إن القيود الواردة في الدستور أو القانون مقررة للوظيفة العامة وليست لأشخاص شاغليها فرئيس الدولة واعضاء المجالس النيابية والقضاة ثمة قيود علي محاكمتهم حماية لوظائفهم واستقلالهم في هذه الوظائف اما اذا تركوا هذه الوظائف أو أقيلوا منها أو تنحوا عنها فتسقط هذه القيود وتسود القواعد العامة أسوة بباقي المواطنين... وكان الدكتور عبد المنعم سعيد قد كتب في عموده اليومي بصحيفة الأهرام يوم الخميس41 أبريل يقول تحت عنوان محاكمة الرئيس ذلك أن ثمة صعوبة حول محاكمة الرئيس السابق محمد حسني مبارك لأن ما نسب اليه من اتهامات ما هي إلا اتهامات صار مباشرتها حال كونه رئيسا للدولة ومن ثم ليس شخصا عاديا وانما هو شخص عام والدستور الموقوف عمله كان ينص في المادة58 منه علي أن يكون اتهام رئيس الجمهورية بالخيانة العظمي او بارتكاب جريمة جنائية بناء علي اقتراح مقدم من ثلث اعضاء مجلس الشعب علي الأقل ولا يصدر قرار الأتهام الا بأغلبية ثلثي اعضاء المجلس ويوقف رئيس الجمهورية عن عمله بمجرد صدور قرار الاتهام ويتولي نائب رئيس الجمهورية مؤقتا لحين الفصل في الاتهام. وتكون محاكمة رئيس الجمهورية امام محكمة خاصة ينظم القانون تشكيلها واجراءات المحاكمة امامها ويحدد العقاب المقرر عليها واذا حكم بإدانته أعفي من منصبه مع عدم الإخلال بالعقوبات الأخري. ونظرا لأن مجلس الشعب الآن منحل فلا يمكن توجيه الاتهام اليه كما لا يمكن تشكيل محكمة جنائية خاصة لمحاكمته لأن الدستور بات في حكم الملغي ولا يمكن القول بأن المجلس الأعلي للقوات المسلحة يشكل محكمة للثورة تضع قوانينها الخاصة ووسائل تنفيذها فاذا قام المجلس بهذه المهمة فإن احكام المحكمة تكون استثنائية وسوف لا تكون مقبولة لدي البنوك الأجنبية والدول التابعة لها. يريد الكاتب ان ينتهي الي ان محاكمة الرئيس السابق قد لا تكون مشروعة في ظل هذه الظروف. وهذا القول مردود وغير مقبول ذلك أن نص الدستور الملغي في المادة58 منه علي نحو ما سبق ما شرعت الا لحماية وظيفة الرئيس باعتباره رئيسا للبلاد اذا يحول أمر مواجهته بالأحكام الجنائية دون التفرغ الخالص لعمله كرئيس للبلاد ومن ثم شرع هذا النص حماية للرئيس من الكيد له اثناء ممارسة عمله كرئيس للدولة كي يتفرغ لمهمته العظمي في حكم البلاد ولا يتهم عندئذ الا علي النحو الوارد في المادة سالفة الذكر كوسيلة لتأمينه في ممارسة مهامه. وغني عن الذكر ان ذلك هو محض استثناء لاعتبارات تبرر هذه الحماية من أجل تفرغه لهذا العمل العظيم المنوط به ذلك ان القاعدة هي المساواة بين المواطنين, ذلك أن المواطنين لدي القانون سواء وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة وينص الدستور الملغي كذلك علي ان العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة الا بقانون ولا توقع عقوبة الا بحكم قضائي ولا عقاب الا علي الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ هذا القانون مادة66 من الدستور الملغي وان المتهم بريء حتي تثبت ادانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه وكل متهم في جناية يجب ان يكون له محام يدافع عنه. وهذه هي القواعد الدستورية التي تضمنها الدستور الملغي وتبناها الاعلام الدستوري الصادر من المجلس الأعلي للقوات المسلحة والذي يسير العمل بمقتضاه الآن اما الحالة الاستثنائية بشأن رئيس الجمهورية وهو لم يعد رئيسا للجمهورية فيخضع للقواعد العامة سالفة البيان ولم يرد في الاعلان الدستوري الساري الآن أي قيد علي مساءلة رئيس الجمهورية السابق الا باعتباره شخصا عاديا بعد أن تجرد من وظيفته التي كانت حامية له إبان عمله سالف البيان, ومن الطبيعي الا يتضمن النص الدستوري الذي أصدره المجلس الأعلي للقوات المسلحة ذلك النص الوارد في المادة58 من الدستور الملغي ليس لأنه لم يعد ثمة رئيس للجمهورية في الوقت الحالي فحسب وانما الي العودة كذلك الي القواعد العامة دون الأستثنائية في محاكمة الأشخاص الطبيعيين. ولما كان الأمر كذلك وكانت الأجراءات التي تمارس ضد الرئيس السابق من تحقيق وحبس وما اليه انما صدرت بموجب القواعد العامة في النظام القانوني ونفس الاستثناء لرئيس الجمهورية لم يرد علي ما نحو ما أورد الإعلان الدستوري الصادر من المجلس الأعلي للقوات المسلحة أي ان علة الأستثناء قد سقطت ولم يعد ثمة رئيس للجمهورية ومن ثم تسري القواعد العامة في شأنه كسائر الأفراد وهو إعمالا للمساواة بين المواطنين. فضلا عن القاعدة الأصولية في القانون والتي تقرر ان من ارتكب جريمة فعليه عقوبتها وعلي ذلك فاذا افترضنا ان عضوا في أي من مجلسي الشعب أو الشوري قد ارتكب جريمة حال قيامه بعمله في هذه المهمة السياسية ثم حل المجلس او استقال او أقيل هذا العضو فأصبحت محاكمته شرعية وقانونية دون الرجوع الي المجلس النيابي الذي ينتمي اليه برغم ان القانون والدستور يضيفات حصانة علي عضو البرلمان حيث لا يجوز اتخاذ اجراءات التحقيق ضده طوال عمله بأي من هذين المجلسين كالتفتيش والقبض والحبس الاحتياطي وتفتيش مسكنه حيث لا يسوغ أي من هذه الاجراءات طالما كان عضوا بالمجلس النيابي فيما عدا حالات التلبس بالجريمة. ذلك ان الحصانة الممنوحة لهذا العضو حماية له من الكيد والتلفيق يجعله غير قادر علي مباشرة مهامه داخل المجلس ودفع الخوف عنه من الآخرين وانطلاقه في مباشرة مهامه اما اذا استقال من المجلس او اقيل من عضويته فيعود الي آحاد الناس وتسقط الحصانة لانتفاء علتها فاذا اتهم بارتكاب جريمة اثناء نيابته عن الأمة ثم اقيل من عضوية المجلس او استقال من عضويته او حل المجلس الذي ينتمي اليه فتعود القواعد العامة التي تواجه كل المواطنين فلا يسأل المجلس في اتخاذ اجراءات جنائية ضده سواء كان المجلس منعقدا أو قائما ولا حتي يسأل رئيس المجلس عن اتخاذ هذه الاجراءات ضده لأنه بحل المجلس او اقالة العضو او حتي استقالته عاد أمره كسائر المواطنين تتخذ الإجراءات الجنائية ضده دون حصانة أو اعتبار لكونه كان نائبا لأن علة الحصانة قد زالت واساس قيامها قد أزيل. وذلك أيضا هو شأن رئيس الدولة حين يوجه اليه الاتهام ولا تتخذ الإجراءات الجنائية ضده الا بموافقة ثلثي اعضاء المجلس حتي يتمكن من قيامه بعمله بعيدا عن التهديد والوعيد ليكون حرا في مباشرة مهامه. أما اذا زالت صفته فتزول معه القيود الخاصة باتهامه واتخاذ الأجراءات الجنائية ضده ويصبح كسائر المواطنين يخضع للقانون مباشرة دون قيود أو حصانة. وكذلك الشأن بالنسبة للقضاة فلا تتخذ اجراءات جنائية ضد القاضي الا بعد استئذان مجلس القضاء الأعلي. أما اذا استقال فيسأل كسائر الأفراد حيث تطبق عليه القواعد العامة بسقوط الحصانة باستقالته أو اقالته. وعلي ذلك ينص قانون العقوبات المصري في اول مادة فيه علي انه تسري احكام هذا القانون علي كل من يرتكب في القطر المصري جريمة من الجرائم المنصوص عليها فيه. أي يسري القانون كقاعدة عامة علي كل من يوجد في أقليم الوطن ويرتكب جريمة فيه سواء كان مصريا أو اجنبيا بل ان القانون يسري علي كل من ارتكب خارج الوطن فعلا يجعله فاعلا أو شريكا في جريمة وقعت كلها او بعضها في القطر المصري وعديد من الأفعال التي ارتكبت خارج القطر وتكون جريمة تمس أمن الوطن وهي عديد من الجرائم اوردتها حصرا المادة الثانية من قانون العقوبات. وتنص المادة الخامسة من قانون العقوبات علي ان يعاقب علي الجرائم بمقتضي القانون المعمول به وقت ارتكابها. ومؤدي ما تقدم فان رئيس الجمهورية السابق وقد زالت عنه هذه الصفة وعاد الي حوزة المواطنين العاديين فان القول بحماية له في الدستور الملغي هو من قبيل خلط الأمور وعدم الدقة في تناولها, ذلك لأن هذه الحماية الواردة في المادة58 لم يعد لها وجود بوقف العمل بالدستور ولم يتبناها الدستور الوقتي وليس في وسعه ان يتبناها حيث لا يوجد رئيس للجمهورية, فضلا عن ان صفة رئيس الجمهورية لم تعد لصيقة بصاحبها فقد زالت بتنازله عنها نزولا علي رغبة الشعب الذي سحب هذه الصفة عنه واستجابته الي ما طالب به الشعب. وعلي ذلك يعود الأمر الي القواعد العامة حيث يسأل الشخص ايا كانت صفته عن الجرائم التي وقعت في ظل سريان قوانين التجريم والعقاب القائمة حال ارتكاب هذه الجرائم التي وقعت في ظل قوانين التجريم السارية حال وقوعها في جميع الناس ايا كانت صفته قبل المساءلة عنها او بعدها. بل انه بعد زوال صفة رئاسة الجمهورية عن الرئيس السابق حسني مبارك بتوجيه من الشعب واذعانه لهذا التوجه لم يعد سائغا حتي لو كان مجلس الشعب منعقدا ان يعرض عليه هذا الاتهام.. لأن عرض الاتهام علي مجلس الشعب من ثلث اعضائه والبت في هذا الاتهام بثلثي اعضائه لم يعد سائغا بل شرط هذا القيد هو أن يوجه حال شغل رئيس الدولة لوظيفته, اما بعد تركها وخروجه منها تحت أي ظرف فلم يعد هناك وجود لهذا القيد الوارد في الدستور الملغي ولم يعد هناك مجال لإعماله او الالتفات اليه. ولأننا نقول ان الاستثناء الذي كان واردا في المادة58 من الدستور الملغي حماية لوظيفة رئيس الدولة من الكيد والتشويش هو مجرد استثناء لاعتبارات تتصل بحماية مركز الرئيس واذا ترك الرئيس هذه السلطة ولم يعد يتحملها او يتصف بها فاننا نعود الي القواعد العامة لمحاكمة الناس جميعا واستمرارا لإعمال القواعد العامة في هذا الشأن فان الأمر يعرض علي سلطات التحقيق العادية والمحاكم الجنائية العادية نزولا علي القواعد العامة والأساسية في محاكمة الناس جميعا.. وبناء علي ما تقدم تكون هذه الشبهة المثارة في مقال الأستاذ الدكتور عبد المنعم سعيد لا محل لها واعتبار الإجراءات العادية في مجال التحقيق والمحاكمة العادية الأصلية هي التي تتطابق مع صحيح القانون والدستور معا.