أنا ابن من أبناء الأقصر عشت وتربيت على أرضها.. يمتاز أهلها بالطيبة وحسن الخلق والتسامح لافرق هناك بين مسيحى ومسلم في الأعياد تجد المسيحي يهنىء المسلم والمسلم يهنيء المسيحي في المناسبات الأخرى فرح مثلا او مأتم تجدهما معا رغبة في آداء الواجب من القلب ليس رياء أو رغبة في المزايدة علي نظام ولي وانتهي. نصيف عوض موظف علي المعاش عرفته منذ الصغر فقد كان صديقا لوالدي.. نصيف ابن أحد خادمي الكنيسة المخلصين والذي يقضي وقته كله خدمة للكنيسة موصيا إبنه بأن يعامل المسلم والمسيحي بلا أي تفرقة، ان يكون متسامحا مع المسلم مثل المسيحى، ونشأ نصيف متبعا لهذه النصيحة، ووالدي كان أحد رجال الدين المسلمين والذي ينتمي لأسرة ينتهي نسبها للشخ أبو الحجاج الأقصري والذي يقع مسجده الشهير فوق معبد الأقصر ولكن رغم ذلك كان نصيف يتخذ من والدي مثلا أعلي وكان مرافقا له أغلب الوقت وكل منهما يقرأ في كتابه والدي فى القرآن الكريم ونصيف فى الأنجيل لم يحدث بينهما أي خلاف حول دين أو عقيدة أو أنا مسلم وانت مسيحي. مرض والدي مرضا شديدا فظل نصيف ملازما له ليلا ونهارا وتحمل معاناة رفقة رجل كبير السن ومريض تاركا عمله ملازما لأبى حتي وافته المنية وهو بين يديه لأنه يحبه ويقدر صداقته وهو يدرك تلك الحقيقة أنه لافرق بين مسيحى ومسلم. تمر الأيام ويمرض نصيف عوض ويضطر للسفر للقاهرة بحثا عن العلاج طالبا مني بأعتبارى مقيما في القاهرة البحث عن طبيب كفء وبالطبع رغبة مني في سداد جميله ومافعله مع أبي في مرضه عرضت عليه الاقامة عندي ولكنه أخبرني انه مقيم عند أحد اصدقاؤه وعرفت من اسمه أنه مسلم عرفه عن طريق طريق مسلم آخر من الأقصر، فعرضت عليه الحضور لأصطحبه للطبيب ولكنه فضل أن نتقابل أمام عيادته.. وعند وصولي وجدته في صحبة شخص مسلم أقصري آخر والذي أخبرني أن نصيف عوض من أحب الأصدقاء اليه وأنه صديق له منذ الصغر وأنه عند نزوله للأقصر يظل في استضافته هو وعائلته حتي يرحل.. سألت نصيف متعجبا: كل المسلمون في خدمتك.. ما السبب أجاب: لأني بحبهم بجد واخلاص ولا أفرق بينهم وبين ابناء ديني سألته: لقد نشأت في بيئة تجعلك في خدمة المسيحي فقط وقد تحرضك علي التعصب الأعمي. أجاب نصيف: لست متعصبا علي الاطلاق ولي أسبابي فأبي وان كان يعمل في خدمة الكنيسة الا انه نصحني منذ الصغر بحب المسلم والمسيحي علي حد سواء, ان أصادق الأثنين دون خوف أو قلق وأن أكون في خدمة المسلم تماما مثل المسيحي.. البيت هو السبب الأساسي في أن تكون متعصبا لدينك أو لا. ثم أكمل قائلا: ايضا كما أن لديكم دعاة متعصبون فلدينا ايضا متعصبين فقررت منذ الصغر ألا أستمع لدروس دينية من قسيس متعصب, بل أستمع دائما للرأي المعتدل.. ثم قال: وعلي فكرة أن زعلان من الأزهر، زمان كنت أشوف شيوخهم وعلماؤهم وأحب اسمع كلامهم لأنهم كانوا يتكلمون عن المسيحيين كأنهم أخواتهم وعرفنا عن طريقهم أن الإسلام حين دخل مصر حرر المسيحيين من الاضطهاد الروماني وكان لذلك أثره في تعلم اللغة العربية والتي أصبحت وعاء ثقافيا للجميع لكننى الآن أرى علماء كثيرون في الفضائيات يشتموننا ويحرضون الناس ضدنا.. طيب أحنا ذنبنا ايه؟! ماهو برضو الكنيسة المصرية وقفت زمان ضد عمليات التبشير والتذويب الأوروبي، بل إن البابا كيرلس اشترى مطبعة ليواجه بها منشورات التبشير الذي رآه خطراً على الأرثوذكسية المصرية قبل أن يكون خطراً على الإسلام، كما وقف بطريرك الأقباط مثل مشايخ الإسلام مع الثورة العرابية عام 1882 في صراعها مع الخديوي. وطبعا انتا عارف ثورة 19 واننا كنا ايد واحدة ازاى . وأضاف نصيف قائلا: وفي الحقيقة فإن الحوادث تتكرر، ونكاد نقول إنه منذ عام 1972 حدثت مئات الحوادث الطائفية المعلنة وغير المعلنة، الكبيرة والصغيرة، وفي كل مرة تتم معالجة المسألة بنفس الطريقة على طريقة دفن الرؤوس في الرمال دون البحث عن الأسباب الحقيقية، ومحاولة علاجها جذرياً بهدوء وببطء وفي وقت كاف، فهناك احتقان بين المسلمين والمسيحيين سببه شعور المسلمين بوجود استقواء مسيحي بأمريكا فأي مشكلة تجد رد فعل أمريكي سريع يعلن غضبه لما حدث ويكثر الحديث عن الأقليات المضطهدة في مصر وضرورة تنفيذ مطالبهم. بل نجد أن هناك جماعات مسيحية مصرية في المهجر تدعي أن مصر محتلة من العرب، وأنه ينبغي إخراج المحتلين العرب من مصر. سألته: لو حدث خلاف بين مسيحي ومسلم عندكم في الأقصر كيف تفضوه؟ أجاب بفخر: عندنا في الأقصر عند حدوث نزاع بين مسلم ومسيحي يجتمع كبار المسلمين والمسيحيين ويقومون بحل النزاع مع ترضية الطرفين حتي لاتتراكم النزاعات وتتحول الي قنبلة شديدة الانفجار، فالطرفان ليس بينهما سوء نية أو رغبة في تزكية الخلافات بل حريصين علي حل المشكلة مهما كان ثمن حل الخلاف. وياريت الدولة تترك لنا مسلمين ومسيحيين حل خلافاتنا احنا أقدر علي حلها فدخول الحكومة بيكون وراءه أغراض سياسية وأحيانا اغراض انتخابية لشراء اصوات لصالح مرشح ضد آخر.. والثمن استمرار الخلاف لأستمرار المصالح ورغبة الدولة في اضعاف الطرفين لتكون هي الأقوى.. انتهي الحوار مع نصيف عوض.. مواطن مسيحي صعيدي.. ابحثوا عنه وتعلموا من فكره وتسامحه فهو يجب أن يكون نموذجا ندرسه ونعلمه لأولادنا لنبذ التعصب بين المسلم والمسيحى. المزيد من مقالات عادل صبري