كان يوم الثلاثاء الماضي هو الموعد الذي أعلنت فيه لجنة تقصي الحقائق – التي كُلفت من قبل رئاسة مجلس الوزراء منذ شهرين للتحقيق في الأحداث والتجاوزات التي واكبت ثورة الخامس والعشرين من يناير النبيلة حتى الأيام التي أعقبت تنحي الرئيس السابق عن منصبه الرئاسي – تقريرها النهائي عن تلك الوقائع والذي وضعته بدورها بين أيدي وزير العدل والنائب العام، وهو تقرير ضخم ضخامة الأحداث التي وقعت يتكون من 300 صفحة. والتقرير الذي خرج متقنا في أدائه من قبل اللجنة القائمة عليه يكشف عن كوارث جمة ومهولة، حيث كنا نظن – أو يظن معظمنا – أن وراء تلك الأحداث التي شهدتها أيام الثورة بعض الأفراد الحريصين على بقاء النظام كما هو من رموز النظام والحزب الوطني بجانب فئة قليلة من رجال الأعمال الذين أرادوا مجاملة النظام من خلال إثبات ولائهم له من ناحية، وخشية على مصالحهم المرتبطة باستمراره من ناحية أخرى، فكان ما حدث من قتل المتظاهرين وترويع الآمنين ونشر الذعر والفوضى في ظل انفلات أمني عام مخطط من قبل قيادات الشرطة بإيعاز من وزير الداخلية. ولكن التقرير جاء مؤكدا أنه كان هناك توافق عام داخل أركان النظام على إفشال هذه الثورة السلمية بكل ما أوتوا من قوة ونفوذ وسلطان، وكان هناك تخطيط مسبق حتى قبل 25 يناير أدير بحنكة عالية أرادوا به إجهاض حركة الثوار بعد أن فشلوا في إدارة البلاد وتراجعوا بها وبدورها القيادي إلى الوراء، وهو ما يكشف بجلاء أننا كنا أمام زمرة من اللصوص والبلطجية تبلغ العشرات وربما تصل إلى عدة مئات من الأشخاص يديرون هذا البلد بأسلوب عصابات المافيا العائلية . فقد ألقى التقرير بالمسئولية الكاملة على النظام السابق وأعوانه عن الأحداث الدامية التي شهدتها مصر وأدت إلى استشهاد المئات وإصابة الآلاف من المواطنين في ميدان التحرير وسائر المحافظات، وجاء فيه أن هناك أسبابا عدة أدت مجتمعة إلى اشتعال الثورة كان في مقدمتها فساد الحياة السياسية، بالإضافة إلى أسباب أخرى منها الغياب شبه الكامل للحريات العامة والأساسية، وغيبة العدالة الاجتماعية وبروز الفوارق الشاسعة بين الطبقات، وتخلي النظام السابق نهائيا عن مسئولياته السياسية والاجتماعية تجاه المواطنين، وانتشار الرشوة والمحسوبية حتى أصبحت لغة وثقافة متعارفا عليها يوميا في حياة المصريين، والقمع الأمني الذي استخدمه النظام في تمرير مشروعاته وإسكات الأفواه المعارضة له، والتضليل الإعلامي وتفريغ الحقائق من مضمونها، ووضع ديمقراطية ديكورية لم يتعامل معها الشعب المصري. وتوقف التقرير أمام يوم الجمعة الدامي 28 يناير باعتباره يوما فارقا في تاريخ الثورة وتاريخ مصر، احتشد فيه المتظاهرون مصرين على إسقاط النظام بطريقة سلمية متحضرة، ولكن الشرطة قابلت هذا باستخدام مفرط للعنف والقوة باستخدام الذخيرة الحية بما يخالف القواعد المنصوص عليها قانونا للحالات التي يُصرح فيها لرجال الشرطة باستخدام السلاح والأماكن المسموح بإطلاق النيران عليها من الجسد، حيث تركزت معظم الإصابات في الوجه والصدر وهو ما يحتاج إلى دقة فائقة في التصويب وهذا لا يتوافر إلا في فرقة القناصة التابعة لإدارة مكافحة الإرهاب بجهاز أمن الدولة مما نتج عنه سقوط المئات من الشهداء وآلاف المصابين، بالإضافة إلى الانسحاب المخطط للشرطة من الشارع، واقتحام السجون وإخراج المساجين وعتاة المجرمين لزيادة حالة الفراغ الأمني وإرهاب المواطنين حتى لا ينضموا للثورة، وما صاحب ذلك من قطع وسائل الاتصال وخدمة الإنترنت بالاتفاق مع شركات المحمول، ونشر الذعر والفوضى عن طريق وسائل الإعلام. أما بخصوص موقعة الجمل يوم 2/2 اليوم التالي للخطاب الثاني للرئيس السابق الذي انتزع به تعاطف المصريين، فقد كشف التقرير عن تورط فئات عدة ما بين رموز الحزب الوطني الحاكم ورجال الأعمال وأعضاء مجلس الشعب والشخصيات العامة ورجال الشرطة في هذه الموقعة، لكن اللجنة ارتأت عدم الكشف عن هذه الشخصيات حفاظا على سرية التحقيقات التي ستجرى معهم لاحقا. تلك الحقائق المفزعة التي كشفت اللجنة النقاب عنها نزلت على قلوب وعقول المصريين كالصاعقة وأوغرت صدورهم، وتمنوا لو أن اللجنة لم تكشفها، لأن الناس كانت تعلم بأن هناك فسادا وإفسادا من بعض عناصر النظام، لكنها لم تكن تدرك أنه أصبح غولا ذا أذرع متشعبة ممتدة كالأخطبوط يشمل كل تلك الجماعات من البشر المجرمين الذين تخفوا وراء ملابس أنيقة وأحاديث معسولة عن النزاهة والحرص على مصالح البلاد والعباد من حقيقتهم الفاسدة العفنة المرة علينا، لأننا مهما شطح بنا الخيال لم يخطر ببالنا أنهم قتلة مجرمون تآمروا على هذا الشعب المسالم بهذه الطريقة البشع. إن ما قامت به لجنة تقصي الحقائق برئاسة المستشار عادل قورة رئيس محكمة النقض الأسبق، وأُعلن على لسان المستشار عمر مروان الأمين العام للجنة جهد وطني متميز يجب ألا يضيع سدى، وأن يتخذ النائب العام على الفور الإجراءات الكفيلة بسرعة إجراء التحقيقات في كل الوقائع التي وردت في تقرير اللجنة حتى ينال كل من يثبت تورطه جزاء ما فعل قصاصا لأرواح الشهداء والمصابين وكرامة المصريين التي اختطفت منهم طوال سنوات الحكم السابق، وأن تضع الحكومة نصب أعينها التوصيات التي جاءت في سياق تقرير اللجنة. المزيد من مقالات حسام كمال الدين