فور سماعي بتنحية مبارك عن رئاسة الجمهورية أسرعت بمعانقة بناتي اللاتي كن يتابعن معي لحظة بلحظة علي مدي ثمانية عشر يوما بدءا من الخامس والعشرين من يناير إلي الحادي عشر من فبراير الماضي كل تطورات الثورة التي انبثقت من رحم الشعب المصري مطالبة بالتغيير والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. غير أن قرار النائب العام الدكتور عبدالمجيد محمود بحبس مبارك علي ذمة التحقيقات ثم حبس كل من نجليه جمال وعلاء فضلا عن دخول معظم أركان نظامه الي سجن طرة الذي أضحي يطلق عليه الآن طرة لاند هو الذي وسع لدي ولدي الملايين من المصريين هامش الشعور بالانتصار الحقيقي للثورة. ولست هنا في معرض استعراض تداعيات هذه الخطوة خاصة أن التحريات وحشد الوثائق والأدلة والبراهين علي الاتهامات الموجهة لمبارك ولنجليه وأركان حكمه مازالت في مرحلة التجميع النهائي تمهيدا لبدء محاكمتهم في الوقت الذي تقرره السلطات القضائية بيد أنني أتوقف عند جملة من الملاحظات التي أراها ضرورية لتأمين منصب رئيس الجمهورية من مخاطر السقوط في الزلل والفساد والإفساد. أولا: إنه من الضروري وضع جدار عازل بين موقع الرئاسة وزوجة الرئيس فيما يتعلق بشئون الحكم وذلك يتطلب الإلغاء الكامل لما بات يعرف بحالة السيدة الأولي وهي بدعة أدخلها إلي هيكلية السلطة في مصر الرئيس الراحل أنور السادات من فرط إعجابه بالنموذج الأمريكي والذي شكل المرجعية التي استند اليها نظام مبارك فيما بعد في الارتباط بواشنطن إلي حد التبعية والأنسحاق فلقد كانت تجربة كل من جيهان السادات وسوزان مبارك في لعب دور سواء خفيا أو علنيا بالغة السوء أفرزت مردودا سلبيا علي المستويين السياسي والاقتصادي ثانيا: من الأهمية بمكان إغلاق الباب أمام أبناء الرئيس لتولي أي موقع أو منصب سياسي أو حزبي بالدولة لأن ذلك من شأنه أن يتيح إفسادهم سياسيا واقتصاديا وبالطبع فإن ذلك يستوجب قناعة كاملة من الرئيس بهذه القاعدة بحيث يتجرد من مشاعر الأبوة والحاجة الي مساعدة الابن وهو ما لم يفعله مبارك والذي تعامل بأريحية مع ولديه: علاء الذي اختار من البداية طريق الإثراء من خلال استغلال نفوذ والده في الحصول علي الفرص الاستثمارية والمشروعات بطريق غير مشروع وكانت حكاياته في هذا السياق محورا رئيسيا لحديث المدينة سواء في القاهرة أو الأسكندرية علي مدي سنوات حكم مبارك ثم جمال الذي سعي الي السلطة بمعناها السياسي جنبا إلي جنب المال باعتبارهما جناحي الصعود الي قصر العروبة في حياة والده وهو ما كان يتم التخطيط له بإقتدار من المجموعة الضيقة المحيطة بالرئيس السابق وسط حالة رضا منه بالرغم من نفيه قبوله بنظرية التوريث غير مرة. ثالثا: الرئيس أيا كان اسمه أو لونه السياسي مطالب إلي حد الإلحاح بتفعيل منظومة القوانين وقواعد الشفافية في اختيار المجموعة المحيطة به خاصة في رئاسة الجمهورية بحيث لا يتم اختيار هؤلاء وفقا لنظرية القناعة الشخصية بل وفق محددات موضوعية لا يتدخل فيها الرئيس أو أي من أفراد عائلته بل جهات في الدولة تتمتع بحسها الوطني الرفيع علي أن يخضعوا للتقييم الدوري ولا تكون لهم ارتباطات بقطاعات ال بيزنس ومواطن الشبهات التي دخل فيها رجال مبارك من أوسع الأبواب علي نحو جعل من شخصية مثل زكريا عزمي الرئيس السابق لديوان رئيس الجمهورية أقوي شخصية في نظام مبارك بعد أن حظ بتحصين قانوني لبقائه في منصبه لمدي الحياة مما جعله يسقط بوعي أو حتي بدون وعي في براثن الفساد والإفساد بكل أنواعه. رابعا: لا ينبغي مطلقا أن يترك اختيار رئيس الوزراء والوزراء للرئيس فحسب وإنما بالتشاور مع الحزب الفائز بالأغلبية الذي من حقه أن يتقدم بناء علي هذه الأغلبية بلائحة وزرائه الي البرلمان الذي من حقه بدوره أن يقرها أو يرفضها وثمة نماذج عدة سواء في الديمقراطيات الراسخة أو الديمقراطيات الوليدة التي يمكن الأستعانة بها في هذا السياق فلقد ثبت أن تركيز سلطة تشكيل الحكومة بيد الرئيس لا تقود سوي الي اختيار رجال همهم الوحيد ارضاء الرئيس أو أفراد عائلته الذين كانوا يشاركون عبر البوابات الخلفية في تحديد هوياتهم وهو ما كان متجليا في معظم الحكومات التي تشكلت في عهد مبارك خاصة في العقدين الأخرين اللذين شهدا أسوأ الحكومات في تاريخ المحروسة التي انحازت الي الأثرياء الجدد وتجاهلت الأغلبية من الشعب المصري وكانت خططها ومشروعاتها موجهة لمصلحة رجال الأعمال. خامسا: أصبح في حكم الواجب تجريد الرئيس من كل الصلاحيات التي كانت متاحة لمبارك علي نحو لم يحدث لسابقيه من الرؤساء مما أدخله في السنوات الأخيرة الي منطقة الذات المقدسة بقوة دفع من المحيطين به والذين مارسوا نوعا من الكذب عليه وبينوا أن سنوات حكمه هي من أزهي عصور الديمقراطية وأفضل مراحل العمران وهو ما كان يتجلي في خطبه التي كان يوجهها للشعب الذي لم يتفاعل معها أو يصدقها بل كان يضع دوما كل خطاب النخبة الحاكمة في خانة التدليس والضحك علي ذقونه.