فجأة.. هذه هى الكلمة السحرية التى يمكن أن تلخص الكثير مما حدث ويحدث لنا على أرض المحروسة.. فقد نشأنا وتربينا على أن كل المتغيرات والتقلبات فى حياتنا وبلادنا تحدث فجأة، وبالتالى فإن التعامل مع ما يجرى دائماً ما يكون بأسلوب برد الفعل الوقتى المرتبط بانفعالات اللحظة وليس بناء على دراسة واعية وتقدير للمواقف والتبعات. فطوال تاريخنا، من أيام الفراعنة وإلى الأيام الأخيرة من عهد النظام السابق كان على المصريين أن يتعاملوا مع العديد من المتغيرات التى عصفت بالبلاد والعباد على أنها أقدار محتومة لايمكن الهروب منها، على الرغم من أن المقصود هنا ليست الزلازل والبراكين والأعاصير، بل الأساس الذى يحكم علاقة الناس بهذه الرقعة من الأرض الواقعة فى منتصف الكرة الأرضة تقريباً والمسامة "مصر". فالحكام الذين تولوا إدارة شئون الدولة أوهموا الناس أن وجودهم على الكراسى هو عين الصواب، وأن استمرارهم عليها هو الصواب بعينه.. لكن فجأة، وبمجرد موت الحاكم يكتشف الناس أن كل ما قيل لهم كان وهماً، لكن المشكلة الحقيقية هى أن الناس الذين اكتووا بنار الحاكم السابق يقعون فى الفخ ذاته ويصدّقون الحاكم الجديد عندما يبدأ فى غسل عقولهم وغرس وهم جديد. طبعاً كل هذا معلوم بالضرورة من دروس التاريخ، أما دروس المنطق التى نحن – غالباً - ما نكون أبعد ما نكون عنها فهى الأخرى تشير إلى أن العالم كان يسير دوماً للأمام من حولنا ونحن نكتفى بالفرجة والتحسّر على ما فاتنا، ثم نبالغ فى إيهام أنفسنا بأنه مهما فعلنا فإنه من المستحيل أن نلحق بالذين سبقونا، لكن فجأة أيضا نكتشف أن اللحاق بالركب ليس مستحيلاً وأن بالعمل الجاد يمكن تدارك كل شئ، وأن الحقيقة هى أن تقدم العالم ليس خطأ هذا العالم، بل إن الخطأ خطؤنا بالاستسلام لحالة الجمود والموت السريرى لعقود مصدقين أننا أحفاد الفراعنة وصنّاع التاريخ وأنهه قادرون على اللحاق بالعالم فى متى شئنا، باختصار فقد عشنا فى حالة من الكسل اللذيذ، لكن ما تكشّف بعد انهيار النظام هو أن الكسل ليس لذيذا على الإطلاق، لأن ما سكتنا عليه طيلة السنوات الماضية أساء لمصر بشدة وأثّر على مكانتها وقدراتها. والآن على الجيل الحالى مسئوليات جسيمة سيحاسبه عليها التاريخ والأجيال القادمة معاً، فإن فشلنا فى بناء الدولة من جديد ووضعها على الطريق الصحيح فإننا لن نكون قد قصرنا فى حق الشهداء الذين قدموا أرواحهم فداء للوطن فسحب، بل نكون قد قصرنا فى حق أبناءنا الذين سيحاسبوننا أشد الحساب على ضعفنا وعلى عدم استغلال الفرصة التاريخية السانحة حالياً لبناء وطن نفخر به ونتباهى به بين الأمم.. فهل نبرهن لأنفسنا وللعالم وللتاريخ أن الروح لازالت تدب فينا، أم نواصل ايهام أنفسنا بأن كل شئ على ما يرام وتمام التمام ثم نستفيق على وقع كارثة جديدة تحدث فجأة؟ المزيد من مقالات وليد عبداللطيف