أخشي أن تستمر سياسة الدكتور عصام شرف في اختيار كبار المسئولين عند اختياره وزيرا جديدا للخارجية كي يخلف الدكتور نبيل العربي الذي أصبح أمينا عاما لجامعة الدول العربية. فقد تجنبت مصر بترشيحه للمنصب كارثة أن تتكرر تجربتها السابقة في معركة اختيار سكرتير عام لمنظمة اليونسكو عندما رشحت وزير الثقافة السابق فاروق حسني. وقد كانت الحالتان متشابهتين تماما, سواء من ناحية عدم وجود إجماع داخلي علي المرشح, او حتي توافق عام عليه. او من ناحية تأييد دول لان تكون مصر هي صاحبة المنصب لكنها تتحفظ علي المرشح لأسباب تتعلق بشخصه او عدم اقتناعها بأنه هو المرشح المناسب للمنصب حتي وان حمل الجنسية المصرية. وحسنا فعلت حكومة الدكتور عصام شرف عندما سحبت ترشيح الدكتور مصطفي الفقي واستبدلته بالدكتور نبيل العربي. ولكن المشكلة كانت في أسلوب اختيار الدكتور الفقي وفي جميع اختيارات الدكتور عصام شرف للمناصب التي لا تحظي برضاء شعبي, ويبدو انه نسي أن مصر شهدت ثورة ضد النظام السابق ورموزه وأسلوب اختيار المسئولين فيه فمازال يتبع نفس الأسلوب ويأتي ببعض هؤلاء الرموز, وهم للأسف من أعضاء أمانة سياسات الحزب الوطني الذي تم حله بحكم محكمة, بما جعل البعض يتنطع وينسب الثورة للاصطلاحيين في الحزب الوطني ويدلل علي حجته الفاسدة بان حكومة الثورة معظمها من أعضاء هذا التيار! وقد أكد اختيار حكومة الدكتور عصام شرف للمحافظين والوزراء وبعض المسئولين في الإعلام, أنها تفتقد الي الخيال السياسي, وان حلقة الاختيار ضيقة للغاية, وأنها مازالت تعزل المعارضين للنظام السابق عن دوائر الاختيار, وتأتي في معظم الأحيان بشخصيات عديمة الطعم واللون والرائحة. ومعظم من يحتلون المناصب حاليا كانوا من ضمن وزراء العهد البائد الذين لم نسمع لهم إنجازات او حسن أداء او كفاءة في مناصبهم. فضلا عن أن الشخصية الثانية في الوزارة وهو الدكتور يحيي الجمل كان وزيرا في عهد الرئيس الأسبق أنور السادات, ثم عينه الرئيس السابق في مجلس الشعب, ولعب أدوارا في شق صفوف المعارضة وتدجينها او تهميشها, وله تجربتان في كل من حزبي التجمع والجبهة الديمقراطية, ومع ذلك مازال يحتفظ بملفات سياسية مهمة, تجعل قطاعا كبيرا من النخبة السياسية لا يثق فيه, ولا يثق بالتالي بحكومة الثورة. من هنا فانني من الآن أطالب رئيس الوزراء وحتي لا تتكرر الأزمات, وحتي تستفيد الحكومة من أخطائها, وهي كثيرة, بالتدقيق والمزيد من التدقيق وهو يقوم باختيار وزير الخارجية الجديد, لأننا نعرف كيف تم تجريف مؤسسة الدبلوماسية المصرية في عهد الوزير الأسبق احمد ابوالغيط وسلفه احمد ماهر, فضلا عن انها عانت من دكتاتورية عمرو موسي علي النحو الذي فصله السفير السابق شعبان محمد محمود شعبان في مذكراته بالغة الأهمية التي صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب تحت عنوان لعبة الكبار. ونعرف أنه تم توظيف وزارة الخارجية والسفارات المصرية في الخارج في سيناريو التوريث بصورة أضرت بها, وأساءت الي صورتها لدي عامة الشعب المصري. وأصبح السفراء يتصرفون انطلاقا من ذلك باعتبارهم سفراء لعائلة مبارك وليسوا سفراء لدولة عريقة من أوائل الدول التي كان لها ممثلون دبلوماسيون في الخارج. ومن ينظر الي أسماء المرشحين لخلافة العربي سيجد أن منهم من تولي الاتفاق مع شركة علاقات عامة أمريكية لكي تتولي تسويق سيناريو التوريث لدي مراكز صنع القرار الأمريكية, وكان يظهر في المحطات التليفزيونية الأمريكية لكي يدافع عن سياسات الرئيس المخلوع الداخلية والخارجية وهي سياسات لا تتمتع باي شعبية علي الصعيد الداخلي. وسيجد أن آخرين من المرشحين اكتسبوا شهرتهم من حسن معاملتهم للرئيس المخلوع وحرمه عند سفرهم الي الدول التي كانوا يعملون بها. وقد غابت معايير الكفاءة لصالح معايير الولاء للعائلة وهو الأمر الذي أدي الي تراجع أداء الدبلوماسية المصرية خلال سنوات حكم الرئيس المخلوع. والمؤسف أن وزارة الخارجية نظرا لأنها كانت تعمل بجد في تسويق سيناريو التوريث خارجيا, فقد قرر كبار مسئوليها أن يكون البدء من الداخل عبر توريث العمل الدبلوماسي, ولابد من مراجعة أسماء الذين الحقوا للعمل في الوزارة خلال السنوات الماضية لكي نعرف كيف أصبح عامل التوريث واحدا من ابرز العوامل في اختيار العاملين في جهاز الدبلوماسية المصرية. أن مؤسسة الدبلوماسية المصرية التي أنجبت الدكتور محمود عزمي وعبد الحميد بدوي ومحمد فوزي وعصمت عبد المجيد ومحمد حسن الزيات ومحمد البرادعي ونبيل العربي, لابد وأن انجبت من هو قادر علي تولي مسئولية الوزارة لكي يكون ممثلا للثورة المصرية شريطة البحث عنه بصورة جديدة وليس عبر الاستسهال الذي تتبناه حكومة عصام شرف في اختيار المسئولين, وبعد هذا الاختيار فان عليه مهمة الجهاد الأكبر وهو تطهير الوزارة من بقايا السياسيات السابقة والمجاملات التي عششت في الوزارة خلال عهد الوزارء الثلاثة السابقين. المزيد من مقالات خالد السرجانى