حوار سهير عبدالحميد مافيش خوف تاني.. مافيش ظلم تاني كانت هذه الكلمات التي نطقت بها الناشطة السياسية نوارة نجم عقب إعلان قرار مبارك التنحي مازالت ترن في أذني فهي تحمل الرغبة في واقع يخلو من التعذيب داخل السجون والاعتقال في غياهب الجب. لكن الأيام القليلة الماضية أثبتت أن سقوط مبارك ليس الضمان الكافي كي نعيش بكرامة وعزة.. وربما تفاءل البعض بعد لقاء اللواء منصور العيسوي مع بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان خصوصا وأنه من أهم النشطاء الحقوقيين والذي كان انحيازه الدائم للعدالة والمساواة سببا كافيا ليقدم استقالته من المجلس القومي لحقوق الإنسان فقد رفض أن يكون جزءا من منظمة يراها مجرد قطعة ديكور غطت علي مفاسد النظام. وقد التقينا مع بهي الدين حسن في محاولة لرسم صورة لمستقبل يعيش فيه المواطن المصري بلا قهر.. مستقبل يتحول فيه مصطلح حقوق الإنسان من مجرد مفهوم هلامي الي واقع يومي معاش.. وتاليا نص الحوار: لأول مرة يلتقي وزير الداخلية بناشط حقوقي وهو ما أثار الكثير من التفاؤل حول احترام حقوق الإنسان في المستقبل خصوصا من جانب وزارة الداخلية.. فهل تحدثنا عن تفاصيل اللقاء؟ اللقاء تم بناء علي طلب مني لاستكشاف توجهات وزير الداخلية الجديد بالنسبة للقضايا المتصلة بحقوق الإنسان خصوصا ووافقني الوزير فيما عرضته عليه من إمكانية وجود علاقة مؤسسية بين الداخلية ومؤسساتت حقوق الإنسان سواء علاقة رأسية بين مكتبه والمنظمات أو قنوات أفقية بحيث تصل أي شكوي تتعلق بأي قسم شرطة الي المنظمات الحقوقية ولا داع لأن تصل الي مكتب وزير الداخلية أولا بحيث يبحثها ويتابعها مكتبه مع قسم الشرطة وهو ما يستغرق وقتا طويلا كما دعوته الي عقد لقاء بينه وبين منظمات حقوق الإنسان لمناقشة القضايا المتصلة بالإصلاح الأمني من منظور حقوق الإنسان وهذه المرة الأولي التي ألتقي فيها كحقوقي بوزير الداخلية فعندما كنت أمينا عاما للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان التقيت بوزير الداخلية آنذاك اللواء عبدالحليم موسي مرتين وللأسف منذ هذا التاريخ لم تكن هناك لقاءات لي أو لأي من الحقوقيين مع وزراء الداخلية. هل تعتقد أن استبدال جهاز أمن الدولة بجهاز الأمن الوطني خطوة إيجابية أو كافية من جانب وزارة الداخلية علي طريق احترام حقوق الإنسان؟ منطوق القرار يثير تساؤلات عديدة: هل هو إلغاء لجهاز أمن الدولة أم عملية إحلال له مع تغيير الاسم ومنطوق القرار صدر بشكل مختصر ولقد طلبت من وزارة الداخلية المذكرة التفصيلية للقرار فقالوا لي إنها ليست متاحة بعد فالتوصيف الوظيفي للجهاز جاء من خلال عبارات مطاطة تثير القلق أكثر مثل مصطلح حماية الجبهة الداخلية هذا المصطلح ظهر بعد هزيمة يونيو1967 وكانت الجبهة الخارجية علي قناة السويس ومطلوب حماية الجبهة الداخلية من هجمات وغارات محتملة في الداخل وأعمال أخري منها أن يكون الشعب معبأ لمواجهة العدوان بعد انتصار أكتوبر1973 اختفي هذا المصطلح من قاموس السياسة المصرية تماما فما موجب الرجوع الآن الي مصطلح من هذا النوع فنحن في حاجة لتوضيح هل هذا المصطلح وضع للتغطية علي مهام أخري سيقوم بها الجهاز هناك أيضا مهمة مكافحة الإرهاب هل هي مهمة الجهاز أم يمكن انشاء جهاز آخر خارج نطاق الداخلية للقيام بهذه المهمة. إذا علينا أن نتساءل عن الآليات والضوابط التي تضمن لنا ألا يتحول جهاز الأمن الوطني إلي صورة مستنسخة من جهاز أمن الدولة القديم؟ الضمان الأول ألا تختزل المحاسبة الجنائية فيما يجري حاليا من محاكمة لوزير الداخلية وعدد من قيادات الأمن وكأن الجرائم الجنائية التي ارتكبت داخل جهاز الداخلية تقتصر علي ما جري بعد25 يناير وكأن سياسة الداخلية قبل هذا التاريخ كانت رائعة ومثالية, إن ثورة25 يناير اختارت25 يناير للقيام بالثورة لأنه عيد الشرطة وهي إشارة إلي أن الدافع الأساسي لهذه الثورة هو الجرائم التي ارتكبت من ضباط الداخلية علي مدي عقود من قتل وتعذيب واختفاء وإهانة للمواطنين وتحقيرهم والتحرش بالنساء فكيف يمكن اختزال كل هذا فيما حدث خلال ال18 يوما التالية ليوم25 يناير. كما لا يمكن اختزالها أيضا في شخص القيادات؟ طبعا لذا لابد أن يرجع التحقيق الجنائي أمنيا لوزراء الداخلية السابقين علي العادلي فالقتل خارج القانون والقهر والتعذيب لم يبدأ مع حبيب العادلي بل هو سياسة نظام وليس سياسة وزير وكون أحد الوزراء كان متطرفا في تطبيقها أو أنه مع مرور الزمن تزايدت القسوة فهذا لا يعني أن الوزراء السابقين كانوا أفضل فلابد أن يرجع التحقيق الجنائي إلي عهد السادات وعبدالناصر فنحن نحتاج الي تحقيق سياسي وليس جنائيا علي أن تقوم به هيئة مستقلة. لابد أن نعرف لماذا وصلت الأمور إلي هذا الحد فنحن لا نري إلا السطح هناك أعداد كبيرة من الأشخاص اختفت مثل الصحفي بالأهرام رضا هلال وهناك أعداد أخري تم تعذيبها واغتيالها وعلي الداخلية إجراء تحقيقات داخلية لنعرف كيف كان جهاز الداخلية يرتكب تلك المخالفات نهارا جهارا وكيف تحولت مؤسسة وظيفتها بمقتضي الدستور تنفيذ القانون الي مؤسسة دورها انتهاك القانون والهجوم علي المواطنين بعد1967 سمعنا عن فساد المخابرات ودولة صلاح نصر وحتي الآن لا نعرف تفاصيل ما حدث لأنه لم يحدث أي تحقيق ولم نعرف ما الذي وصل بهم الي ذلك وما الظروف التي جعلت جهاز المخابرات دولة داخل الدولة. نحن الآن إزاء وضع مشابه ولو تعاملنا معه كما تعاملنا مع الأوضاع في عهد صلاح نصر, فقد نفاجأ بها تتكرر بعد فترة. وقد نجد أن جهاز الأمن الوطني يتحول إلي صورة من جهاز أمن الدولة أو إلي دولة شبيهة لدولة صلاح نصر فأسماء الأشخاص والأجهزة تتغير والأحداث تتكرر إذا ما حدث تحقيق جنائي يحاسب الاشخاص بتهم لا تتناسب مع ما اقترفوه فصلاح نصر أخذ عقوبة لنحو عامين والتحقيقات لم تكن متاحة للجميع وحبيب العادلي في بداية القبض عليه كانت التهمة الموجهة إليه هي تهمة غسيل الأموال, والضمان كي لا يتكرر الأمر أن يتم إجراء تحقيق سياسي وأن تكون التحقيقات علنية ففي الدول التي مرت بمرحلة تحول من هذا النوع أي التحول من نظام ارتكب جرائم الي نظام تستقر فيه العدالة يتم عمل ما يسمي العدالة الانتقالية أو مهمات العدالة الانتقالية وأهمها البحث عن الحقيقة وإنصاف الضحايا ليس فقط ضحايا52 يناير ولكن العدد الهائل من الضحايا الذين تم تعذيبهم بشكل وحشي أو تم اعتقالهم أو اختفوا. وبهذا يكون النجاح الحقيقي للثورة قد تحقق؟ بالضبط فعندما تتضح الحقيقة يتعلم الشعب ويأخذ الدرس مما حدث ويصبح رقيبا ضامنا لعدم تكرار حوادث الفساد وانتهاك الحريات وهناك عدد من الدول التي نجحت في تجاوز مرحلة العدالة الانتقالية بنجاح منها دول أمريكا اللاتينية في تشيلي والأرجنتين وجنوب إفريقيا وإن كانت التجربة فيها ليست جذرية بما يكفي مما يسمح بتكرار بعض الممارسات في وقت لاحق. هل تستشعر وجود تباطؤ في محاسبة المفسدين؟ ليس تباطؤا وإنما هناك حالة من عدم الشفافية ويمكننا أن نتساءل لماذا اقتصرت عملية المحاسبة علي أشخاص بعينهم بينما لا تلتفت إلي أسماء أخري تستحق المحاسبة الفورية, كما أن الاتهامات لا ترقي إلي مستوي الجرائم التي ارتكبت, فحبيب العادلي عندما تم القبض عليه اتهم بغسيل الأموال في مبلغ يعتبر تافها بالنسبة لوزير كحبيب العادلي كان يمتلك البلد كلها فوزارة الداخلية كانت دولة فوق الدولة وركيزة النظام اتهم العادلي بهذه التهمة في حين نسي التاريخ المعلن والمعروف وهو التعذيب والاعتقال وحتي الآن لم يتم وضع هذه التهم في الاعتبار. هل يمكننا بناء علي هذا استبدال كلمة التباطؤ بكلمة التواطؤ؟ من الممكن أن نقول عدم الشفافية في عملية التحقيق وانتقاء المتهمين. هل ذلك يعطي فرصة للمتهمين الآخرين للإفلات من العقاب؟ لا أريد أن ألقي هذا النوع من التهم فبالنسبة لي كحقوقي حتي حبيب العادلي بريء حتي تثبت إدانته لكن أقول لابد من مكاشفة الرأي العام بكل التفاصيل والأسباب وراء هذه الانتقائية في الشخوص والتهم. إذا أنت تطلب فتح كل الملفات وأعتقد أن منها قضية اغتيال سعاد حسني التي قيل إن المخابرات قامت باغتيالها لأنها كانت ستفضح في مذكراتها الكثير من فضائح المخابرات المصرية وإعادة التحقيق في قضية مقتل سوزان تميم والتي يقال إن جمال مبارك عرقل محاكمة هشام طلعت مصطفي وقضية مقتل هبة ونادين التي نشر علي الإنترنت أن ابن أحمد نظيف هو الذي قام بقتلها؟ لا أريد ذكر أسماء أو قضايا في حد ذاتها لأنني لا أزعم أنني ملم بتفاصيلها وأخبارها ولكن في إطار عملية التحقيق السياسي الذي يفتح كل الملفات من المؤكد أنه سيفتح كل القضايا وأنا شخصيا إذا ما خيرت ما بين التحقيق السياسي والتحقيق الجنائي سأختار التحقيق السياسي لأنه سيكشف ما حدث وبالتالي يؤمن البلد في المستقبل أما التحقيق الجنائي فإنه سيصفي حسابات مع أشخاص ومسئولين معينين. غالبية المصريين يرون أن هناك مسافة رهيبة بين جهاز الداخلية وحقوق الإنسان واقترح البعض تدريب بعض خريجي كليات الحقوق في كلية الشرطة لمدة أربعة أشهر ليستبدلوا بالضباط الحاليين.. ما تعليقك؟ القول بهذا التعارض بين عمل الداخلية وحقوق الإنسان مدخل إلي جهنم وهذه هي المشكلة الحقيقية ودولة مثل مصر لا تحترم الحريات وجدنا في السنوات العشرين فشلا ذريعا في مكافحة الجريمة وهناك فبركة قضايا وتلفيق التهم لأناس أبرياء لأن تركيز وزارة الداخلية كان علي حماية النظام. في يقيني أن تعزيز حقوق الإنسان يؤدي إلي تعزيز الأمن من الناحيتين النظرية والعملية والموضوع يتوقف علي الإرادة السياسية هل النظام يريد احترام حقوق الإنسان أم لا. لكن من المؤكد أن هذا لن يحدث بين ليلة وضحاياها؟ أركز في البداية علي مسألة الإرادة السياسية ومناهج التعليم داخل كليات الشرطة والأهم المناهج العملية وأقصد تعليمات الضباط الكبار فمناهج حقوق الإنسان تدرس داخل كليات الشرطة ولكن كما يدرس الدين في مدارسنا أي من الناحية الشكلية الطقسية النقطة الثانية أنه ينبغي تعزيز أواصر العلاقة بين الشرطة وحقوق الإنسان بحيث لا تكون علاقة بين عدوين وأن تكون هناك صلة يومية بين الضباط وحقوق الإنسان وأن يكون احترام المواطن أحد معايير الترقي داخل سلك الشرطة للأسف كانت القسوة وتقفيل الملفات بالفبركة وإجبار المتهم علي الاعتراف بأي وسيلة هو معيار الترقي. أعتقد أن جهاز الداخلية يحتاج إلي الكثير لتنظيم البيت من الداخل ومن ذلك القضاء علي استغلال الضباط للمجندين وتحسين أوضاع أمناء الشرطة والموظفين في إدارات المرور الذين لا يجدون أمامهم سوي أسلوب فتح الأدراج وهو مصطلح دارج أو راق بديل لمصطلح تلقي الرشاوي؟ لابد من مراجعة جذرية للأوضاع المادية لضباط الشرطة, فقد كان ضباط مباحث أمن الدولة هم الفئة التي تتمتع بكل المميزات وبالمناسبة فإن المطالب التي رفعوها في تظاهراتهم مطالب عادية ومعقولة ومشروعة. وهناك جنود الأمن المركزي فهم يمثلون جيشا يعمل في السخرة ولا يعاملون كبني آدميين ومرتباتهم لا تكفي لشرب الشاي. ووضعهم اللإنساني ينبغي معالجته من منظور حقوق الإنسان ومن منظور الأمن أيضا فلو تحرك هؤلاء الجنود سنكون في كارثة من نوع1968 فهم غير منظمين وليسوا علي درجة الوعي التي يتمتع بها الضباط وأمناء الشرطة.. كيف نعزز ثقافة حقوق الإنسان لدي المواطن المصري البسيط؟ ثورة25 يناير مدرسة كبيرة لتعليم الناس بحقوقها والمطالبة بها ولا شك أن الإعلام عليه دور نوعي في نشر نشاط حقوق الإنسان ولا أقصد عمل ذلك بأسلوب المحاضرات لكن أقصد أن تدخل حقوق الإنسان في القوالب الجذابة التي يقدمها الإعلام كما تفعل السينما المصرية التي لعبت دورا في تقديم فن ينتصر للحق والكرامة وليس تقديم فيلم وعظي. ماذا عن إدراج حقوق الإنسان في المناهج الدراسية؟ التلاميذ ولديهم ما يكفيهم من المناهج ولا أعتقد أن أيا منا كان يستمتع بدروس التربية الوطنية لكن يمكن إدراج حقوق الإنسان في التاريخ والدين. في عام7002 قدمت استقالتك من المجلس القومي لحقوق الإنسان ووصفته بأنه غير مفعل.. كيف تراه الآن؟ وفقا لقانون المجلس أنه هيئة مستقلة لكن كيف يكون كذلك وهو يضم مجموعة من الأصدقاء من قيادات في الحزب الوطني.. وأثناء وجودي في المجلس كان ثلثي أعضائه بهذا الشكل وفي آخر تشكيل أصبحت النسبة 85%المجلس الحالي قام بأداء سييء للغاية يرقي إلي مستوي الفضيحة, فالتقارير التي كتبت عن زياراتهم للسجون تشعر وكأنك في إحدي الدول الإسكندرنافية وهي المعروفة عالميا بأنها الأكثر مراعاة لحقوق الإنسان فالموضوع وصل إلي درجة من الفجاجة وعدم احترام عقلية من يقرأ اجزم أن حبيب العادلي لوزارة تلك السجون لم يكن ليكتب تلك التقارير كان المجلس عندما يخاطب أي جهة أمنية بخصوص أية شكاوي تأتي الردود علي طريقة مشي حالك والعاملون في المجلس بعد25 يناير تحدثوا عن العلاقة الوثيقة بين المجلس ومباحث أمن الدولة حتي أن المباحث كانت تعطي المجلس تقارير عن الموظفين والمتظاهرين في التحرير واضطر المجلس إلي تقديم استقالته بعد هذه الفضيحة واذكر تصريح بطرس غالي الذي قال فيه نجحنا في تحسين صورة الحكومة أمام المجتمع الدولي فهل هذه مهمة المجلس أم أن مهمته تحسين الأصل. حقوق الأقباط في مصر ورقة تلاعب بها الساسة الأمريكيون ويضغطون بها علي النظام المصري الذي تلاعب هو الآخر بهذه الورقة ليدخل المصريبن في صراع يشغلهم عن خطة التوريث.. كيف تري المشهد حاليا والورقة مازالت تستخدم في الثورة المضادة؟ لابد أن نحل المشكلة من الأساس فهناك مشكلة حقيقية هي أن الأقباط لا يتمتعون بحقوق المواطنة وحتي الشيعة يشعرون باضطهاد.. بدو سيناء.. النوبة كلهم فئات تشعر أن حقوقهم انتقصت إذا هي ليست مشكلة طائفية؟ بالضبط هي مشكلة تتعلق بالمساواة في بناء مقار العبادة ألا يتعرض دين أو مذهب لإهانة من إعلام الدولة أو مناهجها التعليمية وكان هناك لجنة تقصي حقائق كان يرأسها الوزير جمال العطيفي إذا قرانا توصياته وجدناها صالحة حتي الآن. ومع ذلك لم تنفذ ونظام مبارك كان يتلاعب بالورقة علي نمط الاحتلال البريطاني فرق تسد وبدلا من الحلول القانونية للمشاكل كان يتم اللجوء إلي المجالس العرفية وللأسف تم اللجوء إلي الأسلوب نفسه في أطفيح رغم أن ثمار تلك الأساليب مرة وإذا لم نحل المشكلة من الأساس ستشهد مصر عشرات الحرائق الطائفية.