تحتفل مصر هذا العام بالعيد المميز لها وهي شم النسيم تحت ظروف مختلفة تماما عن الأعوام السابقة وبعد ثورة25 يناير وفرحة المصريين, إلا أن القلق مازال يساور كثيرا من الأسر. في الخروج إلي الميادين العامة والمنتزهات نتيجة وجود حالات من الانفلات الأمني ودور البلطجية في إيجاد جو من عدم الأمان, لذلك فإن الأجهزة الأمنية بأنواعها مطالبة باستكمال هذه الفرحة بضبط الشارع المصري والاستمرار في مطاردة الخارجين علي القانون لتعود البسمة في هذه المناسبة السعيدة التي تجمع كل المصريين وهنا يثور التساؤل هل سوف يكون لها تأثير علي الاحتفال بأقدم اعياد الدنيا ويكون الاحتفال به في حدود ضيقة كما تشير إلي ذلك بعض المؤشرات مثل حالة الركود والاقبال الضعيف علي سوق الاسماك المملحة. وهذا مايؤكده اصحاب محال الاسماك المملحة حيث يقول الحاج فؤاد محمد صاحب محل اسماك مملحة بمنطقة الظاهر لاشك أن الإقبال علي الشراء هذا العام ضعيف الي حد كبير بالنسبة للاعوام السابقة وذلك بالرغم من ثبات الأسعار علي نفس أسعار العام الماضي فان ثمن كيلو الفسيخ بلغ 54 جنيها والملوحة48 جنيها والرنجة تتراوح بين20 و24جنيها كما أن الشراء أصبح بكميات بسيطة, ويعلل الزبون ذلك بالرحلات الجماعية أو الاسرية في مناطق بعيدة كما كان الحال كل عام بسبب القلق من الظروف الأنية وأيضا سوء الحالة الاقتصادية إلي جانب ظروف الامتحانات المواكبة للاحتفال بعيد شم النسيح, لذلك سوف يقتصر الاحتفال به علي تناول وجبة الربيع المميزة علي نطاق ضيق بالمنزل أو أي حديقة قريبة. وأن هذا يبين مدي تمسك المصريين بقائمة طعام شم النسيح المميزة حتي اذا تنازلوا عن الخروج إلي الحدائق والمنتزهات. وحول الحديث عن مظاهر الاحتفال بهذا العيد العريق عند الفراعنة يقول د. جمال عيسي الجمال أستاذ التاريخ الفرعوني بجامعة القاهرة كان قدماء المصريين يحتفلون بعيد شم النسيم في احتفال رسمي كبير فيما يعرف بالانقلاب الربيعي وهو اليوم الذي يتساوي فيه الليل والنهار وقت حلول الشمس في برج الحمل. وهو عيد يرمز عند المصريين القدماء الي بعث الحياة, وأن ذلك اليوم هو أول ايام الزمان وبدء خلق العالم كما كانوا يتصورون. وكان يحرص جميع المواطنين القدماء في ذلك اليوم علي الخروج إلي الحدائق والمتنزهات منذ الفجر للاستمتاع بجمال الطبيعة واستنشاق أولي نسمات الربيع التي تفوح منها عطور الزهور مما ينعش النفوس او يجعلها تشعر بالسعادة والتفاؤل مع بداية عام جديد. وأضاف أن الاحتفال بعيد شم النسيم يبدأ مع إشراقة شمس اليوم الجديد ويمتد إلي مهرجان شعبي تشترك فيه جميع طوائف الشعب الذين خرجوا إلي الحدائق والمتنزهات حاملين آلاتهم الموسيقية وهم يرقصون ويغنون علي انغامها, كما كان من أهم مظاهر الاحتفال بعيد الربيع لدي قدماء المصريين حرصهم الشديد علي تناول الاطعمة الخاصة بهذه المناسبة والتي كانوا يحملونها معهم لتناولها خلال احتفالهم هذا بقدوم الربيع و مازالت حتي الآن هذا العادة, وهي البيض والفسيخ( الأسماك المملحة) والبصل والخس والملانة وكانوا يطلقون علي تلك القائمة لمائدة الربيع كف الربيع الخمسة وترمز هذه الانواع من الاطعمة الخمس إلي اعتقاد معين خاص بكل منها. وهي أطعمة مصرية ذات طابع خاص ارتبطت بمدلول الاحتفال بذلك اليوم عند الفراعنة مما تمثله عندهم من الخلق والخصب والحياة. فالبيض يرمز الي خلق المياه من الجماد وقد صورت بعض البرديات إله الخلق عند الفراعنة وهو يجلس علي الأرض( الكون) التي تبدو علي شكل البيضة. لذلك فان تناول البيض في هذه المناسبة يبدو وكأنه إحدي الشعائر المقدسة عند قدماء المصريين فإنه يرمز الي الحياة التي تخرج من البيضة. والقدماء كانوا ينقشون علي البيض دعواتهم وأمنياتهم للعام الجديد ثم يصنعونه في سلال من سعف النخيل ويعلقونها في شرفات منازلهم أو علي أغصان الشجر لتحظي ببركات نور الإله عند شروقه فيحقق أمنياتهم وقد تطورت هذه النقوش فيما بعد لتصبح لونا من الزخرفة الجميلة والتلوين البديع للبيض. أما الأسماك المملحة فكانت ترمز الي تقديسهم للنيل منبع الحياة, واستمرارها لذلك كانوا يحرصون علي تناول الأسماك المملحة في ذلك اليوم لينعموا بحركة النهر المقدس الذي تعيش فيه الأسماك كما أنهم وجدوا أن الأسماك المملحة تقي الإنسان من أمراض الربيع, وأظهرت المصريون القدماء براعة شديدة في حفظ الأسماك وتجفيفها وصناعة الفسيخ. كذلك كان البصل من بين الأطعمة التي حرص المصريون القدماء علي تناولها في تلك المناسبة وقد ارتبطت عندهم إرادة الحياة وقهر الموت والتغلب علي المرض والوقاية من أمراض الربيع والصيف. وكان وراء هذا الاعتقاد تلك القصة التي تروي أن ابن أحد ملوك الفراعنة أصيب بمرض لعين جعله ضريح الفراش لا يتحرك,و احتار في علاجه جميع الأطباء وعندما قام أحد الكهنة بعلاجه بالبصل باستنشاق رائحته قام الطفل من سريره وشفي تماما, وأقيمت احتفالات شعبية كبيرة بهذه المناسبة. ومنذ ذلك الوقت أصبح البصل ضمن قائمة أطعمة مائدة الربيع, كما كانوا يقومون أيضا بتعليقه علي شرفات المنازل وحول رقابهم. وكان الخس من النباتات المقدسة لدي قدماء المصريين فنقشوا صورته تحت أقدام إله التناسل عندهم فهو يرمز الي الخصوبة والحيوية حيث أن الزيوت التي يحتوي عليها تساعد علي الخصوبة وهذا ماأثبته العلم الحديث بالفعل. أما الملانة( الحمص الأخضر) فهي تعلن عن قدوم فصل الربيع حيث إنها عندما تنضج وتتمايل أغصانها مع نسمات الربيع وتصدر حباتها أصواتا, وكأنها تدق أجراسا لتعلن عن قدوم الربيع. وأضاف أن قائمة أطعمة مائدة شم النسيم المميزة تشير الي العديد من المعتقدات والعادات التي كان قدماء المصريين يحرصون علي التمسك بها لأنها جزء من شعائرهم الدينية وعاداتهم الشعبية. ومازال جميع المصريين حتي الآن يحتفلون به كنوع من التراث الشعبي من الأجداد منذ آلاف السنين حيث تخرج جميع الأسر للاحتفال بقدوم الربيع الي الحدائق والمنتزهات بجمال الطبيعة وعطر زهور الربيع طوال اليوم. لكن يبدو ان أحداث ثورة 25 يناير العظيمة والمرور بتلك الفترة الانتقالية التي يشعر فيها الجميع بالقلق وضيق في الحالة الاقتصادية كان لها تأثير كبير علي الاستعداد للاحتفال بعيد شم النسيم كما هو الحال كل عام.