ونسعى للفوز باللقب    رشا عبد العال: النظام الضريبي المتكامل للمشروعات التي لا يتجاوز حجم أعمالها السنوي 20 مليون جنيه    كهرباء الإسماعيلية مهتم بضم كهربا    إصابة 4 أشخاص بطلقات نارية في مشاجرة بين عائلتين بقنا    قائمة بنوك تتلقى رسوم حج القرعة 2026.. اعرف التفاصيل    أفضل وقت لقراءة سورة الكهف يوم الجمعة وفضلها العظيم    اسعار الدواجن اليوم الجمعه 21 نوفمبر 2025 فى المنيا    بورسعيد الأعلى، جدول تأخيرات السكة الحديد اليوم الجمعة    وفاة القمص توماس كازاناكي كاهن كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بالإسماعيلية    فيديو| ضحايا ودمار هائل في باكستان إثر انفجار بمصنع كيميائي    الرئيس الفنزويلي يأمر بنشر أسلحة ثقيلة وصواريخ على سواحل الكاريبي ردا على تحركات عسكرية أمريكية    أخبار مصر: مصير طعون إلغاء الانتخابات، تفاصيل اعتداء 4 عاملين بمدرسة دولية على 6 تلاميذ، أبرز بنود خطة السلام في أوكرانيا    تحذير جوي بشأن طقس اليوم الجمعة.. خد بالك من الطريق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الديني والمدني والخطاب العام

قامت نهضة مصر الحديثة منذ مطلع القرن التاسع عشر في عهد محمد علي باشا علي الأخذ المتزايد من الغرب من أجل تحديث الجيش والإدارة ونظم التعليم والاقتصاد وتخطيط المدن والحياة الحضرية ونظم السياسة والحكم‏.‏ الأخذ المتزايد عن الغرب ارتبط بتقليص دور الثقافة والمؤسسات التي كانت موجودة في المجتمع المصري في مراحل ما قبل بدء النهضة الحديثة, ومن ذلك دور المؤسسة والثقافة الدينية, وقد حدث هذا من غير وجود موقف معاد للدين والمؤسسة الدينية, فالوسطية المصرية التي تجمع الدين مع الحداثة كانت دوما هي السائدة, وهي الوسطية التي ساهم في تطويرها ليس فقط دعاة الحداثة من أمثال رفاعة الطهطاوي ولطفي السيد وعبد العزيز فهمي ومحمد حسين هيكل, وإنما أيضا دعاة الإصلاح الديني الكبار من أمثال الشيخين حسن العطار ومحمد عبده, حتي أن مثقفي وإصلاحيي الحداثة والإصلاح الديني كليهما يعتبرون معا الآباء المؤسسين لعصر النهضة المصرية الحديثة.
ظهور حركة الإخوان المسلمين في نهاية العشرينيات كان إعلانا بحدوث انشقاق في صفوف حركة التحديث الوسطي المصرية, ودليلا علي أن بعضا من المصريين بات يري في صيغة الآباء المؤسسين الوسطية تفريطا وأخذا عن الغرب بأكثر مما ينبغي. غير أن ظهور الإخوان في سنواتهم الأولي لم يمثل سوي تحديا محدودا لتيار النهضة الوسطية الذي استمر في الفوز بتأييد القسم الأكبر من النخب المتعلمة التي واصلت الحصول علي تنشئة نهضوية وسطية في مؤسسات التعليم الحديث, ومن الجمهور الذي واصل القسم الأكبر منه الالتفاف حول حزب الوفد الذي يعتبر التنظيم السياسي والتجسيد التاريخي لتيار النهضة الوسطية الذي يرجع له الفضل في تأسيس مصر الحديثة, وقد واصل حزب الوفد القيام بهذا الدور حتي استيلاء الجيش علي السلطة في عام1952 برغم مظاهر الضعف التي كانت قد بدأت في الظهور علي الحزب في الأربعينيات.
أتاحت قوة الوفد ونخب النهضة الوسطية الفرصة لاحتواء التيارات الإسلامية الصاعدة قبل ثورة23 يوليو دون الحاجة للجوء للقمع الذي لم يحدث إلا في نهاية الأربعينيات عندما تورطت حركة الإخوان في الإرهاب بعدما كاد جناح جماعة الإخوان المسلح المعروف بالنظام الخاص يخطف الجماعة ويسيطر عليها. أما في حقبة ما بعد يوليو, فقد نجح مزيج الشعبية الناصرية والقمع في احتواء التيارات الإسلامية حتي نهاية الستينيات, أما في المرحلة التالية لذلك, فقد اعتمدت النخب الحاكمة في عهدي السادات ومبارك سياسات احتواء التيار الإسلامي من خلال المناورة والدمج الجزئي والحفاظ علي التوازنات وتكييف الخطاب الإعلامي, بالإضافة إلي القمع المتقطع والانتقائي, والذي كان في كل الأحوال أخف وطأة من القمع المعمم الذي تعرضت له كافة التيارات السياسية خلال المرحلة الناصرية.
القدر الكبير من الحرية الذي يتمتع به المصريون بعد ثورة يناير, والضعف الذي لحق بأفكار النهضة الوسطية والنخب التي تمثلها, كل هذا يزيل من طريق التيارات الإسلامية عقبات كانت موجودة في مرحلة سابقة, الأمر الذي يطرح علي الكثيرين في مصر سؤالا جوهريا حول الطريقة التي سيتحقق بها التعايش بين التيارات السياسية والإيديولوجية المختلفة في مرحلة لم يعد فيها ممكنا احتواء التيارات الإسلامية بالاعتماد علي آليات وأساليب تم استخدامها في مراحل سابقة.
القوي الاجتماعية والسياسية المختلفة سوف يكون عليها بالتكيف بأشكال مختلفة مع الواقع المتغير. أهم ملامح هذا التكيف هو تغيير شكل ومكونات الخطاب السياسي وأساليب المحاجاة والبرهنة التي يتم الاعتماد عليها. فخلال المراحل السابقة اتسم الخطاب السياسي في مصر بالتعددية والتوازي والانفصال, فكان هناك خطاب, أو بالأصح خطابات إسلامية تتجاور معها خطابات غير دينية بأشكال ومعان مختلفة, ولم يكن أصحاب النوعين من الخطاب مضطرين لتجسير الفجوة بين الخطابين, فكل منهما يتوجه إلي جمهور مختلف في مجال سياسي اتسم بالاستبداد والانغلاق والانقسام والجمود. وفي الوقت الذي غاب فيه حوار فكري/سياسي حقيقي بين أصحاب التيارات المختلفة, كان تبادل النقد والتلاسن والمناظرة هو السمة الغالبة علي التفاعل بين هذه التيارات, ولم يكن أحد في حاجة لأخذ الآخر الإيديولوجي بعين الاعتبار, فلم يكن في هذا فائدة ترتجي في كل حال.
أما في المرحلة الراهنة فقد انفتح المجال السياسي وزالت الحواجز بين مجالاته ومكوناته الدينية وغير الدينية, وأصبحت القوي السياسية والإيديولوجية جميعها تعمل في سوق سياسية واحدة تتداول فيها الأفكار والشعارات بلا حماية مصطنعة أو دعم يخل بقواعد المنافسة, وبات لزاما لأي تيار يسعي للفوز بتأييد الجمهور في انتخابات حرة ونزيهة أن يطور خطابا قادرا علي التواصل مع جمهور أوسع من جمهوره الخاص الذي يظل ضيقا مهما اتسع. فلا الخطاب الإسلامي الجامد ولا الخطاب المدني الصرف قادران علي تحقيق التواصل المطلوب مع جمهور يسعي الجميع للفوز بأصواته.
ومع أن التطاحن الإيديولوجي مازال يمثل السمة الغالبة علي الجدل العام في مصر, إلا أن هذا الصراع يجب ألا يكون سببا في الانزعاج, فقوانا السياسية مازالت في مرحلة تقديم نفسها للجمهور, ولهذا تجدها مشغولة بالتأكيد علي هوياتها الخاصة أكثر من تأكيدها علي المشتركات بينها وبين القوي السياسية الأخري. بالإضافة إلي هذا فإن ملامح التغير بدأت في الظهور علي الخطاب السياسي لقوي سياسية مصرية, فوجدنا نشطاء ومفكرين إسلاميين يؤكدون علي مدنية مشروعهم السياسي وعصريته, بينما أرغمت الانتقادات الحادة إسلاميين متشددين علي التراجع أو الاعتذار عن أفكار لم تعد مقبولة في أيامنا هذه. في الوقت نفسه رأينا نشطاء ومثقفين مدنيين يلجأون بشكل متكرر لاستخدام حجج دينية لتعزيز أفكارهم المدنية بطريقة تختلف عما اعتادوا عليه في الماضي, كما وجدنا آخرين منهم يحجمون عن طرح بعض من أفكارهم أو يعدلونها بعد أن تبين لهم صعوبة الدفاع عنها في ساحة سياسية مفتوحة. بالإضافة إلي ذلك فقد ظهرت تيارات فكرية وتنظيمات سياسية تقوم علي مبدأ الوسطية الجامعة, مثلما هو الحال في التيار الذي يطلق علي نفسه اسم التيار الرئيسي, أو في أحزاب تصف نفسها بأحزاب برامج وليس أحزاب إيديولوجيات, لتجنب الدخول في الجدل الإيديولوجي الذي يفرق ولا يجمع, ولتسهيل التواصل مع الأغلبية من الناخبين.
الشرط الرئيسي لاستكمال عملية جسر الهوة بين مكونات الجماعة السياسية المصرية هو استكمال بناء الديمقراطية المصرية. فالتنافس السياسي بين الأحزاب والجماعات المختلفة علي أصوات المواطنين يدفع الأحزاب المتنافسة للتحرك إيديولوجيا وسياسيا ناحية الوسط حيث يوجد القسم الأكبر من جمهور الناخبين غير المنشغلين بصراعات الديوك الإيديولوجية بقدر اهتمامهم بالبرامج العملية علي أرضية عامة من قيم ومبادئ الوسطية والاعتدال التي تميز الأغلبية في أي مجتمع, خاصة في المجتمع المصري.
تحدث هذه التغيرات في المجتمع السياسي المصري بينما مازالت جماعات متشددة تقف بإصرار وتطرف في أقصي جانبي المشهد السياسي المصري, متمسكة بخطابها السياسي والإيديولوجي القديم, وتنظر باحتقار وتعال إلي جهود تجسير الفجوة باعتبارها تنازلات مبدئية غير جائزة, وهناك من ممثلي هذه القوي من لا يعرف طريقة للتعبير عن نفسه سوي الاستهانة بالآخر السياسي والإيديولوجي وأفكاره, وبرغم سخونة الجدل الذي يثيره أمثال هؤلاء, فإن الانتقادات الحادة التي يقابلون بها تساهم في رسم الخطوط الحمراء للتمييز بين المقبول وغير المقبول من الأفكار وطرائق التعبير, وهي الخطوط التي ستساهم في وضع قواعد الحوار العام بطريقة تسهم في تلطيف الحوار, وتدوير الأركان والحواف المدببة للخطاب السياسي. وإذا تقدمت الأمور في المجتمع المصري في الاتجاه الصحيح نحو النضج الإيديولوجي والفكري والسياسي, فإن المرجح هو أن نفوذ التيارات الأكثر تطرفا سيأخذ في التراجع والانحسار تدريجيا, وأن أصحابها سيواصلون الاستمتاع باستقامة إيديولوجية مفترضة علي حساب قدرتهم علي كسب الأنصار وحشد المؤيدين, أما التحدي الأصعب الذي سيواجه القوي السياسية في المرحلة القادمة فهو تحدي الحفاظ علي التمايز والهوية الإيديولوجية والبرنامجية بينما تتحرك في اتجاه الوسط,, وبينما تطور خطابها السياسي والإيديولوجي بشكل لا يسمح بالتمايز اللفظي الفاقع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.